ألا شعرت برحلة الأظعان

ديوان البحتري

أَلّا شَعَرتُ بِرِحلَةِ الأَظعانِ

فَيَكونَ شَأنُهُمُ بِرامَةِ شاني

ماذا عَلى الرَشَأِ الغَريرِ لَوَ انَّهُ

رَوّى جَوى المُتَلَدِّدِ الحَرّانِ

سَكَنٌ يُنازِعُني الصُدودَ وَكاشِحٌ

يَسعى عَليَّ وَعاذِلٌ يَلحاني

وَلَعَلَّ مامَلَكَ العَذولُ مَقادَتي

في الحُبِّ أَو حَبَسَ المَشيبُ عِناني

لا يَذهَبَنَّ عَلَيكِ فَرطُ صَبابَتي

وَتَرادُفُ الكَمَدِ الَّذي أَبلاني

وَتَعَلَّمي أَنَّ اعتِلاقي حَبلَكُم

ذُلّي وَأَنَّ هَوايَ فيكِ هَواني

إِمّا أَقَمتُ فَإِنَّ لُبّي ظاعِنٌ

أَوسِرتُ مُنطَلِقاً فَقَلبِيَ عانِ

سُقِيَت مَعاهِدُكِ اللَواتي شُقنَني

وَمَحَلُّ مَنزِلِكِ الَّذي استَبكاني

وَأَرى خَيالَكِ لايَزالُ مَعَ الكَرى

مُتَعَرِّضاً أَلقاهُ أَو يَلقاني

يُدني إِلَيَّ مِنَ الوِصالِ شَبيهَ ما

تُدنينَهُ أَبَداً مِنَ الهِجرانِ

عَصَبِيَّتي لِلشامِ تُضرِمُ لَوعَتي

وَتَزيدُ في كَلَفي وَفي أَشجاني

كانَت بِعَبدِ اللَهِ أَحظى خُطَّةً

بِنَوافِلِ الإِفضالِ وَالإِحسانِ

حَتّى تَرَحَّلَ سائِراً فَتَبَدَّلَت

بَعدَ العَطاءِ غَضاضَةَ الحِرمانِ

إِن تَكتَئِب حَلَبٌ فَقَد غَلَبَت عَلى

حَلَبِ الغَمامِ وَصَوبِهِ التَهتانِ

وَعَلى أَنيقِ الرَوضِ يُزهِرُ بَينَهُ

أَفوافُ نَورٍ مُعجِبِ الأَلوانِ

مِن واضِحٍ يَقَقٍ وَأَصفَرَ فاقِعٍ

وَمُضَرَّجٍ جَسِدٍ وَأَحمَرَ قانِ

غَيثٌ تَحَمَّلَ عَنهُمُ مُتَوَجِّهاً

مِن غَربِهِم لِمَشارِقِ البُلدانِ

إِن أُسقِيَتهُ فارِسٌ فَبِعَقبِ ما

ظَمِأَت جَوانِبُ رَبعِها الحَرّانِ

أَو عاجَ في أَهلِ الفُراتِ فَإِنَّهُ

سَيُقالُ جاءَهُمُ فُراتٌ ثانِ

مَلِكٌ هَصَرنا العَيشَ في جَنَباتِهِ

غَضَّ المَكاسِرِ لَيِّنَ الأَفنانِ

أَعطى الرَعِيَّةَ حُكمَها مِن عَدلِهِ

في السِرِّ مُجتَهِداً وَفي الإِعلانِ

غَيرُ العَنوفِ الفَظِّ حينَ يَجُدُّ في

جَمعِ الخَراجِ وَلا الضَعيفِ الواني

وَهيَ السِياسَةُ لَم تَزَل مَعروفَةً

لِذَوي السِياسَةِ مِن بَني خاقانِ

المُعلِنينَ تُقى الإِلَهِ وَخَوفَهُ

وَالمُؤثِرينَ نَصيحَةَ السُلطانِ

وَالرافِعينَ بِناءَ مَجدٍ لَم يَكُن

لِيَطولَهُ يَومَ التَفاخُرِ بانِ

تَبهى المَواكِبُ وَالمَجالِسُ مِنهُمُ

بِمُبَجَّلينَ عَلى الوَقارِ رِزانِ

نَفسي فِداءُ أَبي مُحَمَّدٍِ الَّذي

مازِلتُ أَحمَدُ في ذَراهُ مَكاني

خِلٌّ بَلَغتُ بِرَأيِهِ شَرَفَ العُلا

وَأَخٌ غَنيتُ بِهِ عَنِ الإِخوانِ

اللَهُ يَجزيكَ الَّذي لَم يَجزِهِ

شُكري وَلَم يَبلُغ مَداهُ لِساني

أَعتَدُّ عِزَّكَ مِن وُفورِ مَذاهِبي

وَسُعودِ أَيّامي وَحُسنِ زَماني

وَإِذا المَسافَةُ دونَ نائِلِ جَعفَرٍ

بَعُدَت عَلَيَّ فَإِنَّ نَيلَكَ دانِ

وَمَتى ضَمِنتُ عَلَيكَ حاجَةَ طالِبٍ

كَفَلَت يَداكَ بِذِمَّتي وَضَماني

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات