صد عن الأطلال لما استيأسا

ديوان ابن الرومي

صَدَّ عن الأطلال لمَا استيأسا

من أن تُحير النُطق أو أن تَنْبسا

ولم يُمادِ الخَطَراتِ الهُجَّسا

خوفاً على أدوائه أن تُنْكَسا

بَل ذو الحِجى لا يَستحير أخْرَسا

إلا إذا اسْتَجْهله فرطُ الأسى

لا يَحرِمُ اللَه الطلولَ الدُّرَّسا

سُقياً تُردِّيهن نوراً أملسا

أَقاحِياً أو حَنوةً أو نَرْجسا

تكادُ رَياه إذا تنفَّسا

تُنْشئُ في تلكَ المَواتِ أنفُسا

تَربُّه الأنوارُ رَبّاً مِرغَسا

بكل محموم الظلال أغبسا

إذا أضاءَ البَرق فيه أرجَسا

إن لمْ يَؤُبْ جُنحَ الظلام غَلَّسا

فقد لَهَوْنا بالطلول أحْرُسا

أيام يُؤْوينَ الظِّباء الأُنَّسا

والدهرُ يجني أنعماً وأبؤسا

أنا ابنُ أعلى كلِّ من تفرَّسا

بيتاً وأزكاهُمْ ثرى ومَغرسا

والوارثُ المجدَ الطويلَ مِقْيَسا

والباعَ والعِزَّ التَّليدَ الأقعسا

عن كل وضَّاح يُجلِّي الحنْدِسا

تَمَّمَ بي من مَجده ما أسَّسا

فأيها المُلْقي عليَّ الأحْلُسا

شمسُ الضُّحى أبرعُ من أن تُطْمسا

يعقوبُ لاقيتَ هِزَبراً مِفْرَسا

يزيدُه عضّ الحروب حَمَسا

تَنجابُ عنه الغمَراتُ أمْلسا

يَخاله القِرنُ إذا تَشَرَّسا

يُديرُ في المِحجرِ منه قَبَسا

يَستوقِفُ الألفَ إذا تَبَهْنسا

حِجراً على الآسادِ حيثُ عَرَّسا

أذاكَ أم قِرنَ صِيالٍ أسْوَسا

لا مُمتَطى الظهرِ ولا مُخَيَّسا

أصْيدَ يأبى رأسُه أن يُعكَسا

أهْوَجَ إن وَزَعْتَه تَغْطرسا

يغشى الفحولَ البزلَ بَرْكاً مِهرسا

إذا أحسَّ البَكْرُ منه جَرَسا

لَطَّ العَسِيبَ باستِه واخْرَمَّسا

أذاكَ أم كبشُ نِطاع أرأسَا

يُولي الكباشَ هامةً كروَّسا

يَهْوينَ منها للرؤُوس كُوِّسا

كأنما يَصدِمْن منها عِرمسا

أعْيَتْ على الرادينَ أن تُؤيَّسا

حتى تَراها بالجريض نُسَّسَا

سَكرى وما باتتْ تُعلُّ الأكؤُسا

أذاكَ أمْ أفعى نآدا دهْرسا

أمْلَتْ له الأحداثُ حتى عَنَّسا

ببطن وادٍ وَحَدا فيه خَسا

ما بَضَّ واديه ندىً ولا اكتسى

نبتاً لدُن آوَاه إلا أيبسا

إذا استدرَّ في المَشيبِ وَسْوسا

وسوسةَ الحِمِّ إذا تحسحسا

يُعجِلُ من أنْحى عليه المِنهسا

من أن يُرَجّي البرء أو أن يَيْأسا

أو أن يُراعي الجارياتِ الخُنَّسا

بل شاعِراً ثَبْتَ المقام أحْوسا

مِردىً بأمثال القَوام مِرْدسا

يُرسلهُنَّ نِقْرساً فنقرسا

تَقْرُو القبورَ مَرْمَساً فمرمَسا

حتى يُوافينَ العَجوزَ المُومسا

أمَّكَ والشيخَ اللَئيم مَعْطسا

لا بُورِك الزوجان بل لا قُدِّسا

يا ابنَ السفاح يَقَناً لا مَحْدسا

وابن التي لم يَلقَ من تحسَّسا

أرْوَض منها للزَنا وأسْوسا

ريَّا بماءٍ غُصنُها حتى عسا

تبيعُ من أرْبحَها وأوْكسا

سِيّان من أسْنَى لها وخسّسا

ثم أعدَّتْ كَسْبَها المحبَّسا

فادَّخرتْ مِنه الرغيبَ المنْفِسا

لتُرغبَ المقْتر فيه المُفلسا

إذا تَحَنَّى ظهْرُها وقوَّسا

ولمْ يرَ الزْناةُ فيها مَلْبسا

كَذَاكَ تَلقَى الحُوَّل المُجرَّسا

يأخذُ من لِيانه لِما قَسَا

تَفْري الغراميلَ إذا الليل غسا

احْوَقَ يَقذِي مِشْفَراهُ نَجَسَا

أوْسَعَ من طَوْقِ الرحا وأسلسا

يَبلعُ ما يَبْلعُ حُوتُ يُونُسا

لو انتحاهُ سَهْمُ أعْمى قَرطسا

أينَ عَسى يَعدِلُ عنه لاعسا

تكادُ من غُلْمتِه أن تُسْلَسا

إذا اعترى النومُ العيونَ النُعَّسا

أجْسمها جَوْفَ الدُجى أن تَهمِسا

كَأنما أرَّقها داءُ النَسَا

حتى تُلاقي بعضَ من تعسَّسا

سكرانَ ليلٍ عابراً أو حرسا

لو فرشوها الجندل المضُرَّسا

إذاً لخَالتْهُ هناكَ السُنْدسا

لاقتْ بعَينيكَ الأيورَ الدُحَّسا

فَقَذَفتْ مِنك بأعمى أطْمسا

يَرى النهار ظلماتٍ دُمَّسا

واسْتخلفتْ بِنتَكَ تَعْساً أتعسا

متى تُلاقِ الرَّاهبَ المُبَرْنَسا

تقْبِضْ عليه قَبضَ رام مَعْجِسا

حتى إذا كان حَراً أن يُقلِسا

وانتَفَجَتْ أوْرادُه واقعَنْسَسا

كعُنُق الهَيْق إذا تَوَجَّسا

وَرَضِيَتْهُ منظراً وَملْمَسا

رَدَّتْه في أرْحَامها مُكَوَّسا

فلو رَآها شَيْخُها ما عبَّسا

قال بُوركتِ كَمِيَّاً مِدعسا

تنوَّقا بوركتما تَنطَّسا

وبالرِّفاءِ والبنينَ أعْرِسا

دونَكَها تَكْسوك ثوباً أطْلسا

يُخاوضُ المجلس فيها المجْلِسا

ما أقْمرَ ابْنا أبدٍ وأشْمسا

لو اسْتعنْتَ في المعاني هِرْمسا

أو اسْتَجَشْتَ في الكلام فَقْعَسا

كي يُصرِخَاك مِثلها لأُبْلِسا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الرومي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات