Skip to main content
search

يا من تلوّنَ عهدهُ وتغيّرا

ما كان حقُّ محبّكم أن يُهجرا

لو أنَّ صدّكمُ تمثّل ليلةً

لثنت غياهبها الخيالَ عن السّرى

ولئن غدرتَ فسنّةٌ مأثورةٌ

ما حُلتَ عن شيمَ الليالي والورى

غلبَ الهُيامُ عليه حتى أنّهُ

وكفاك دلهاً لو وصلتَ لما درى

فانقعْ بذكر الصبر حرَّ فؤاده

أو لا فحدّث مقلتيه عن الكرى

حجبوكَ بدراً في الهوادج طالعاً

وثنوكَ ظبياً في الأكلّة أحورا

ما هذه الغزلانَ بين كناسها

لكنّها الأسد الضّواري والشّرى

من كلّ ماضي اللّحظ زهّدِ قومه

في البيض حتى أنّها ما تُشترى

لدنُ القوامِ رشيقهُ يُغني زعيمَ الحيِّ

أن يدعو الوشيجَ الأسمرا

بأبي وبي غضبانُ ما عاتبتهُ

إلاّ نهيتُ عن النّقار الجؤاذرا

لو كنتَ شاهدَ ليلَ صُدغيه على

وجناتهِ لرأيتَ ليلاً مُقمرا

أسفي على وصلٍ عفتْ أيّامهُ

وصفاءِ قرب بالعباد تكدّرا

حكمَ الهوى أني أضلُّ فلا اهتدى

وقضى الجمالُ بأنْ ينامَ وأسهرا

ولربَّ ليلةٍ موعدٍ وافيتها

لمّا ركبتُ لها الصباحَ الأشقرا

واليومَ قد أضحى اللقاءُ كوعدهِ

حُلماً وقد أمسى المزار مزوَّراً

يا سائقَ الأظعان تنتجع الحيا

والعيسُ تنفحُ في الأزمّةِ والبرى

يمّم ندى عبد الرحيم وظلّهِ

فالصبحُ يعرفُ ضوءهُ من أبصرا

تلقَ الجبين الصلتَ ابيض واضحاً

طلقَ الأسرّة والجنابَ الخضرا

فهناك لا ماءُ السماح بناضبٍ

كلاَّ ولا كلاُّ الغنى متعذّرا

في لفظةٍ منهُ تصادف منصلاً

يجري على صرف القضاء إذا جرى

يا خجلة الفصحاء من إعجازه

بهرَ العقول وحقّهُ أن يبهرا

وسرى إلى العلياءِ حيث لو أنَّ

طرف النجم سار وراءهُ لتعثّرا

يقظان ساس الملك نهباً شاغراً

فثناهُ أحمى في الجفون من الكرى

فالمجدُ مرفوع المنازل والسّنا

والدين مشدود الأواخي والعُرى

يُغضي عن اللذّات خيفةَ ربّهِ

الله أكبرُ ما أعفَّ وأقدرا

ما من يقيس إليه خقاً مثلهُ

إلا كمن قاس الوهاد إلى الذُّرى

من أين للدنيا جوادٌ مثلهُ

سمح الزمان بهِ وأصبح مُعسراً

شُهرت مهابتهُ فقد أغنت سيوفَ

الهند دون عُداتهِ أن تُشهرا

فإذا تقدّم في العلاء مفاخراً

عرف السِّماك محلّهُ فتأخرا

هوَ مشرع الكرمِ الذي ما جئتهُ

إلاَّ وانهلك الزّلال الكوثرا

يعصى الملامة في السّماحة والنّدى

من ذا يصدّ الغيث عن أن يُمطرا

ويضيءُ في الزمن البهيم فعالهُ

والصبحُ ليس بمنكرٍ أن يسفرا

ألفَ التواضعَ في رفيعِ محلّهِ

وكفاهُ كبرُ الشأن أن يتكبَّرا

ذو الرأي حتف الوهن تحت رويّةٍ

أحيا بها رممَ العلوم وأنشرا

وحزامةٍ أغنت عن الأشياع إذ

مثلت لديهِ فوارساً وسنوّرا

أزكى الورى أصلاً وأطيبُ عنصراً

وأجلُّ سابقةً وأكرمُ معشرا

جادت سحابُ بنانهم غصنَ المنى

الذاوي فأورق بالسماح وأثمرا

إن تلقهم والأفقُ كابٍ لونهُ

تلقَ الفضائل والفواضل والقِرى

لُذ باليفاع إذا انتجعتَ أكفَّهم

فالبحر لستَ تطيقهُ أن يزخرا

الواهبون بكلَّ عامٍ أشهبٍ

حُمرَ المطايا والعتاقَ الضُمَّرا

غنيتْ مغاني الجود فهي أواهلٌ

بهمِ وكان الجود ربعاً مُقفرا

وحبوا صفاتهم البلادَ كأنما

نثروا على الآفاق مسكاً أذفرا

يا ابن الجبال إذا الحلومُ تهافتت

وابن البحار ندى إذا قنط الثرى

مَنْ للكريم إذا انتحاهُ دهرُهُ

ظلماً ومن للخطب غيرك عن عرا

عاثت ذئاب القوم في سرحي ولولا

أنت هاجوا عند ذاك غضنفرا

ومن البليّة أن أضام بمن بهِ

أزعُ العدى وعليه أثني الخنصرا

إن خاب ظنّي في الزمان وأعله

فالطِرْف ليس ببدعةٍ أن يعثرا

أو ينتصرْ لي فالسحاب إذا سقى

أدنى وأيسرُ حقهِ أن يُشكرا

فاكففْ ظلام الظُّلم عن ساحي

فزندُ العدل ما بين الورى بك قدورى

فلا منحنَّك كل ناصعةٍ كأنَّ

الحسنَ توَّجها النُّضارَ الأحمرا

لطُفت فلو نطقتْ لكان كلامها

سحراً ولو شُفيت لكانت مسكرا

قمرٌ وأنت الشمسُ فامنح جرمهُ

نوراً ليبدرَ في الأنام ويظهرا

وخريدةٍ زُفَّتْ فأمهرها ولو

سمعاً فليس تحِلُّ حتى تُمهرا

قد طال ما أحيا حيا معروفك

المعروفَ حيث أمات فينا المُنكرا

لو املكُ الدنيا سمحتُ بها لمَن

وأوفى بمقدمكَ السعيد مبشِّرا

ابن الساعاتي

علي بن محمد بن رستم بن هَردوز، أبو الحسن، بهاء الدين بن الساعاتي. (1158 - 1207) م شاعر مشهور، خراساني الأصل، ولد ونشأ في دمشق. وكان أبوه يعمل الساعات بها. قال ابن قاضي شهبة: برع أبو الحسن في الشعر، ومدح الملوك، وتعانى الجندية وسكن مصر. وتوفي بالقاهرة. وأخوه الطبيب ابن السَّاعاتي (618 هـ 1221 م)

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024