Skip to main content
search

أصَحُّ عيونِ البابلّيةِ ما اعْتَلاّ

وأمضَى سُيوفِ اللّحْظِ في القَلْبِ ما كلا

ولا غَرْوَ أن تُمسي الرّياحُ عليلةً

إذا ما جعَلْناهُنَّ ما بَيْننا رُسْلا

لقد شَهِدَتْ أنفاسُها إذْ تَردَّدَتْ

بأن لَقِيتْ عنّا بألحاظِها شُغْلا

أيَنْجو صَحيحٌ وهْو سالِكُ مَنْزِلٍ

تُديرُ المَها في جَوّه الحَدَقَ النُّجْلا

ألا خَلِّياني يا خَليليَّ واعْلَما

إذا لُمْتُما أنْ ليس عَذْلُكما عَدْلا

دَعاها وقلبي المُستهامَ وطَرْفَها

فما مِثْلُه يَسلو ولا مِثْلُها يُسْلَى

لقد عَذُبَ التّعْذيبُ منها لمُهْجَتي

كَذاكَ من الخَمْرِ المَرارةُ تُسْتَحْلَى

يَبُلُّ البُكا خَدِّي وفي القلبِ غُلّتي

وكم مُطِرَتْ أرضٌ شَكتْ غيرُها المَحْلا

سأبعُدُ عن قلبي وآمَنُ لَحْظَها

وذو الحَزْمِ مَن خَلّي معَ الهدَفِ النَّبْلا

وأهْجُر أيدي الغانياتِ نواعِماً

وأعتاضُ عنها أذْرُعَ النُّجُبِ الفُتْلا

فكمْ غايةٍ للمجدِ مُمْتدَّةِ المدَى

مَلكْتُ إليها للجَديليَّة الجُدْلا

وحاجةُ نَفْسٍ ماطَل الدَّهْرُ دُونَها

فباتَتْ تُقاضِيها المَطِيّةَ والرَّحْلا

جَمعْتَ لها شَمْلَ السُّرَى بشِمِلَّةٍ

تَظَلُّ إذا كفكَفْتُها تَسبِقُ الظِّلاّ

إذا ما خطَتْ خَطّتْ يداها بجَمْرةٍ

لِما طالعَتْ من كُلّ مُشْكلةٍ شَكْلا

وليلٍ كأنّ الصُّبْحَ هامَ بحُبِّه

فقبَّل منه الوجهَ واليدَ والرِّجْلا

إذا شئْتَ رَدَّ اليومَ في مثلِ لَونِه

وغادَر حَزْنَ الأرضِ يَلْقَى السّما سَهْلا

وإن وقَعتْ في صَدْرِهِ شُهُبُ القَنا

تَملَّس من أطرافِها وحبَتْ عَجْلى

وشَمسٌ قُبَيْلَ الصُّبْحِ أطلعْتُ طَلْعةً

إذا اكتحَلَ الحادي بلأْلائها ضَلاّ

إذا حَلّتِ الأيدي تَسرَّعَ نَشْرُها

فَحلَّ المُنى في القلب واعْتقَلَ العَقْلا

فإن لَبِسَتْ عِقْدَ الحَبابِ حَسِبْتَها

شَقيقةَ رَوْضٍ في الضُّحَى مُلِئَتْ طلاّ

دَعوْتُ أُصَيْحابي إليها فأسرَعوا

وأُقدمُ وَحْدي يومَ أُدْعَى إلى الجُلّى

على أنّني أرعَى ذِمامَ مَعاشرٍ

يَوَدّونَ لو سَدُّوا على نَفْسيَ السُّبْلا

أَباعِدُ في زِيِّ الأقاربِ لم يَزَلْ

لها السُّخْطُ منّي نِيّةً والرِّضا فِعْلا

إذا قطعوا في القُرْبِ واصَلْتُ في النّوى

وجازيْتُ قَومي عن قَطيعتِهم وصْلا

ولم أغتربْ إلاّ لأكتسبَ الغِنَى

فأسِقيَ منهمْ كُلَّ ذي ظَمأٍ سَجْلا

ويَعْلو الغمامُ الأرضَ من أجْلِ أنّه

يَسوقُ إليها وهْي لن تَبرحَ الوَبْلا

إذا ما قضَتْ نَفْسي من العِزِّ حاجةً

فلستُ أُبالي الدَّهرَ أمْلَى لها أمْ لا

وقاتَلْتُ أحداثَ اللّيالي تَجارِياً

فَقتَّلْتُها عِلْماً وقَتّلْنني جَهْلا

وما زِلتُ قِرْنَ الهمِّ في طاعة النُّهَى

فَجرَّد من شَيْبي على مَفْرِقي نَصْلا

ولو غيرُ مَنْصورٍ غدا وهْو ناصِري

لأضحَى دَمي في حَرْبِ دهري وقد طُلاّ

ولكنْ نفَى هَمّي بغُرّة وَجْهِه

فتىً صُقِلَتْ للمجدِ أخلاقُهُ صَقْلا

حكَى الغَيثَ للعافي نَدىً وأيادياً

فأنّى تَلقّاهُ تَهلّلَ وانْهَلاّ

إذا سأَلوه مالَه لم يَقُلْ إلى

وإن سأَلوهُ كُلَّه لم يَقُلْ إلاّ

