Skip to main content
search

يروى أن امرأة فاتنة الجمال، تغزل بها فتيان قبيلة من العرب الغابرة، إذ كانت تسكن قيفارا من واد بالخوالي، و لما سمع أهلها بما صار بها منهم، امتعضوا خاصة كبيرهم، لأنه من عاداتهم تحريم التغزل مهما كان نوعه، لذا اغلقت الاسوار و المنافذ عنها، و منعت من خروج عرينها إلا عند الحاجة الملحة.

انتشر الخبر كنار الهشيم بمعضم القبائل، حتى وصل اسماع مجموعة من قطاع الطرق قرب الخيام، فارادوا تدبير مكيدة لها و اتخاذها غنيمة مربحة، و بيعها بسوق العبيد بالمدينة، علها تدر عليهم بالمال الوفير، خاصة و أن حاكمها عرف بولعه الشديد بالنساء، فما كان منهم إلا الدخول خلسة و في جنح الظلام للعرين على هيئة تجار و عابري سبيل، ثم اتجهوا خفية إلى خيمة الفتاة، و في لمح البصر، تمكنوا من خطفها و حملها معهم بسرية تامة، و دون علم أي أحد من أهل الديرة.

استيقضت المليحة التي كانت تدعى الحويراء لوسع بعينها و دقة ببصرها، إذ يروى أنها كانت تبصر في ظلمة الليل، كما انها كانت تنبىء اهلها بالخير و الشر، بفضل هبة ربانية حباها الله بها دونا عن غيرها، فعلمت أنها مخطوفة و قد اصابها ضر جراءهم، فما العمل للخلاص منهم؟

آثرت أن تمتنع عن الكلام و لا تحدثهم حتى تنفذ بجلدها و ترجع اهلها سالمة، لكن كيف و هي لا يمكن أن تأمن شرهم، لذا حز في نفسها مصابها، و صبرت و دعت ربها حتى ينقضها من ضيقها.

فكوا قيودها و هيؤوا لها مضربا ثم زينوها، و اخبروها أنها نازلة عند كبير القوم سهل ابن حارثة، و عليها أن تحسن التصرف عنده، لكنها بقيت بكماء و عقدت لسانها عن الحديث حتى تنفذ ما أرادت و تتحرر من قبضة اللصوص.

انتقلت الحويراء عنده، فما إن رآها حتى انعقد فمه من شدة حسنها و بهاءها، فهيىء لها مضربا في نفس الليلة و أراد الاختلاء عندها، ما إن دخل عندها، حتى بكت و طلبت منه ان يحضر ورقا و فرشاة حتى تخط بعض الكلام الذي تريد اسراره، احتار الرجل منها، فما كان منه إلا إجابة رغبتها. أخذت سكينا و احدثت جرحا بمعصمها و كتبت بدمها السائل على الورق ما يلي: الولي بالولي، و لا نكاح للحويراء إلا بهما، ثم قامت و صلت ركعتين، و بعدها ما استطاع مضاجعتها في تلك الليلة من شدة دهشته لسمو و علو خلقها.

و  في صبيحة اليوم الموالي، أمر  الحراس بالاتيان باللصوص و علم انهم ليسوا شرفاء، فزج بهم في السجن، أما هي فسارت معه في قافلة كبيرة معززة مكرمة لبيت اهلها، و عند وصولهم، ما كان من السهلي إلا سؤال كبيرهم عن نكاحها، و بعد القبول، زفت الحويراء على السهلي في جو رائع و بهيج تغنت به العرب لاجيال. فما قولك في هذا الحديث؟

فأقول: الله الله نعم الزيجة، إن المرأة الحرة مهما حاولوا تدنيسها، فالمعدن الاصيل يبقى اصيلا مهما حصل. حق للساهلي أن يعرف جوهرة نادرة كالحويراء. 

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024