عذيري من صرف الليالي الغوادر

ديوان البحتري

عَذيرِيَ مِن صَرفِ اللَيالي الغَوادِرِ

وَوَقعِ رَزايا كَالسُيوفِ البَواتِرِ

وَسَيرِ النَدى إِذ بانَ مِنّا مُوَدِّعاً

فَلا يَبعَدَن مِن مُستَقِلٍّ وَسائِرِ

أَجِدَّكَ ما تَنفَكُّ تَشكو قَضِيَّةً

تُرَدُّ إِلى حُكمٍ مِنَ الدَهرِ جائِرِ

يَنالُ الفَتى ما لَم يُؤَمِّل وَرُبَّما

أَتاحَت لَهُ الأَقدارُ ما لَم يُحاذِرِ

عَلى أَنَّهُ لا مُرتَجاً كَمُحَمَّدٍ

وَلا سَلَفٌ في الذاهِبينَ كَطاهِرِ

سَحابا عَطاءٍ مِن مُقيمٍ وَمُقلِعٍ

وَنَجما ضِياءٍ مِن مُنيفٍ وَغائِرِ

فَلِلَّهِ قَبرٌ في خُراسانَ أَدرَكَت

نَواحيهِ أَقطارَ العُلا وَالمَآثِرِ

تُطارُ عَراقيبُ الجِيادِ إِزاءَهُ

وَيُسقى صُباباتِ الدِماءِ المَوائِرِ

مُقيمٌ بِأَدنى أَبرَشَهرَ وَطولُهُ

عَلى قَصوِ آفاقِ البِلادِ الظَواهِرِ

جَرى ضونَهُ العَصرانِ تَسفي تُرابَها

عَلَيهِ أَعاصيرُ الرِياحِ الخَواتِرِ

سَقى جودَهُ جودُ الغَمامِ وَمَن رَأى

حَياً ماطِراً تَسقيهِ ديمَةُ ماطِرِ

صَوائِبُ مُزنٍ تَغتَدي مِن شَبائِهٍ

لِأَخلاقِهِ في جودِها وَنَظائِرِ

يَصُبنَ عَلى عَهدٍ مِنَ الدَهرِ صالِحٍ

تَقَضّى وَفَينانٍ مِنَ العَيشِ ناضِرِ

فَتىً لَم يُغِبَّ الجودَ رِقبَةَ عاذِلٍ

وَلَم يُطفِإِ الهَيجاءَ خَوفَ الجَرائِرِ

وَلَم يُرَ يَوماً قادِراً غَيرَ صافِحٍ

وَلا صافِحاً عَن زَلَّةٍ غَيرَ قادِرِ

أَحَقّاً بِأَنَّ اللَيثَ بَعدَ اِبتِزازِهِ

نُفوسَ العِدى مِن شاسِعٍ وَمُجاوِرِ

مُخِلٌّ بِتَصريفِ الأَعِنَّةِ طارِكٌ

لِقاءَ الزُحوفِ وَاِقتِيادَ العَساكِرِ

وَمُنصَرِفٌ عَنِ المَكارِمِ وَالعُلا

وَقَد شَرَعَت فَوتَ العُيونِ النَواظِرِ

كَأَن لَم يُنِف نَجدَ المَعالي وَلَم تُغِر

زَراياهُ في أَرضِ العَدُوِّ المُغاوِرِ

وَلَم يَتَبَسَّم لِلعَطايا فَتَنبَري

مَواهِبُ أَمثالُ الغُيوثِ البَواكِرِ

وَلَم يَدَّرِع وَشيَ الحَديدِ فَيَلتَقِي

عَلى شَابِكِ الأَنيابِ شاكي الأَظافِرِ

عَلى مَلِكٍ مااِنفَكَّ شَمسَ أَسِرَّةٍ

تُعارُ بِهِ ضَوءً وَبَدرَ مَنابِرِ

أَزالَت حِجابَ المُلكِ عَنهُ رَزِيَّةٌ

تَهَجَّمُ أَخياسَ الأُسودِ الخَوادِرِ

مُسَلَّطَةٌ لَم يَتَّإِر لِوُقُوعِها

بِساعٍ وَلَم يُنجَد عَلَيها بِناصِرِ

يُؤَسّي الأَداني عَنهُ أَن لَيسَ عِندَهُم

نَكيرٌ سِوى سَكبِ الدُموعِ البَوادِرِ

يُبَكّي بِشَجوِ الأَكرَمينَ تَسَلَّبَت

عَليهِ أَعِزّاءُ المُلوكِ الأَكابِرِ

تَخَوَّنَهُ خَطبٌ تَخَوَّنَ قَبلَهُ

حُسَينَ النَدى وَالسُؤدَدِ المُتَواتِرِ

عَميدَ خُراسانَ اِنبَرى لَهُما الرَدى

بِعامِدَتَينِ مِن صُنوفِ الدَوائِرِ

بَني مُسعَبٍ هَل تُقرِنونَ لِحادِثِات

نَوائِبِ أَو تُغنونَ حَتفَ المَقادِرِ

وَهَل في تَمادي الدَمعِ رَجعٌ لِذاهِبٍ

إِذا فاتَ أَو تَجدِيدُ عَهدٍ لِداثِرِ

وَهَل تَرَكَ الدَهرُ الحُسَينَ بنَ مُصعَبٍ

فَيَبقى عَلى الدَهرِ الحُسَينُ بنُ طاهِرِ

وَما أَبقَتِ الأَيّامُ وَجداً لِواجِدٍ

كَما أَنَّها لَم تُبقِ صَبراً لِصابِرِ

أُسىً كَثُرَت حَتّى اِطمَأَنَّ لَها الجَوى

وَأَرزاءُ فَجعٍ قَدحُها في الضَمائِرِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات