القوقعة الدامية!

هواءٌ ملءُ جوفكِ يا أخيَّة

فلوذي بالسراب ، وأنت حية

ألا تبكين عمراً قد تولى؟

أغرَّتكِ الحياة الجاهلية؟

عجيبٌ منك هذا ، صدقيني

وأعجب منه خيبتك الغوية

جمالٌ في حضيض اللهو يرسو

وقد أكِلتْ أنوثتك البهية

وحسنٌ في سراب الزهو يطفو

وكِبرٌ فيكِ يذهب بالبقية

وعاطفة يؤرجحُها التجني

وبات العُجبُ في دمها سجية

وإحساسٌ يُهدهِدُه التشفي

فلم يعرف ثباتاً ، أو رَوية

ويحيا في مصائبه شعورٌ

وصاحبة الشعور به حفية

ويسعى في غرائزه شبابٌ

ويُوغل في السراديب الدنية

وتجري نحو منحرها فتاة

ولا تدري متى تأتي المنية

وتمضي في دروب الشوك عَجلى

وتنظر مِن خلال المشربية

وتلبس من ثياب الوهم ثوباً

يُجمِّلها ، ويُخفي العُنجهية

وفوق الثوب عطرٌ من هشيم

ليجعل للورى فيها شهية

وقد تضع اللآلئ فوق جيدٍ

تضمّخ في دماء النرجسية

وإن نطقتْ فرمشُ العين يهذي

كأن لها طيوفاً شاعرية

وتضرب فوق هذي الأرض تيهاً

ليعلم (قيسُ) زينتها الخفية

تضيع ضحية ، وتموت أخرى

وأنتِ بذاك وادعة خلية

أجلْ ، والله ما أشقاكِ أنثى

لها في العشق فلسفة طرية

تحاول أن ترى خلاً وفياً

فباتت عن مآربها قصية

وتزرع في طريق الناس شوكاً

وتجني وحدها الثُمُرَ الزكية

ويشقى العشق منها ، والضحايا

وتحيا في مطامعها هنية

أما يكفيكِ من شرَّدت منهم؟

شقاء الحب عاشقة ثرية

أتحتالين في إظهار حسن؟

بربك إن هذي جاهلية

أما يكفيكِ ما يبدو عياناً؟

فتأتين الأفاعيل الغبية

وعقلك من ثرى الأطلال يلغو

وتأسره الأراجيفُ الخوية

وقلبك في خرائبه أسيرٌ

وودع كل معنى العاطفية

وروحك في لظى الأنغام نشوى

وما من غايةٍ لكِ أو قضية

ونفسكِ في قرار الدعر بَلها

وتفتنها الدروبُ اللولبية

وتحت حذائك الدنيا استكانت

وأنتِ بكل منقصةٍ رضية

عشقتِ المال حتى لم تطيقي

له نقصاً ، فيا لك مِن ضحية

طغى إفلاسُكِ المغرورُ حتى

قلاكِ اليومَ عِز الآدمية

فأنت الآن (قوقعة) تعاني

وليس لها شموخٌ أو هوية

وأنتِ اليوم – في الدنيا – ضبابٌ

وتبرأ منكِ حواءُ الأبية

وأنتِ اليوم شيطانٌ رجيم

يُضل بكيده كل البرية

رويدكِ ، إن حُسنكِ في ذبول

وكوني في حديثك منطقية

كفي هزلاً ، فشطرُ العمر ولى

ويُضحكني – لذا – شر البلية

ألا إن القواقع في انحطاطٍ

وإن قتلتْ فليس لهن دية

كفي عبثاً ، فأنتِ اليوم ثكلى

وجمعُ المال ليس العبقرية

أمومتُك انزوت في الفلس دهراً

فخلي عنك هذي العنترية

وكُفّي خطف أزواج الولايا

فإن الخطف مخبثة ردية

وكُفي الصيْد في جيل بئيس

وخلي عنكِ تلك البندقية

سيقتلكِ الرصاص بلا ترو

وهل تُجْدي مع القدر الروية؟

وكُفي السير من أرض لأخرى

فهذي مثلُ تلكَ أيا عمية

ترين بداركِ الهديَ المصفي

وضلت غيرُها يا ذي الدعية؟

فتوبي ، إن حسنك في انزواءٍ

سيزهدُ فيكِ مَن يبغي الحيية

وإن الله ذو عفو ، فتوبي

أليس لديك في الخيرات نية؟

لقد أرداكِ أنْ لا بعضُ تقوى

فليست تأتيْ ما جئتِ التقية

وليس هناك زجرٌ أو وعيد

وليس هناك فطرة يَعربية

وليس هناك خوفٌ أو ضميرٌ

وليس هناك (حفصة) أو سمية

وليس هناك حدٌ أو أميرٌ

وعاش الكل عصر الفوضوية

ألا تخشين أخذاً بالنواصي؟

لقد غرتك عيشتك الندية

وذاكرة أشد من الرواسي

تخبي السر ، ليست بالنسية

فكيف اليوم تنسَى كل شيءٍ؟

أليستْ تذكر الآن الوصية؟

من اسطاع الزواج عليه فوراً

سواءً كان فحلاً أو ولية

فهل أصبحتِ صخراً أو رماداً؟

أليست فيك مَلهبة الصبية؟

ولكنْ للحديث عُرىً وأهلٌ

وأكفاءٌ ، وأفئدة سمية

أليس تود روحك من أليفٍ

ينير العمر – عمرك – والخلية؟

ويرفع شأن ضائعةٍ تعاني

ويجعل منكِ مسلمة علية

أليس يريد قلبك ثغر طفل

يُقبَّل في الصباح ، وفي العشية؟

ويُحمل في العيون بكل حب

ويبسم كالأزاهير الجلية

ويملأكِ افتخاراً ، واحتراماً

ويجعل منكِ أماً عبقرية

يغار عليكِ في عصر المطايا

ويدرأ عنكِ أسقاماً شقية

ويُصبح بين كل الناس شهماً

يحب الخير ، والدرب السوية

رويدكِ ، واستقيمي أنتِ أدرى

بما تأتين ، ليست مسرحية

يحار الناس فيكِ ، وليس مثلي

تحيره البتول البربرية

أراكِ سألتِ عنيْ بلا حياء

ورحتِ تقيِّمين الألمعية

مكانكِ ، لستُ منك ، ولستِ مني

وإن قالت شفاهي: يا أخية

ومثلكِ كم قوارينٌ تهاوت

كذا كم من قواقعَ سامرية

وقوقعة أراها في أساها

وليس تحس بالمحن القوية

رماها الموج فوق الأرض عزلى

وقدمها لقاتلها هدية

وعاشت دون هَدي أو رشادِ

لقد خبثتْ ، سلوكاً والطوية

وليس المال نافعها ، ولكن

هيَ النفس المخادعة الدنية

جعلتُ قصيدتي هذي إليها

أحييها ، وأختصر التحية

فإن السيل قد غطى الروابي

هجوتكِ رغم أنفي ، يا أخية

وقدمتُ النصيحة ، لم أقدِّح

وأنتِ بما أقدمه حرية

وسُحْب الخير في شعري تناغي

أما طابت أماسينا الشتية؟

فناجى الله في ثلثٍ أخير

وأخفي عَبرة الأخت النجية

وكُفي عن مغازلةٍ ولهو

فقد ذهبتْ لياليكِ الشجية

وخلي عنكِ أفعال المطايا

فأنت كريمة لست المطية

وأيام الصبا ذبلتْ ، وشاخت

وقد ماتت يُنوعتك الفتية

وعَدتِ بأن تتوبيْ ، أين توب؟

فوفي الوعدَ ، إن كنت الوفية

رعاكِ الله إن أخلصتِ حقاً

وهذي – صدّقي – أحلى معية

وتلك نصيحتي لك ، فاقبليها

ولستُ أريد مالاً أو هدية

خذيها من تجاريبي وقلبي

وخلي عنكِ كِبر المظهرية

دعي عنك المظاهر ، وانبذيها

وخِفي للأمور الجوهرية

لحواءٍ وآدم كل حي

لتذهبْ كل دعوى عُنصرية

لمن عَبدَ المهيمن كل خير

أكون موحداً أسمى مزية

رَغِيمٌ أنفُ مَن زهد البرايا

فبالتوحيد تأتي الأفضلية

أقدّم مَن يُوحد في ولائي

وأمنحه الولا ، والأولوية

وكم حَدثتُ فيكِ القلبَ حتى

حَسِبتكِ مِن صِماتك أعجمية

وخلقٌ منكِ لا حصرٌ ، وليست

أراها في الأنام الجرهمية

ولا قرشية بين الصبايا

ولا مُضرية أو أسلمية

ومازال اليراعُ لكل فضلى

يَكيل المدحَ ، بل والمَكرمية

وفاضلة تشير على أبيها

تقول: استأجر النفس الأبية

قويٌ ، ثم مأمونٌ لدينا

ألا لا فض فمُّ المَدْينية

لقد عطرتِ هذا الشعر فخراً

يُجَمله عفافُ المَريمية

علمتِ الآن كيف اخترتِ هذا؟

لأنك ليس عندك أشعبية

وعند أبيك قد رُبّيتِ حقاً

وليس على الفنون الأجنبية

ولم تر منكِ وجهاً عينُ إنس

فلم تجرحْك سوآى أو رزية

وفي (القصص) الكريمة كنتِ نجماً

يُضيء الروح في الحال الدنية

على موسى السلامُ وزوج موسى

وأرجعُ للمُدَمَّاة الزرية

لقد أطلقتُ للذكرى يراعي

أحذرها مصير الأكثرية

ولكن ليس تقبل من كلامي

سوى غزلي ، فيا لك من عيية

كأنكِ – فوق هذي الأرض – أفعى

وقد ولدتكِ للأوهام حية

كَسَهْمٍ قد أصاب القوم عمداً

تعاظم منذ أن برح الرمية

ولا حمْد ، ولا رُشْدٌ ، ولكن

جحودٌ ، وانحلالٌ ، وأذية

وإن أعطت فللأهواء تعطى

هناك أذى ومَنٌّ في العطية

واسأل: هل تعود إلى صواب

وترجع عن غرور القيصرية

وتعتنق الهُدى ديناً ودنيا

وتدرك نفسها قبل المنية؟

أم الدنيا طوتْها ، دونَ عَوْدٍ ؟

ختاماً (سَلمِي) يا كِسروية

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات