النّساءُ وجحيم الأدب

النّساءُ وجحيم الأدب - عالم الأدب

يزخرُ تاريخُنا الأدبيُّ بالشواعر من نساء العرَب والأديبات ذوات الأَرَب، مع أنّ نسبتهنّ إلى الرّجال من الشعراء والأدباء قليلة، وربما ضَئيلة. وإن كانتْ ضريبة الأدب -في الرّجال- ضيق ذاتِ اليد والعَوَز، حتّى قيل في كثير منهم: «أدركتْهُ حِرْفةُ الأدب»؛ فقد أدركتْ كثيراً من نساء العرب الشَّواعر وأديباتهم «لعنةُ الأدب»، فيما أرى! وما ذاك إلا من تفرُّد مِزاجهنّ وجُموح خيالهنّ وعلوّ نفوسهنّ، بسبب طُغيان القريحة وقوّة الشخصيّة..

هذه الخنساء (ت 645 م) أشعر نساء العرب قاطبة قديماً وحديثاً، لم تَكُن حياتها الزوجيّة هانئة وادِعَة، فقد ابتُليتْ بتجارب زوجيّة فاشلة، بعد أن خطبها سادة العرب وشجعانها، كدُريد بن الصِّمَّة وغيره، فأبَتْ إلا أبناء عمومتها، فما كان منهم مَن هو كفؤ لها. وكان من أَنَفَتها وأسباب عذابها في آن، أنّها لم تُسجّل تلك التجارب شعراً، مخافة الشماتة، فيما قالوا!

هذا، سوى وجدها على أخويها صخر ومعاوية، ومراثيها فيهما.

وليلى الأَخيليّة (ت 704م)، وهي أشعر النّساء بعد الخنساء، حتّى إنّها كانت بينها وبين النابغة الجعديّ مُهاجاة، وقصّتها مع الشاعر تَوْبَة بن الحُمَير وزوجها معروفة، فقد عاشت حياة عاطفيّة مُشتَّتة، وظلّ زواجُها على حَرْفٍ، حتّى وافتها المنيّة.

ولو طَوَينا العصورَ وصولاً إلى العصر الحديث، فلن نجد كثيراً من شواعرنا وأديباتنا أحسن حالاً من سيدتهنّ الخنساء والأخيليّة.

فهذه السيّدة عائشة التيموريّة (ت 1902م)، وهي أديبة مِصريّة غنيّة عن التعريف، رغم زواجها المبكّر وحياتها الرغيدة مع زوجها، إلا أنّها ابتليتْ بفقد ابنتها «توحيدة» التي توفيت في سِن الثانية عشرة، فكان لهذه الحادثة الأليمة عميق الأثر في نفسها، فقضت آخر سنوات عمرها في رثاء ابنتها، حتى ضعف بصرُها وأصيبت بالرَّمد، فانقطعت عن الشعر والأدب، بل أحرقت -في ظِلّ الفاجعة- أشعارها كلّها إلا القليل، فلم يبق لها سوى ديوان «حلية الطراز»، وآخر بالفارسية طُبع بمصر والأستانة وإيران، وشيء قليل من نتاجها الأدبي!!

والسيّدة زَينب فوّاز العامِليّة (ت 1914م)، شاعرة وأديبة ومؤرّخة لبنانيّة، شغلت الحياة الثقافية والأدبية في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. من روّاد الفنّ الروائيّ العربيّ، فقد كتبت روايتها «حسن العواقب» قبل رواية «زينب» للأديب محمد حسين هيكل بخمسة عشر عاما. وهي صاحبة كتاب «الدُّر المنثور في طبقات رَبّات الخُدور»، أرَّخت فيه لأربعمائة وخمسين امرأة من نساء الشرق والغرب، وهو كتاب جليل القدر، فريد في بابه.

لكنّها لم تكن مُوفّقةً في حياتها الاجتماعيّة أيضا. تزوجت أوّل مرّة في جبل عامل، وسرعان ما انفصلت عن زوجها. ثمّ تزوجت في دمشق وطُلّقت، وعادت إلى زوجها الدمشقيّ، وطُلّقت منه ثانية. بعدها تزوجت بضابط في الجيش المصري، وسافرت معه إلى مصر، واستقرّت ثمّة، وما عقّبت. وقد ذكروا في أسباب طلاقها المتكرّر اختلاف مزاجها عمّن تزوجت بهم.

لكنّ الأديبة والشاعرة مَي زيادة (ت 1941م) أبرز مثال على ما أسميته «لعنة الأدب» لهنَّ، فقد عاشت حياةً طافحة بالوحدة والألم، رغم كثرة روّاد صالونها الأدبيّ. وهي وإن كَثُرَ عُشّاقها والمتودّدون إليها، إلا أنّ قلبها ظل مأخوذاً طوال حياتها برجل ما التقته يوماً، هو جبران خليل جبران، فبادلته حُبّاً بحبّ بمراسلات دامت بينهما لعشرين عاماً، حتى وفاة جبران سنة 1931م، ولم تتزوج على كثرة عُشاقها!

والأديبة والشاعرة فَدوى طوقان (ت 2003م) مثال آخر، ولن يكون الأخير فيما أرى! فقد وثَّق الناقد المصريّ رجاء النقّاش في كتابٍ ظهر في أواسط السبعينات قصة حُب قال إنها جمعت بين فدوى طوقان والناقد المصريّ أنور المعدّاويّ، بالمراسلة أيضاً، وهو ما يُعيد إلى الذاكرة قصة مَي زيادة وجبران. وهي أيضاً توفّيت، ولم تتزوّج فيما أعرف!

هذه بعضُ النَّماذج التي حضرتْ في الخاطر، عن الأديبات والنّساء الشواعِر، هي التي أوحت إليّ بهذه الملاحظة النقديّة، وما أردت استقراء الشواهد، ولا استيفاء الموارد، ولا استقصاء الشوارد، فليس موضعه منشور فسبكيّ، وهو إلى البحوث الجامعيّة أقرب ولها أنسب.

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مقالات

قد يعجبك أيضاً

تعليقات