ضلالا لها ماذا أرادت إلى الصد

ديوان البحتري

ضَلالاً لَها ماذا أَرادَت إِلى الصَدِّ

وَنَحنُ وُقوفٌ مِن فِراقِ عَلى حَدِّ

مُزاوِلَةٌ أَن تَخلِطَ الوُدَّ بِالقِلى

وَمُزمِعَةٌ أَن تُلحِقَ القُربَ بِالبُعدِ

رَأَت لَمَّةً عَلّى بَياضاً سَوادَها

تَعاقُبِ مُبيَضٍّ عَلَيها وَمُسوَدِّ

فَلا تَسأَلا عَن هَجرِها إِنَّ هَجرَها

جَنى الصَبرِ يُسقى مُرُّهُ مِن جَنى الشُهدِ

وَلا تَعجَبا مِن بُخلِ دَعدٍ بِنَيلِها

فَفي النَفَرِ الأَعلَينَ أَبخَلُ مِن دَعدِ

أَضِنُّ أَخِلّاءٍ وَضِنُّ أَحِبَّةٍ

فَلا خِلَّةٍ تَصفى وَلا صِلَةٍ تَجدي

أَيَذهَبُ هَذا الدَهرُ لَم يُرَ مَوضِعي

وَلَم يَدرِ ما مِقدارَ حَلّي وَلا عَقدي

وَيَكسُدُ مِثلي وَهوَ تاجِرُ سُؤدَدٍ

يَبيعُ ثَميناتِ المَكارِمِ وَالحَمدِ

سَوائِرُ شِعرٍ جامِعٍ بَدَّدَ العُلا

تَعَلَّقنَ مَن قَبلي وَأَتعَبنَ مَن بَعدي

يُقَدِّرُ فيها صانِعٌ مُتَعَمِّلٌ

لِإِحكامِها تَقديرَ داوُدَ في السَردِ

خَليلَيَّ لَو في المَرخِ أَقدَحُ إِذ أَبى

رِجالٌ مُؤاتاتي إِذاً لَكَبا زَندي

وَما عارَضَتني كُديَةٌ دونَ مَدحِهِم

فَكَيفَ أَراني دونَ مَعروفِهِم أُكدي

أَأَضرِبُ أَكبادَ المَطايا إِلَيهِمِ

مُطالَبَةً مِنّي وَحاجاتُهُم عِندي

أَبى ذاكَ أَنّي زاهِدٌ في نَوالِ مَن

أَراهُ لِنَقصِ الرَأيِ يَزهَدُ في حَمدي

لَأَفحَشَ تَقصيرِ الغَنِيِّ عَنِ العُلا

كَما يَفحَشُ الإِقتارُ بِالحازِمِ الجَلدِ

رَحيلُ اِشتِياقٍ مُبرِحٍ وَصَبابَةٍ

إِلى قَريَةِ النُعمانِ وَالسَيِّدِ الفَردِ

إِلى سابِقٍ لا يَعلَقُ القَومُ شَأوَهُ

بِسَعيٍ وَلا يُهدَونَ مِنهُ إِلى قَصدِ

إِلى أَبيَضِ الأَخلاقِ ما مَرَّ أَبيَضٌ

مِنَ الدَهرِ إِلّا عَن جَداً مِنهُ أَو رِفدِ

جَديرٌ إِذا ما زُرتُهُ عَن جَنابَةٍ

وَإِن طالَ عَهدٌ أَن يَكونَ عَلى العَهدِ

وَإِن أَنا أَهدَيتُ القَريضَ مَجازِياً

فَلَن يوكَسَ المُهدى إِلَيهِ وَلا المُهدي

مُزايَدَةً مِنّي وَمِنهُ وَكُلُّنا

إِلى أَمَدٍ وافي النَصيبِ مِنَ البُعدِ

تَشَذَّبَ مَن يُعطي الرَغائِبَ دَونَهُ

وَبانَ بِهِ ما بانَ بِالكَوكَبِ السَعدِ

فَمِن أَينَ جِئنا جَمَّةً مِن عَطائِهِ

وَرَدنا وَسَيرُ العيسِ خِمسٌ إِلى الوِردِ

يُغَضُّ عَنِ المَرفوعِ مِن دَرَجاتِهِ

كَما زِيدَ في سُلطانِ ذي تُدرَئٍ نَجدِ

وَيُخشى شَذاهُ وَهوَ غَيرُ مُسَلَّطٍ

وَقَد يُتَوَقّى السَيفُ وَالسَيفُ في الغِمدِ

إِذا قارَعوهُ عَن عُلا الأَمرِ قارَعوا

صَليبَ الصَفا مِن دونِها خَشِنَ الحَدِّ

ثَوابَةُ أَو مِهرانُ يَقتَضِيانِهِ ال

سُمُوَّ اِقتِضاءَ الوَعدِ مِن مُنجِزِ الوَعدِ

وَلِلسَيفِ ذو الحَدَّينِ أَجنى عَلى العِدى

وَأَبأَسُ في الجُلّى مِنَ السَيفِ ذي الحَدِ

مُعَوَّلُ آمالٍ يَرُحنَ نَسيئَةً

وَيُصبِحُ مُنسوها مَلِيّينَ بِالنَقدِ

وَقَد دَفَعوا بُخلَ الزَمانِ بِجودِهِ

وَلا طِبَّ حَتّى يُدفَعَ الضِدُّ بِالضِدِّ

مُقيمينَ في نُعماهُ لا يَبرَحونَها

فَواقاً وَلَو باتَ المَطِيُّ بِهِم يَخدي

يَفوتُ اِحتِفالَ القَومِ أَوَّلَ عَفوِهِ

وَقَد بَلَغوا أَو جاوَزوا آخِرَ الجُهدِ

مُخَفَّضَةٌ أَقدارُهُم دونَ قَدرِهِ

كَما اِنخَفَضَت سُفلى تِهامَةَ عَن نَجدِ

فَكَم سَبِطٍ مِنهُم إِذا اِختَبَرَ اِمرُؤٌ

عُلالَتُهُ أَلفاهُ ذا خُلُقٍ جَعدِ

وَواجِدِ مُلكٍ أَعوَزَتهُ سَجِيَّةٌ

تُسَلِّطُهُ يَوماً عَلى ذَلِكَ الوَجدِ

فَعُسرَكَ لا مَيسورَ نُكدٍ أَشائِمٍ

وَهَونَكَ لا مَرفوعَ أَحمِرَةٍ قُفدِ

لَقَد كُنتُ أَستَعدي إِلى الدَهرِ مَرَّةً

فَجِئتُكَ مِن عَتبٍ عَلى الدَهرِ أَستَعدي

وَما كُنتُ إِذ أَنحى عَلَيَّ بِلاجِئٍ

إِلى فِئَةٍ مِنهُ سِواكَ وَلا رِدِّ

تَمُرُّ بِأَعلى جَرجَراياءَ صُحبَتي

وَقَد عَلِموا ما جَرجَراياءُ مِن عَمدي

وَلا قَصرَ بي عَن ضامِنٍ مُتَكَفِّلٍ

بَوائِقَ ما يَطوي الزَمانُ وَما يُبدي

فَأَشهَدُ أَنّي في اِختِيارِكَ دونَهُم

مُؤَدّاً إِلى حَظّي وَمُتَّبِعٌ رُشدي

وَأَعلَمُ أَنَّ السُبلَ ما فَجِأَتكُمُ

بِزَورٍ مِنَ الأَقوامِ مِثلي وَلا وَفدِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات