Skip to main content
search

نُعِدُّ المَشرَفِيَّةَ وَالعَوالي

وَتَقتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ

وَنَرتَبِطُ السَوابِقَ مُقرَباتٍ

وَما يُنجينَ مِن خَبَبِ اللَيالي

وَمَن لَم يَعشَقِ الدُنيا قَديماً

وَلَكِن لا سَبيلَ إِلى الوِصالِ

نَصيبُكَ في حَياتِكَ مِن حَبيبٍ

نَصيبُكَ في مَنامِكَ مِن خَيالِ

رَماني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى

فُؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ

فَصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ

تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ

وَهانَ فَما أُبالي بِالرَزايا

لِأَنّي ما اِنتَفَعتُ بِأَن أُبالي

وَهَذا أَوَّلُ الناعينَ طُرّاً

لِأَوَّلِ مَيتَةٍ في ذا الجَلالِ

كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ

وَلَم يَخطُر لِمَخلوقٍ بِبالِ

صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوطٌ

عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ

عَلى المَدفونِ قَبلَ التُربِ صَوناً

وَقَبلَ اللَحدِ في كَرَمِ الخِلالِ

فَإِنَّ لَهُ بِبَطنِ الأَرضِ شَخصاً

جَديداً ذِكرُناهُ وَهُوَ بالي

وَما أَحَدٌ يُخَلَّدُ في البَرايا

بَلِ الدُنيا تَؤولُ إِلى زَوالِ

أَطابَ النَفسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوتاً

تَمَنَّتهُ البَواقي وَالخَوالي

وَزُلتِ وَلَم تَرى يَوماً كَريهاً

يُسَرُّ الروحُ فيهِ بِالزَوالِ

رِواقُ العِزِّ حَولَكِ مُسبَطِرٌّ

وَمُلكُ عَلِيٍّ اِبنِكِ في كَمالِ

سَقى مَثواكَ غادٍ في الغَوادي

نَظيرُ نَوالِ كَفِّكِ في النَوالِ

لِساحيهِ عَلى الأَجداثِ حَفشٌ

كَأَيدي الخَيلِ أَبصَرَتِ المَخالي

أُسائِلُ عَنكِ بَعدَكِ كُلَّ مَجدٍ

وَما عَهدي بِمَجدٍ عَنكِ خالي

يَمُرُّ بِقَبرِكِ العافي فَيَبكي

وَيَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السُؤالِ

وَما أَهداكِ لِلجَدوى عَلَيهِ

لَوَ أَنَّكِ تَقدِرينَ عَلى فَعالِ

بِعَيشِكِ هَل سَلَوتِ فَإِنَّ قَلبي

وَإِن جانَبتُ أَرضَكِ غَيرُ سالي

نَزَلتِ عَلى الكَراهَةِ في مَكانٍ

بَعُدتِ عَنِ النُعامى وَالشَمالِ

تُحَجَّبُ عَنكِ رائِحَةُ الخُزامى

وَتُمنَعُ مِنكِ أَنداءُ الطِلالِ

بِدارٍ كُلُّ ساكِنِها غَريبٌ

طَويلُ الهَجرِ مُنبَتُّ الحِبالِ

حَصانٌ مِثلُ ماءِ المُزنِ فيهِ

كَتومُ السِرِّ صادِقَةُ المَقالِ

يُعَلِّلُها نِطاسِيُّ الشَكايا

وَواحِدُها نِطاسِيُّ المَعالي

إِذا وَصَفوا لَهُ داءً بِثَغرٍ

سَقاهُ أَسِنَّةَ الأَسلِ الطِوالِ

وَلَيسَت كَالإِناثِ وَلا اللَواتي

تُعَدُّ لَها القُبورُ مِنَ الحِجالِ

وَلا مَن في جَنازَتِها تِجارٌ

يَكونُ وَداعُها نَفضَ النِعالِ

مَشى الأُمَراءُ حَولَيها حُفاةً

كَأَنَّ المَروَ مِن زِفِّ الرِئالِ

وَأَبرَزَتِ الخُدورُ مُخَبَّآتٍ

يَضَعنَ النَقسَ أَمكِنَةَ الغَوالي

أَتَتهُنَّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ

فَدَمعُ الحُزنِ في دَمعِ الدَلالِ

وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا

لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ

وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ

وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ

وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا

قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ

يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضاً وَتَمشي

أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي

وَكَم عَينٍ مُقَبَّلَةِ النَواحي

كَحيلٌ بِالجَنادِلِ وَالرِمالِ

وَمُغضٍ كانَ لا يُغدي لِخِطبٍ

وَبالٍ كانَ يُفكِرُ في الهُزالِ

أَسَيفَ الدَولَةِ اِستَنجِد بِصَبرٍ

وَكَيفَ بِمِثلِ صَبرِكَ لِلجِبالِ

فَأَنتَ تُعَلِّمُ الناسَ التَعَزّي

وَخَوضَ المَوتِ في الحَربِ السِجالِ

وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى

وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ

فَلا غيضَت بِحارُكَ يا جَموماً

عَلى عَلَلِ الغَرائِبِ وَالدِخالِ

رَأَيتُكَ في الَّذينَ أَرى مُلوكاً

كَأَنَّكَ مُستَقيمٌ في مُحالِ

فَإِن تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتَ مِنهُم

فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024