الشعر حنينٌ ورنينٌ وأنين!

حتّامَ تخفي الوردةَ الأخياسُ

ويَهُزها الأوباشُ والأرجاسُ

ويدُعّ نضرتها بليدٌ ممسكٌ

وتسوقها – نحو الفنا – الأرماس

وتؤزها الآلامُ دون هوادةٍ

وأريجُها – بالموبقات – يُداس

ويرج عزتَها دعاة صِيانها

ويبيعها – للمعتدي – النخاس

ويُذيقها التغريبُ كأس مذلةٍ

حتى يملّ – من الهوان – الكاس

والعَوسجُ العاتي يُزيلُ عبيرَها

ويقودها – نحو الضياع – الياس

والحنظلُ الجافي يُجَرّعها الشقا

ويجرّها – نحو الردى – الإفلاس

والنارُ تأكلها بغير جريرةٍ

وينال من أنسامها الأنجاس

حتام يطعنها التردي غِيلة

ويُحيلها ترْباً تراه الناس

حتام ينزع حاقدٌ أوراقها

كيلا يكون على التويْج لِباس

ويُميتُ عِفتها قطيعٌ جاهلٌ

والمُعرضون – حِيالها – أجناس

وتبيتُ تلسعُها الدعاوى والهُرا

بين الأنام يَحِيكها الدساس

حتام تشقى وحدها بين الورى

وتدق تعلن وأدها الأجراس

حتام تنتحر المشاعر دونها

ويموت من فرط الجوى الإحساس

ونعيش نلتمس الورود ، فلا نرى

عِطراً يُتوّج عيشنا ، فيباس

ونريد لو حتى بقايا زهرةٍ

تحيا بفوح أريجها الأنفاس

فنعود أصفار الأيادي كلنا

في ذلةٍ ، يبكي علينا الآس

والوردة الفيحاءُ دامعة الشذى

تستصرخ الأخلاق فيمن داسوا

حتام تدهمُها الخطوبُ ذليلة

ليذوب قهراً قدّها الميّاس

يا أيها الشعر الحبيبُ عواطفي

كلمى ، يدهده عزمَها الإخفاس

لو كنتُ أعتقد التشاؤم سُقته

عبداً إليك تغله الأمراس

لو كنت أعتقد التطيّر مذهباً

لم تأو شعري – في البلا – الأطراس

ما كنتُ مِكثارَ الجوى ، لكن أبـ

ـيٌ ، ما له – بالنادبين – مِساس

لو كان قلبي من حديدٍ لانمحى

ولأظلمتْ – في ساحه – الأقباس

لمّا رأيتُ الشعرَ يرجُمُه الغثا

والنورَ تخنق بَوحَه الأخياس

والغابة الرعناء أحكِم حَبكُها

واستأسد البرغوث والدّحّاس

وغدا أديباً بارزاً مَن يفتري

وغدا تقياً – في الورى – الدرباس

والساقط المرذولُ أصبح شاعراً

وله يراعٌ تحته الكُراس

والهازلُ الممقوتُ أضحى كاتباً

فذ الإباء ، كأنه العبّاس

لما رأيتُ الدُعر أمسى ديدناً

من بعد أن ذهب الهدى والباس

ورأيتُ أصحاب المبادئ في الورا

والمجرمين – خلال داريَ – جاسوا

ورأيت أرباب الضلالة في الذرى

وعليهمُ الحُجّابُ والحُرّاس

ورأيتُ أهل العُهر في بُحبوحةٍ

ولهم تقامُ – على الملا – الأعراس

ورأيتُ عُبّاد الهوى في غِبطةٍ

وعلى رقاب الصِيد حُد الفاس

ورأيتُ مِعيار الأمور مسربلاً

والظلم – بالإنصاف – ليس يُقاس

ورأيتُ شِرذمة من الفساق تقـ

ـتلُ مجدنا ، وبكل قهر ساسوا

لما رأيتُ قطيعنا مستسلماً

وقد انتهى – للقمة – الأتياس

أشفقتُ أنيَ لم أكن تحت الثرى

إذ ليس يُرجعُ بسمتي القِرطاس

والشعرُ جاب ربوع داري حائراً

وعلى الرفوف تراكمتْ أكداس

لكنها دُررٌ تروحُ وتغتدي

بين الحمير ، وفوقها الأحلاس

لا يُدرك العُميانُ نورَ شموسها

والعُميُ ليس يَروقهم نبراس

أعني عمى القلب الذي في بعضهم

وقلوبُ أهل شريعتي أقباس

درجَ القطيعُ على غذاء جسومه

وتوفرتْ – للجوقة – الأرغاس

والتبنُ والبرسيم يغمر مَعلفاً

من كل صنفٍ كُدّستْ أكياس

فتمرغوا في اليُسر حتى أترعوا

بطراً ، كأن شخوصهم أطواس

هم أشبعوا أبدانهم شهواتها

ورؤوسُهم – بين الذئاب – خِياس

هجروا التفقه في شريعة ربهم

وعلى الحشود تسيّد الفِرناس

ونأى الحلالُ ، فلم يعدْ مَرغوبَهم

وحلا الحرامُ ، ففيه قومٌ ماسوا

وجحافلُ اللاهين في سهراتهم

بذلوا ، وضم شتاتهم قدّاس

قرأوا – بكل الجد – أسفار الخنا

وتلا المُجونَ عليهمُ الشماس

وكتائبُ العارين في شطآنهم

لمّا يعُدْ – لهبوطهم – مِقياس

وتسكّعُ المتحللين بدُورهم

أمرٌ يخط سطورَه الخنّاس

والخمرُ – في الحانات – تُشرَب جهرة

والخانُ عَجّ ، كأنه الدّيماس

ودواعرُ التغريب مزقن الحيا

لم يأتهن – لمَا يرين – نعاس

ففصائل الأبطال ، هذا رائحٌ

وأخوه غادٍ ، والفسادُ كِئاس

لم يتقوا الجبّارَ مَن أملاهمُ

إذ كيف أغوتهم (لمى) و(أراس)؟

كيف استساغوا السم في أكبادهم؟

فطواهمُ التنينُ والدسّاس؟

مالٌ تُكِسّبَ من حرام ، فانمحى

إذ لم يكن – في صرفه – قِسطاس

مَن كان مطمحه لقاءَ خليعةٍ

ودجاجة لفتْ بها الأكياس

وزجاجة (البيبسي) وأفلام الهوى

تغري اللئامَ ، يبثها البُرطاس

مَن كان مأمله لباسٌ مترفٌ

مَن كان سيده هو الوسواس

مَن كان غاية عيشِه سيارة

ليست تُحيط – بوصفها – الأحداس

مَن كان طينُ الأرض مطمحَ سعيه

مَن كدْحُه الدكانُ والأغراس

هل عنده مالٌ لأسفار الهدى؟

أيهزه شِعرُ الهُدى الحسّاس؟

هل عنده وقتٌ ليقرأ شعرنا؟

وإذا تصفح أين فيه الراس؟

هل عنده عقلٌ يفكّر بيننا؟

والقلبُ بحرٌ – بالهوى – قلاس

فالمالُ والأوقات بعثرها الهوى

وتسابقتْ – نحو الردى – الأفراس

وحنينُ شعري – في فؤادي – مُغمدٌ

إذ لم يُطالع نورَه الأنكاس

بخلوا عليه بدرهم ودقيقةٍ

وأهانه القوّادُ والقلقاس

كانت لكل قصيدة آلامُ وضـ

ـع بالدماء وبالعذاب تُساس

حتى إذا وجعُ المخاض أفاقني

أضنى القصيدةَ – في الكتاب – نِفاس

حتى إذا طفّ الحنينُ رأيتُني

بين المروج تحوطني الأقداس

في ساحة الأشعار يهديني الحنيـ

ـنَ أريجُه ، وترفعي مئناس

عن أن أزل لغايةٍ مدخورةٍ

تغري الفؤادَ ، كأنها العسعاس

أو أنْ أطوّع للظلوم عواطفي

فقصَائدي – إنْ طوّعتْ – أدراس

ورنينُ أشعاري يُعطر مُهجتي

ما بالرنين وما أحس قِياس

في كل بيتٍ كم جهدتُ مؤلفاً

ومنقحاً ، يزْكِي يراعي الماس

وأحسّ بالأوزان في تنسيقها

مثل الخليل ، شدا له النحّاس

فإذا بتقنين العَروض يشوقه

وكأنه – في نظمه – ترّاس

يُضفي الرنينُ – على القريض – نضارة

وكأنه – في ضبحه – المِدعاس

وإذا أتى شعري الرنينُ رأيتني

تجتاحُني الأثلاث والأخماس

فأحار في تربيعها وظلالها

فتروقني الأرباعُ والأسداس

فأرى القصيدة بعد حين غادة

يختال فيها الحُسنُ والإحساس

فأود لو سمعتْ بها الدنيا ودَ

فّ أريجُها ، وأوى إليها الناس

وأودّ لو صارت لكل مجاهدٍ

دِرعاً ، فإن رموزها أقواس

وأود لو صارت منار الحائريـ

ـن ، فلا يدب – إلى القلوب – الياس

وأود لو عزفتْ على لحن الخلو

دِ مكانها ، ليمُجّها القِرطاس

لكنما يأتي الأنينُ كأنه الطـ

ــاعونُ قد بُليتْ به عَمْواس

وأنا الذي حَليْتُ شِعري بالهُدى

كالتمر صار ، وإنني الدبّاس

وطحنتُ فيه من الجمال بذوره

وعَروضُه – في نظمه – المِهراس

وإذا بأغلال الأنين تلفه

وأمامها السكّينُ والمِتراس

وتسوقه للسجن حتى لا يرى

شمسَ الحياة ، ويُحْكم الترباس

ويُصفّد العسلُ المصفى غِيلة

من بعد أن لم يشتر اللحّاس

ويئن – في الأصفاد – يزدرد العَنا

عجباً يُغل بقيده الجَرْهاس

عجباً تلوك الذلَ آسادُ الشرى

ويعيش منفسحَ الخطا النسناس

عجباً يُطارَد شاعرٌ متعففٌ

والأمسياتُ يرودها الكناس

نال الصدارةَ كل غِر مُفلس

وعن المُضِي تراجعَ الجوّاس

والأغبياءُ تربعوا فوق الذرى

وإلى السفوح تقهقر الأكياس

والطبعُ والتوزيعُ طوْعُ من افترى

وكلامُ مثلي – في الدنا – مِرجاس

و (دُبَيّ) تشهد بالذي قد قلته

وتصدق الأقوالَ في أشعارنا بِلقاس

ولينزل الربّانُ من عليائه

ليفرّغ الدهليزُ والفِنطاس

ولتنتشرْ إبلُ المراعي في الفضا

إذ نام عن نظر لها الدفناس

وليعلُ هِرٌ في البراري شامخاً

إذ ودع الرئبالُ والجسّاس

إنا إلى الرحمن نشكو حالنا

والله كافٍ ما أتاه الناس

يا رب أجْرَك – في المصاب – وخِلفة

واقبلْ دعاءً ضمّه القِرطاس

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات