ألم تعلمي يا علو أني معذب

ديوان البحتري

أَلَم تَعلَمي يا عَلوُ أَنّي مُعَذَّبُ

بِحُبِّكُمُ وَالحَينَ لِلمَرءِ يُجلَبُ

وَقَد كُنتُ أَبكيكُم وَأَنتُم بِيَثرِبٍ

وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ

أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ

أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ

فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينُكُم

أُحَدِّثُ عَنكُم مَن لَقيتُ فَيَعجَبُ

فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُرِّ فَاِرحَموا

وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا

وَقَد قالَ لي ناسٌ تَحَمَّل دَلالَها

فَكُلُّ صَديقٍ سَوفَ يَرضى وَيَغضَبُ

وَإِنّي لَأَقلى بَذلَ غَيرِكِ فَاِعلَمي

وَبُخلُكَ في صَدري أَلَذُّ وَأَطيَبُ

وَإِنّي أَرى مِن أَهلِ بَيتِكِ نِسوَةً

شَبَبنَ لَنا في الناسِ ناراً تَلَهَّبُ

عَرَفنَ الهَوى مِنّا فَأَصبَحنَ حُسَّداً

يُحَدِّثنَ عَنّا مَن يَجيءُ وَيَذهَبُ

وَإِنّي اِبتَلاني اللَهُ مِنكُم بِخادِمٍ

تُبَلِّغُني عَنكِ الحَديثَ وَتَكذِبُ

وَلَو أَصبَحَت تَسعى قَصيرَةُ بَينَنا

سَعِدتُ وَأَدرَكتُ الَّذي كُنتُ أَطلُبُ

وَقَد ظَهَرَت أَشياءُ مِنكُم كَثيرَةٌ

وَما كُنتُ مِنكُم مِثلَها أَتَرَقَّبُ

وَمِن قَبلُ ما جَرَّبتُ أَنباءَ جَمَّةً

وَلا يَعرِفُ الأَنباءَ إِلّا المُجَرِّبُ

وَلي يَومَ شَيَّعتُ الجَنازَةَ قِصَّةٌ

غَداةَ بَدا البَدرُ الَّذي كانَ يُحجَبُ

إِذا ما رَأَيتُ الهاشِمِيَّةَ أَقبَلَت

تَهادى حَواليها مِنَ العَينِ رَبرَبُ

أَشَرتُ إِلَيها بِالبَنانِ فَأَعرَضَت

تَبَسَّمُ طَوراً ثُمَّ تَزوي وَتَقطِبُ

فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَحسَنَ مَنظَراً

وَنَحنُ وُقوفٌ وَهيَ تَدنو وَتَقرُبُ

فَلَو عَلِمَت عَلوٌ بِما كانَ بَينَنا

لَقَد كانَ مِنها بَعضُ ما كُنتُ أَرهَبُ

أَلا جَعَلَ اللَهُ الفِدا كُلَّ حُرَّةٍ

لِعَلوَ المُنى إِنّي بِها لَمُعَذَّبُ

فَما دونَها لِلقَلبِ في الناسِ مَطلَبٌ

وَلا خَلفَها لِلقَلبِ في الناسِ مَهرَبُ

فَإِن تَكُ عَلوٌ بَعدَنا قَد تَغَيَّرَت

وَأَصبَحَ باقي حَبلِها يَتَقَضَّبُ

وَحالَت عَنِ العَهدِ الَّذي كانَ بَينَنا

وَصارَت إِلى غَيرِ الَّذي كُنتُ أَحسَبُ

وَهانَ عَلَيها ما أُلاقي فَرُبَّما

تَكونُ البَلايا وَالقُلوبُ تَقَلَّبُ

وَلَكِنَّني وَالخالِقِ البارِئُ الَّذي

يُزارُ لَهُ البَيتُ العَتيقُ المُحَجَّبُ

لَأَمتَسِكَن بِالوُدِّ ما ذَرَّ شارِقٌ

وَما ناحَ قُمرِيٌّ وَما لاحَ كَوكَبُ

وَأَبكي عَلى عَلوٍ بِعَينٍ سَخينَةٍ

وَإِن زَهِدَت فينا فَإِنّا سَنَرغَبُ

وَلَو أَنَّ لي مِن مَطلَعِ الشَمسِ بُكرَةً

إِلى حَيثُ تَنأى بِالعَشِيِّ فَتَغرُبُ

أُحيطُ بِهِ مِلكاً لِما كانَ عِدلَها

لَعَمرُكَ إِنّي بِالفَتاةِ لَمُعجَبُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات