Skip to main content
search

مَحَلٌّ عَلى القاطولِ أَخلَقَ داثِرُه

وَعادَت صُروفُ الدَهرِ جَيشاً تُغاوِرُه

كَأَنَّ الصَبا توفي نُذوراً إِذا اِنبَرَت

تُراوِحُهُ أَذيالَها وَتُباكِرُه

وَرُبَّ زَمانٍ ناعِمٍ ثَمَّ عَهدُهُ

تَرِقُّ حَواشيهِ وَيونَقُ خَصرُه

تَغَيَّرَ حُسنُ الجَعفَرِيِّ وَأُنسُهُ

وَقُوِّضَ بادي الجَعفَرِيِّ وَحاضِرُه

تَحَمَّلَ عَنهُ ساكِنوهُ فُجاءَةً

فَعادَت سَواءً ضورُهُ وَمَقابِرُه

إِذا نَحنُ زُرناهُ أَجَدَّ لَنا الأَسى

وَقَد كانَ قَبلَ اليَومِ يَبهَجُ زائِرُه

وَلَم أَنسَ وَحشَ القَصرِ إِذ ريعَ سِربُهُ

وَإِذ ذُعِرَت أَطلاؤُهُ وَجَآذِرُه

وَإِذ صِيحَ فيهِ بِالرَحيلِ فَهُتِّكَت

عَلى عَجَلٍ أَستارُهُ وَسَتائِرُه

وَوَحشَتُهُ حَتّى كَأَن لَم يُقِم بِهِ

أَنيسٌ وَلَم تَحسُن لِعَينٍ مَناظِرُه

كَأَن لَم تَبِت فيهِ الخِلاَفَةُ تَلقَةً

بَشاشَتُها وَالمُلكُ يُشرِقُ زاهِرُه

وَلَم تَجمَعِ الدُنيا إِلَيهِ بَهاءَها

وَبَهجَتَها وَالعَيشُ غَضٌّ مَكاسِرُه

فَأَينَ الحِجابُ الصَعبُ حَيثُ تَمَنَّعَت

بِهَيبَتِها أَبوابُهُ وَمَقاصِرُه

وَأَينَ عَميدُ الناسِ في كُلِّ نَوبَةٍ

تَنوبُ وَناهي الدَهرِ فيهِم وَآمِرُه

تَخَفّى لَهُ مُغتالُهُ تَحتَ غِرَّةٍ

وَأَولى لِمَن يَغتالُهُ لَو يُجاهِرُه

فَما قاتَلَت عَنهُ المَنونَ جُنودُهُ

وَلا دافَعَت أَملاكُهُ وَذَخائِرُه

وَلا نَصَرَ المُعتَزَّ مَن كانَ يُرتَجى

لَهُ وَعَزيزُ القَومِ مَن عَزَّ ناصِرُه

تَعَرَّضَ ريبُ الدَهرِ مِن دونِ فَتحِهِ

وَغُيِّبَ عَنهُ في خُراسانَ طاهِرُه

وَلَو عاشَ مَيتٌ أَو تَقَرَّبَ نازِحٌ

لَدارَت مِنَ المَكروهِ ثَمَّ دَوائِرُه

وَلَو لِعُبَيدِ اللَهِ عَونٍ عَلَيهِمِ

لَضاقَت عَلى وُرّادِ أَمرٍ مَصادِرُه

حُلومٌ أَضَلَّتها الأَماني وَمُدَّةٌ

تَناَهَت وَحَتفٌ أَوشَكَتهُ مَقادِرُه

وَمُغتَصِبٌ لِلقَتلِ لَم يُخشَ رَهطُهُ

وَلَم يُحتَشَم أَسبابُهُ وَأَواصِرُه

صَريعٌ تَقاضاهُ السُيوفُ حُشاشَةً

يَجودُ بِها وَالمَوتُ هُمرٌ أَظافِرُه

أُدافِعُ عَنهُ بِاليَدَينِ وَلَم يَكُن

لِيَثني الأَعادي أَعزَلُ اللَيلِ حاسِرُه

وَلَو كانَ سَيفي ساعَةَ القَتلِ في يَدي

دَرى القاتِلُ العَجلانُ كَيفَ أُساوِرُه

حَرامٌ عَلَيَّ الراحُ بَعدَكَ أَو أَرى

دَماً بِدَمٍ يَجري عَلى الأَرضِ مائِرُ

وَهَل أَرتَجي أَن يَطلُبَ الدَمَ واتِرٌ

يَدَ الدَهرِ وَالمَوتورُ بِالدَمِ واتِرُه

أَكانَ وَلِيُّ العَهدِ أَضمَرَ غَدرَةً

فَمِن عَجَبٍ أَن وُلِّيَ العَهدَ غادِرُه

فَلا مُلِّيَ الباقي تُراثَ الَّذي مَضى

وَلا حَمَلَت ذاكَ الدُعاءَ مَنابِرُه

وَلا وَأَلَ المَشكوكُ فيهِ وَلا نَجا

مِنَ السَيفِ ناضي السَيفِ غَدراً وَشاهِرُه

لَنِعمَ الدَمُ المَسفوحُ لَيلَةَ جَعفَرٍ

هَرَقتُم وَجُنحُ اللَيلِ سودٌ دَياجِرُه

كَأَنَّكُمُ لَم تَعلَموا مَن وَلِيُّهُ

وَناعيهِ تَحتَ المُرهَفاتِ وَثائِرُه

وَإِنّي لَأَرجو أَن تُرَدَّ أُمورُكُم

إِلى خَلَفٍ مِن شَخصِهِ لا يُغادِرُه

مُقَلِّبِ آراءٍ تَخافُ أَناتُهُ

إِذا الأَخرَقُ العَجلانُ خيفَت بَوادِرُه

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024