Skip to main content
search

غَيري بِأَكثَرِ هَذا الناسِ يَنخَدِعُ

إِن قاتَلوا جَبُنوا أَو حَدَّثوا شَجُعوا

أَهلُ الحَفيظَةِ إِلّا أَن تُجَرِّبُهُم

وَفي التَجارِبِ بَعدَ الغَيِّ ما يَزَعُ

وَما الحَياةُ وَنَفسي بَعدَ ما عَلِمَت

أَنَّ الحَياةَ كَما لا تَشتَهي طَبَعُ

لَيسَ الجَمالُ لِوَجهٍ صَحَّ مارِنُهُ

أَنفُ العَزيزِ بِقَطعِ العِزِّ يُجتَدَعُ

أَأَطرَحُ المَجدَ عَن كِتفي وَأَطلُبُهُ

وَأَترُكُ الغَيثَ في غِمدي وَأَنتَجِعُ

وَالمَشرَفِيَّةُ لا زالَت مُشَرَّفَةً

دَواءُ كُلِّ كَريمٍ أَوهِيَ الوَجَعُ

وَفارِسُ الخَيلِ مَن خَفَّت فَوَقَّرَها

في الدَربِ وَالدَمُ في أَعطافِها دَفعُ

وَأَوحَدَتهُ وَما في قَلبِهِ قَلَقٌ

وَأَغضَبَتهُ وَما في لَفظِهِ قَذَعُ

بِالجَيشِ تَمتَنِعُ الساداتُ كُلُّهُمُ

وَالجَيشُ بِاِبنِ أَبي الهَيجاءِ يَمتَنِعُ

قادَ المَقانِبَ أَقصى شُربِها نَهَلٌ

عَلى الشَكيمِ وَأَدنى سَيرِها سِرَعُ

لا يَعتَقي بَلَدٌ مَسراهُ عَن بَلَدٍ

كَالمَوتِ لَيسَ لَهُ رِيٌّ وَلا شِبَعُ

حَتّى أَقامَ عَلى أَرباضِ خَرشَنَةٍ

تَشقى بِهِ الرومُ وَالصُلبانُ وَالبِيَعُ

لِلسَبيِ ما نَكَحوا وَالقَتلِ ما وَلَدوا

وَالنَهبِ ما جَمَعوا وَالنارِ ما زَرَعوا

مُخلىً لَهُ المَرجُ مَنصوباً بِصارِخَةٍ

لَهُ المَنابِرُ مَشهوداً بِها الجُمَعُ

يُطَمِّعُ الطَيرَ فيهِم طولُ أَكلِهِمُ

حَتّى تَكادَ عَلى أَحيائِهِم تَقَعُ

وَلَو رَآهُ حَوارِيّوهُمُ لَبَنوا

عَلى مَحَبَّتِهِ الشَرعَ الَّذي شَرَعوا

ذَمَّ الدُمُستُقُ عَينَيهِ وَقَد طَلَعَت

سودُ الغَمامِ فَظَنّوا أَنَّها قَزَعُ

فيها الكُماةُ الَّتي مَفطومُهُا رَجُلُ

عَلى الجِيادِ الَّتي حَولِيُّها جَذَعُ

تَذري اللُقانُ غُباراً في مَناخِرِها

وَفي حَناجِرِها مِن آلِسٍ جُرَعُ

كَأَنَّها تَتَلَقّاهُم لِتَسلُكَهُم

فَالطَعنُ يَفتَحُ في الأَجوافِ ما تَسَعُ

تَهدي نَواظِرَها وَالحَربُ مُظلِمَةٌ

مِنَ الأَسِنَّةِ نارٌ وَالقَنا شَمَعُ

دونَ السِهامِ وَدونَ القُرِّ طافِحَةً

عَلى نُفوسِهِمِ المُقوَرَّةُ المُزُعُ

إِذا دَعا العِلجُ عِلجاً حالَ بَينَهُما

أَظمى تُفارِقُ مِنهُ أُختَها الضِلَعُ

أَجَلُّ مِن وَلَدِ الفُقّاسِ مُنكَتِفٌ

إِذ فاتَهُنَّ وَأَمضى مِنهُ مُنصَرِعُ

وَما نَجا مِن شِفارِ البيضِ مُنفَلِتٌ

نَجا وَمِنهُنَّ في أَحشائِهِ فَزَعُ

يُباشِرُ الأَمنَ دَهراً وَهوَ مُختَبَلٌ

وَيَشرَبُ الخَمرَ حَولاً وَهوَ مُمتَقَعُ

كَم مِن حُشاشَةِ بِطريقٍ تَضَمَّنَها

لِلباتِراتِ أَمينٌ مالَهُ وَرَعُ

يُقاتِلُ الخَطوَ عَنهُ حينَ يَطلُبُهُ

وَيَطرُدُ النَومَ عَنهُ حينَ يَضطَجِعُ

تَغدو المَنايا فَلا تَنفَكُّ واقِفَةً

حَتّى يَقولَ لَها عودي فَتَندَفِعُ

قُل لِلدُمُستُقِ إِنَّ المُسلَمينَ لَكُم

خانوا الأَميرَ فَجازاهُم بِما صَنَعوا

وَجَدتُموهُم نِياماً في دِمائِكُمُ

كَأَنَّ قَتلاكُمُ إِيّاهُمُ فَجَعوا

ضَعفى تَعِفُّ الأَيادي عَن مِثالِهِمِ

مِنَ الأَعادي وَإِن هَمّوا بِهِم نَزَعوا

لا تَحسَبوا مَن أَسَرتُم كانَ ذا رَمَقٍ

فَلَيسَ يَأكُلُ إِلّا المَيِّتَ الضَبُعُ

هَلّا عَلى عَقَبِ الوادي وَقَد صَعِدَت

أُسدٌ تَمُرُّ فُرادى لَيسَ تَجتَمِعُ

تَشُقُّكُم بِفَتاها كُلُّ سَلهَبَةٍ

وَالضَربُ يَأخُذُ مِنكُم فَوقَ ما يَدَعُ

وَإِنَّما عَرَّضَ اللَهُ الجُنودَ بِكُم

لِكَي يَكونوا بِلا فَسلٍ إِذا رَجَعوا

فَكُلُّ غَزوٍ إِلَيكُم بَعدَ ذا فَلَهُ

وَكُلُّ غازٍ لِسَيفِ الدَولَةِ التَبَعُ

يَمشي الكِرامُ عَلى آثارِ غَيرِهِمِ

وَأَنتَ تَخلُقُ ما تَأتي وَتَبتَدِعُ

وَهَل يَشينُكَ وَقتٌ كُنتَ فارِسَهُ

وَكانَ غَيرَكَ فيهِ العاجِزُ الضَرَعُ

مَن كانَ فَوقَ مَحَلِّ الشَمسِ مَوضِعَهُ

فَلَيسَ يَرفَعُهُ شَيءٌ وَلا يَضَعُ

لَم يُسلِمِ الكَرُّ في الأَعقابِ مُهجَتَهُ

إِن كانَ أَسلَمَها الأَصحابُ وَالشِيَعُ

لَيتَ المُلوكَ عَلى الأَقدارِ مُعطِيَةٌ

فَلَم يَكُن لِدَنيءٍ عِندَها طَمَعُ

رَضيتُ مِنهُم بِأَن زُرتَ الوَغى فَرَأوا

وَأَن قَرَعتَ حَبيكَ البيضِ فَاِستَمِعوا

لَقَد أَباحَكَ غِشّاً في مُعامَلَةٍ

مَن كُنتَ مِنهُ بِغَيرِ الصِدقِ تَنتَفِعُ

الدَهرُ مُعتَذِرٌ وَالسَيفُ مُنتَظِرٌ

وَأَرضُهُم لَكَ مُصطافٌ وَمُرتَبَعُ

وَما الجِبالُ لِنَصرانٍ بِحامِيَةٍ

وَلَو تَنَصَّرَ فيها الأَعصَمُ الصَدَعُ

وَما حَمِدتُكَ في هَولٍ ثَبَتَّ لَهُ

حَتّى بَلَوتُكَ وَالأَبطالُ تَمتَصِعُ

فَقَد يُظَنُّ شُجاعاً مَن بِهِ خَرَقٌ

وَقَد يُظَنُّ جَباناً مَن بِهِ زَمَعُ

إِنَّ السِلاحَ جَميعُ الناسِ تَحمِلُهُ

وَلَيسَ كُلُّ ذَواتِ المِخلَبِ السَبُعُ

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024