أزال عن الوجه الجميل قناعه

ديوان عبد الغني النابلسي

أزال عن الوجه الجميل قناعَهُ

وأظهر فينا علمه وأطلاعَهُ

فزالت جميع الكائنات حقيقة

وصار افتراق الكل عندي اجتماعه

مليح له منه عليه شواهد

متى أمر المضنى بأمر أطاعه

وما الكل إلا فيه مضنى جماله

ولا شرَّ لا عصيان فاسكن رباعه

هو الخير محض الخير والشر فرضه

وتقديره للعقل بان فراعه

بدا ينجلي للكل في كل صورة

ولا صورة إلا أراها اختراعه

وعن صور الأكوان فهو منزه

وإن كان فيها قد أبان ارتفاعه

هو الشمس أضحى والجميع ظلاله

هو البدر أمسى كل شيء شعاعه

متى اجتمع الإنسان يوماً بغيره

وصدق غيراً كان ذاك وداعه

ولا رؤية إلا له تلك رؤية

وكل سماع صار عندي سماعه

هو الظاهر المعروف في كل ظاهر

هو الباطن المجهول يخفى شياعه

رأيت عيوني المبصرات عيونه

وأدركت باعي في التناول باعه

ووصف بوصفٍ واحدٍ ضربَ واحدٍ

وذات بذاتٍ واكتفيت نزاعه

دنا فتدلى فالتقينا فلم أكن

وكان على ما كان يبدي التماعه

وقلَّب قلبي في سواه ولا سوى

زماناً أراني مكرَهُ وخداعه

إلى أن تصافينا على الودِّ وانمحت

رسوم جهول فيه قاسى طباعه

وأشهدني ظلمي فشاهدت ظلمتي

تجلِّي جمالٍ للعقول أشاعه

وبالعدل منه في أظهر نوره

تجلِّي جلالٍ سرُّ قلبي أذاعه

فأعطى فؤادي بالذي هو آخذ

علوم كمالٍ قد قرأت رقاعه

صدقت فكرر ذكره يا محدثي

فإن جبان القرب صار شجاعه

وأروَى بماء العلم منه عطاشه

وأشبعَ بالتحقيق فيه جياعه

وقام فأغنى عن قيام قيامة

بإيمان صدق عنده ما أضاعه

وعرِّج رفيقي فالمعالم أشرقت

بمن قد وجدنا في الرحال متاعه

وصرنا ملوكاً في رعايا صفاته

به وفتحنا بالغناء قلاعه

ولا تلتفت للحاسدين فإنهم

يقاسون من حبل الوداد انقطاعه

وهم في العمى عنه فلا يبصرونه

وهل تشبه الثيران فيه سباعه

وسامح ولا تعتب فحرمانهم كفى

بهم غضباً منه فصاروا رعاعه

وما في يدهم غير دعوى وعندهم

سراب شراب لا يزالون قاعه

رأوه فتاهوا فيه واندهشوا به

وكل يعاني ودَّهُ وسواعه

ولو شاء أبدى في فناهم وجوده

وأسمعهم بالنفخ فيهم يراعه

وإلا فبالتسليم للحق من ذوي

درايته فازوا فنالوا استماعه

ولكنه عن كل ما هو فاعل

فليس بمسئول لترجو دفاعه

فمن شاء أعطاه على رغم غيره

ومن شاء بالحرمان أبدى امتناعه

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عبد الغني النابلسي، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات