ما أسرع الأيام في طينا

ديوان الشريف الرضي

ما أَسرَعَ الأَيّامَ في طَيَّنا


تَمضي عَلينا ثُمَّ تَمضي بِنا


في كُلَّ يَومٍ أَمَلٌ قَد نَأى


مَرامُهُ عَن أَجَلٍ قَد دَنا


أَنذَرَنا الدَهرُ وَما نَرعَوي


كَأَنَّما الدَهرُ سِوانا عَنى


تَعاشِياً وَالمَوتُ في جِدِّهِ


ما أَوضَحَ الأَمرَ وَما أَبيَنا


وَالناسُ كَالأَجمالِ قَد قُرَّبَت


تَنتَظِرُ الحَيَّ لِأَن يَظعَنا


تَدنو إِلى الشِعبِ وَمِن خَلفِها


مُغامِرٌ يَطرُدُها بِالقَنا


إِنَّ الأُلى شادَوا مَبانيهِمُ


تَهَدُّموا قَبلَ اِنهِدامِ البُنى


لا مُعدِمٌ يَحميهِ إِعدامُهُ


وَلا يَقي نَفسَ الغَنِيِّ الغِنى


كَيفَ دِفاعُ المَرءِ أَحداثَها


فَرداً وَأَقرانُ اللَيالي ثِنى


حَطَّ رِجالٌ وَرَكِبنا الذُرى


وَعُقبَةُ السَيرِ لِمَن بَعدَنا


كَم مِن حَبيبٍ هانَ مِن فَقدِهِ


ما كُنتُ أَن أَحسَبَهُ هَيَّنا


أَنفَقتُ دَمعَ العَينِ مِن بَعدِهِ


وَقَلَّ دَمعُ العَينِ أَن يُخزَنا


كُنتُ أُوَقَيهِ فَأَسكَنتُهُ


بَعدَ اللَيانِ المَنزِلَ الأَخشَنا


دَفَنتُهُ وَالحُزنُ مِن بَعدِهِ


يَأبى عَلى الأَيّامِ أَن يُدفَنا


يا أَرضُ ناشَدتُكِ أَن تَحفَظي


تِلكَ الوُجوهَ الغُرَّ وَالأَعيُنا


يا ذُلَّ ما عِندَكِ مِن أَوجُهٍ


كُنَّ كِراماً أَبَداً عِندَنا


وَالحازِمُ الرَأيِ الَّذي يَغتَدي


مُستَقلِعاً يُنذِرُ مُستَوطِنا


لا يَأمَنُ الدَهرَ عَلى غِرَّةٍ


وَعَزَّ لَيثُ الغابِ أَن يُؤمَنا


كَأَنَّما يَجفُلُ مِن غارَةٍ


مُلتَفِتاً يَحذَرُ أَن يُطعَنا


أُخَيَّ جَبراً لَكَ مِن عَثرَةٍ


لا بُدَّ لِلعاثِرُ أَن يوهَنا


إِنَّ الَّتي آذَتكَ مِن ثِقلِها


هَلُمَّها نَحمِلُها بَينَنا


ساقَيتُكَ الحُلوَ فَلا بِدعَةً


إِن أَنا طاعَمتُكَ مُرَّ الجَنى


سَلَبتَ ما أَعجَزَنا رَدُّهُ


في قُوَّةِ السالِبِ عُذرٌ لَنا


جِنايَةُ الدَهرِ لَهُ عادَةٌ


فَما لَنا نَعجَبُ لَمّا جَنى


مَن كانَ حِرمانُ المُنى دَأبَهُ


فَالفَضلُ إِن بَلَّغَ بَعضَ المُنى


كَم غارِسٍ أَمَّلَ في غَرسِهِ


فَأَعجَلَ المِقدارُ أَن يُجتَنى


ما الثَلمُ في حَدِّكَ نَقصاً لَهُ


قَد يُثلَمُ العَضبُ وَقَد يُقتَنى


يَأبى لَكَ الحُزنُ أَصيلَ الحِجى


وَيَقتَضيكَ الرُزءُ أَن تَحزَنا


وَالأَجرُفي الأولى وَإِن أَقلَقَت


وَرُبَّما نَستَقبِحُ الإِحسَنا


ذا الخُلُقِ الأَعلى فَخُذ نَهجَه


وَاِترُك إِلَيهِ الخُلُقَ الأَدوَنا


أَبا عَلَيٍّ هَل لِأَمثالِها


غَيرُكَ إِن خَطبُ زَمانٍ عَنى


فَاِنهَض بِها إِنَّكَ مِن مَعشَرٍ


إِن جُشِّموا الأَمرَ أَبانوا الغِنى


وَاِصبِر عَلى ضَرّائِها إِنَّما


نُغالِبُ القِرنَ إِذا أَمكَنا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات