Skip to main content
search

يا فَضلُ فيما الصُدودُ وَالغَضَبُ

أَم فيمَ حَبلُ الصَفاءِ مُنقَضِبُ

أَم فيمَ هِجرانُ هائِمٍ بِكُمُ

تُقصونَهُ دائِباً وَيَقتَرِبُ

هَذا لِذَنبٍ فَلَن أَعودَ لَهُ

ما أَعقَبَت ريحَ شَمأَلٍ نُكُبُ

أَم دَبَّ لي كاشِحٌ فَأَضرَمَ لي

عِندَكَ ناراً بِالإِفكِ تَلتَهِبُ

يا فَضلُ أَشمَتَّ بي العُداةَ وَقَد

أَعطَيتَهُم فِيَّ فَوقَ ما طَلَبوا

صَدُّكَ عَنّي وَجَفوَةٌ حَدَثَت

مِن صاحِبٍ غالَ وُدَّهُ العَطَبُ

كانَ صَديقاً فَصارَ مَعرِفَةً

بَعدُ كَذاكَ القُلوبُ تَنقَلِبُ

إِنّي لَباكٍ عَلَيهِ ما طَرَقَت

عَينٌ وَما فاضَ دَمعُها السَرِبُ

بُكاءَ مَحزونَةٍ عَلى وَلَدٍ

لَم يُغنِ عَنها الإِشفاقُ وَالحَدَبُ

أَندَبُ حَيّاً ماتَت مَوَدَّتُهُ

طَوراً وَطَوراً عَلَيهِ أَنتَحِبُ

باخَ سَنا نارِ وُدِّهِ فَخَبا

وَكانَ حيناً لِنارِهِ لَهَبُ

قَد كُنتُ آتيهِ لِلسَلامِ فَلا

تَستُرُني عَن لِقائِهِ الحُجُبُ

قَد كانَ يُبدي وُدّاً وَتَكرِمَةً

إِذ مَشرَعُ الوُدِّ بَينَنا عُقَبُ

إِذ أَنا في عُنفُوانِ مَنزِلَةٍ

تُكرِمُني مَرَّةً لَها العَرَبُ

تُظِلُّني لِلمُلوكِ أَسمِيَةٌ

أَمطارُهُنَّ اللُجَينُ وَالذَهَبُ

في خَفضِ عَيشٍ وَظِلِّ مَملَكَةٍ

قَد كانَ يَصفو بِها لَنا الحَلَبُ

حَتّى إِذا ما الزَمانُ أَعوَصَ بي

وَالدَهرُ فينا لِصَرفِهِ نُوَبُ

أُغلِقَ دوني بابُ الصَفاءِ كَأَن

لَم يَكُ بَيني وَبَينَهُ سَبَبُ

يا صاحِباً لَم أَخَف تَغَّيُّرَهُ

ما هَكَذا فِعلُ مَن لَهُ أَدَبُ

ما لي وَكُنتُ الصَديقَ آمُلُهُ

وَأَرتَجي نَفعَهُ وَأَرتَقِبُ

آتيكَ سَعياً مُعَفِّراً قَدَمي

يَحفِزُني الشَوقُ ثُمَّ تَحتَجِبُ

عَنّي كَأَنّي إِذا أَتَيتُكُمُ

مُسَلِّماً شارِفٌ بِها جَرَبُ

ثَمَّةَ حُجّابُكَ الجُفاةُ إِذا إِستَأ

ذَنتُ هَرّوا عَلَيَّ أَو قَطَبوا

لَيسَ جَزاءُ القُشولِ فيكَ بِما

تَقصُرُ عَنهُ الصِفاتُ وَالخُطَبُ

هَذا لَعَمري وَالحُرُّ لا يَرتَضي ال

هونَ وَإِن قَلَّ عِندَهُ النَشَبُ

يا فَضلُ لا أَحمِلَ الجَفاءَ وَلي

في الأَرضِ مَندوحَةٌ وَمُضطَرَبُ

هَيهاتَ هَيهاتَ لا أَهونُ وَلي

عَمَّن جَفاني مَنادِحٌ رُحُبُ

تَمنَعُني نَبعَةٌ مُغَرَّسَةٌ

لا قادِحٌ شانَها وَلا قَلَبُ

عَن حَملِ ما في اِحتِمالِهِ ضَعَةٌ

حَتّى يُوارِي عِظامِيَ التُرُبُ

يا فَضلُ لي مِقوَلٌ أَقولُ بِهِ

عَضبٌ إِذا ما هَزهَزتُهُ ذَرِبُ

تَحجِزُني عَنكَ حُرمَةٌ قَدُمَت

وَخُلَّةٌ ما يَشينُها كَذِبُ

كَم مِن عَدُوٍّ أَرغَمتُ مَعطِسَهُ

فيكَ وَكَم فيكَ هَزَّني الغَضَبُ

عَلى رِجالٍ إِذا هُمُ قَدَحوا

فيكَ فَبَيني وَبَينَهُم نَحَبُ

إِن حُصِّلَ الناسُ في فِعالِهِمِ

كُنتَ الَّذي أَصطَفي وَأَنتَخِبُ

أَجعَلُكَ الفَذَّ مِن قِداحِهِمِ

إِذا أُجيلَت وَإِن هُمُ غَضِبوا

ثُمَّ أَراني لَدَيكَ مُطَّرِحاً

أُجفى عَلى حُرمَتي وَأَجتَنِبُ

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024