بَليغٌ إذا أَرخَى عِنانَ كلامِه

فأكملُنا مَن ظَلّ يَكتُبُ ما أمْلَى

مُعوِّدَةٌ أن تَنْثُرَ الدُّرَّ كَفُّه

لنا الكَلِمُ الأعلَى منَ القلَمِ الأعلى

بناتُ عقولٍ تُجتلَى من لسانه

خلَصْنَ لأسماعٍ تَمُرُّ بها عُقْلا

بهَرْنَ فُلولاً ما بهِ من دِيانةٍ

لَخِلْناهُ قد أَوحَى بها سُوَراً تُتْلَى

وما الدُّرُّ إلاّ ما حوَى وحوَت له

يَدٌ وفَمٌ مِمّن رَواها أو استَمْلا

ولولا سَجايا طَبْعِهِ السّمْحِ لم نَجِدْ

لأَعوزِنا في القَصْدِ أنْ يَجْتني الفَضْلا

وما الرّوضُ مُلْتفّاً من الزّهْرِ حالياً

نُصادِفُهُ إلاّ معَ الغيثِ مُنْهَلاّ

لئن تَطْلُب الأيّامُ منه بثَأْرِها

لقد قتَل الأيّامَ من عِلْمِه قَتْلا

ومثْلُ وجيهِ المُلْكِ في عُظْمِ قَدْرِه

وما قُلْتُها من حيثُ أنّ له مِثْلا

أرَتْهُ من الأيّامِ عزّةُ نَفْسِه

سَواءً بعَيْنَيهِ الوِلايةَ والعَزْلا

ولم يَبْقَ في هذا الزّمانِ تَفاخُرٌ

بتَقليدِ أعمالٍ كما عُهِدَتْ قَبْلا

لقد غَدَتِ الأعمالُ أطواقَ أهلِها

فأحسَنُ حَلْيٍ أن يُرَى في الوَرى عُطَلا

فعِشْ أبداً للمكرماتِ مُسلَّماً

تَهبْ لِلّيالي كُلَّ ذَنْبٍ وإنْ جَلاّ

ولستُ أرَى دَهْري وإن ساء صَرْفُه

لِذمٍّ وقد أمسَيْتُ من أهلِه أَهْلا

أبا طاهرٍ يا أطهرَ النّاسِ شيمةً

وأطهرَهُمْ نَفْساً وأطهرَهمْ أَصْلا

أتَتْني ابنةُ الفكْرِ التي قد هدَيْتَها

إليّ على بُعْدٍ فقلتُ لها أَهْلا

وقبّلْتُ منها موضعَ الأنمُلِ الّتي

تَعلَّم منها هذه الدِّيَمُ الهَطْلا

وأنزَلْتُها منّي بأكرمِ مَنزِلٍ

وآثَرتُها لو آثَرتْ بالهوَى البَعْلا

وتُوشِكُ أن تُبدِي من الهَجْرِ والقِلَى

فأطرقْتُ منّي كسا ولا شَكْلا

لقد أصبحَتْ من بَحْرِ كَفِّكَ دُرّةً

بذَلْتَ وما زالتْ سَجِيَّتُك البَذْلا

وإنْ طالَ تأخيرُ الجَوابِ لِعائقٍ

إلى حينَ ضَمَّ الاتّفاقُ لها الشَّمْلا

فما أنا بينَ النّاسِ أوّلَ مَنْ غَدا

وقد طلَعتْ شَمسُ النّهارِ وما صَلّى

وهل هو إلاّ فائتٌ قد قَضَيْتُه

فلستُ بنارِ العَتْبِ أَهْلاً لأَنْ أُصْلَى

وكانتْ كضَوء الصُّبْحِ قَدَّمْتَ وَفْدَه

وجئْتَ وأنت الشّمْسُ في إثْره تُجْلى

رمَيْتَ فؤادي نازِحاً فأصبْتَهُ

وبادَرْتَ باللُّقْيا فأحرزْتَه كُلاّ

كما يَتْبَعُ الرّامي إلى الصَّيْدِ سَهْمَه

لِيَلْحَقَه حتّى إذا جاءه ولّى

فهذا اعْتذاري عن تَقدُّمِ هَفْوةٍ

ورأْيُك في تجْريبِ ما بَعْدَه أعْلَى

الأرجاني

ناصح الدين الأرجاني، واسمه الكامل ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين القاضي الأرجاني. ولد في التخوم الشرقية من مدينة أرجان في عام 460 هجرية – 1068 ميلادية، يتميز شعر القاضي الأرجاني بطول نفس و بلطف عبارة وكان غواصاً في المعاني كامل الأوصاف. إذا ظفر على المعنى يستوعبه كاملا و لا يدع فيه لمن بعده فضلاً لذا جاءت قصائده أغلبها طويلة. فقد ابدع في اللفظ والمعنى وأجاد وقد جمعهما بمقدرة وتمكن وقيل انه كان ينظم كل يوم ثمانية أبيات شعرية على الدوام.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024