قصيدة الغار – أنس الدُّغيم
شتّانَ بينَ المالكَيْنِ نِصابا
ملكَ القلوبَ و يملكونَ رِقابا
و ملكتُ من هذا الغرامِ قليلَه
فاستفتَحا بقليلهِ الأبوابا
قلبي و عقلي و القوافي منذُ أنْ
زمّلْتَها تتصيّدُ الكُتّابا
ما كانَ كلُّ الصّيدِ في جوفِ الفَرا
حتّى تمعّنَ واتِري فأصابا
هذا الفؤادُ أنا الذي خبّأْتُه
عن مقلتَيكَ فصادفَ الأهدابا
علّقتُ بينَ البُردتَينِ مدائحي
و سوايَ يعلَقُ غادةً و كَعابا
لا ناعسَ الطّرفِ الذي بايعتُه
في النّومِ كنتَ و لم أكُ السّيّابا
إنّي و ما عُلِٰمْتُ منطقَ طائرٍ
أشدو بذكركَ جَيئةً و ذهابا
للهِ طبْعُ الوردِ يُخفي عطرَهُ
و يُقيمُ مِن ألوانهِ حُجّابا
حاولتُهُ أو كِدتُ لولا أنْ رأى
بُرهانَه قلبي فعادَ و تابا
و صفا إناءُ الحُبِّ رقَّ زجاجُهُ
حتّى رأيتُ و ما رأيتُ شرابا
لكنّ ماءً سالَ أو كالماءِ مِن
و على حواشيهِ فشَفَّ و طابا
صُنِعتْ على عينِ الرّحيقِ كؤوسُهُ
فكأنّما شرَحَتْ بهِ الأسبابا
أرجعْتُ فيهِ الطّرفَ و استرجعتُهُ
في كرّتَينِ فغابَ فيهِ و آبا
ما بينَ منبرهِ و موضعِ قبرِهِ
خطّ الجمالُ لقارئيهِ كِتابا
قرأتْ على يدهِ الشّعوبُ و لم يزلْ
في كلِّ سطرٍ يشرحُ الآدابا
في غارِهِ الجبليِّ لم يكُ خالياً
كان المدى يتعلّمُ الإعرابا
مِن (قُمْ فأنذرْ) لم يُدثِّرْ عينَهُ
نومٌ و دثّرَ عارياً و مُصابا
حافٍ و ما مِن حبّةٍ في مكّةٍ
لم يحتمِلْ عنها دماً و عذابا
عارٍ عن الدّنيا و أوّلَ كلِّ ( بسم اللهِ )
يفتحُ في المعارجِ بابا
الأسودانِ على خريطةِ فقرهِ
يتوزّعانِ مآذناً و قِبابا
نِعمَ الإدامُ الخَلُّ حينَ مُحاصَرٌ
في الشِّعْبِ يفتحُ للجياعِ شِعابا
ما كانَ عَدّاسٌ لِيؤمنَ قلبُهُ
لو لم يجدَهُ السُّكَّرَ العنّابا
سبحانَ مَن أسرى به ليلاً و مَن
أدناهُ مِن قوسِ الجلالةِ قابا
و ارتَدَّ مِن أعلى ليخصِفَ نعلَهُ
و يُطاعِمَ الفقراءَ و الأصحابا
خُلُقٌ كأنّ الوَدْقَ من أعطافِهِ
و خِلالِهِ يُهدي الوجودَ سَحابا
خُلُقٌ هو القرآنُ هذّبَ حُسنُهُ
عرباً و زكّى يُمْنُهُ أعرابا
و الحبُّ يبدأ بالقلوبِ فكلّما
(بانتْ سعادُ) وجدتَ قلبكَ ذابا
كان الطريقُ مُطوَّقاً بحمامةٍ
لم تبنِ عُشّاً بل بنَتْ محرابا
لا حُزنَ فيهِ معيّةُ المولى هنا
بدمِ الرّضا تتحسّسُ الأعصابا
يا ( مِن ثنيّاتِ الوداعِ ) و يومَها
يا راكباً لا يُشبهُ الرُّكّابا
مَن صاغَ مِن تَمْرٍ سُواعاً لا كمَن
بالحُبِّ و الإيمانِ صاغَ شبابا
فكأنّ كلّ مهاجرٍ في أوْسِهِ
( سعدٌ ) و ( يثربَ ) أصبحتْ خَبّابا
تتفاوتُ الأقدارُ بالتّقوى و لا
يتفاوتونَ نُهىً و لا أنسابا
و النّفسُ لا ترقى إذا لم تقترفْ
بقُباءَ مِن أثَرِ السُّجودِ تُرابا
يومَ التقى الجمعانِ ضجّ رِداؤهُ
بدعائهِ و دعا الخصومُ سَرابا
بالعُدوةِ الدّنيا أقامَ عريشَهُ
و الرّكبُ أسفلَ منهُ خارَ و خابا
و المجدُ لا يُؤتى لمَنْ لم يأتِهِ
قَدَرُ المعالي أن تُقادَ غِلابا
ما كان للطّلقاءِ أنْ يستقسِموا
مِن بعدِه الأزلامَ و الأنصابا
لمّا عفا و هو المُقَدِّرُ رحمةً
و بكى لهم و هو العزيزُ جَنابا
يا أيها الرّيمُ الذي لم يستترْ
عن طالبٍ لا يُشبهُ الطُّلّابا
ما حلّ أزرارَ البنفسجِ زائرٌ
إلا و شقّ على الأريجِ ثيابا
يا سيّداً و محمّداً يا رحمةً
للعالمينَ و نِعمةً و ثَوابا
ما كانَ صدرٌ مثلَ صدركَ عامراً
بالحُبِّ هم مَن صدّروا الإرهابا
كوثَرْتَ آيَ اللهِ في أرواحنا
و تخندقوا مِن حولنا أحزابا
أحييتَ بالقرآنِ إنسانيّةً
و تقاسموا دُنيا الورى أقطابا
لو أنّهم عرفوكَ لاعتاضوا عن ال
دّمِ ياسميناً و الحرابِ حُبابا
و لأسّسوا للخيرِ أعظمَ دولةٍ
و لَصالحَ السيفُ الصّقيلُ قِرابا
جمّلتُ شِعري حينَ لم أختَرْ له
من غيرِ كأسِكَ سُكّراً و رُضابا
يا ليتني أُحُدٌ أوَ انّي فوقَهُ
حجرٌ يُحَبُّ و حبّةٌ تتصابى
بالغتُ في هذا الدُّنُوِّ و لم و لا
كعْباً بلغتُ و لا بلغتُ كِلابا
ما كان ربّي أن يُعذّبَ شيبةً
شابتْ بهِ و دمي بحُبّكَ شابا
Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في شعر
تعليقات