Skip to main content
search

حُشاشَةُ نَفسٍ وَدَّعَت يَومَ وَدَّعوا

فَلَم أَدرِ أَيَّ الظاعِنَينِ أُشَيِّعُ

أَشاروا بِتَسليمٍ فَجُدنا بِأَنفُسٍ

تَسيلُ مِنَ الآماقِ وَالسِمِ أَدمُعُ

حَشايَ عَلى جَمرٍ ذَكِيٍّ مِنَ الهَوى

وَعَينايَ في رَوضٍ مِنَ الحُسنِ تَرتَعُ

وَلَو حُمِّلَت صُمُّ الجِبالِ الَّذي بِنا

غَداةَ اِفتَرَقنا أَو شَكَت تَتَصَدَّعُ

بِما بَينَ جَنبَيَّ الَّتي خاضَ طَيفُها

إِلَيَّ الدَياجي وَالخَلِيّونَ هُجَّعُ

أَتَت زائِراً ما خامَرَ الطيبُ ثَوبَها

وَكَالمُسكِ مِن أَردانِها يَتَضَوَّعُ

فَما جَلَسَت حَتّى اِنثَنَت توسِعُ الخُطا

كَفاطِمَةٍ عَن دَرِّها قَبلَ تُرضِعُ

فَشَرَّدَ إِعظامي لَها ما أَتى بِها

مِنَ النَومِ وَاِلتاعَ الفُؤادُ المُفَجَّعُ

فَيا لَيلَةً ما كانَ أَطوَلَ بِتُّها

وَسُمُّ الأَفاعي عَذبُ ما أَتَجَرَّعُ

تَذَلَّل لَها وَاِخضَع عَلى القُربِ وَالنَوى

فَما عاشِقٌ مَن لا يَذِلُّ وَيَخضَعُ

وَلا ثَوبُ مَجدٍ غَيرَ ثَوبِ اِبنِ أَحمَدٍ

عَلى أَحَدٍ إِلّا بِلُؤمٍ مُرَقَّعُ

وَإِنَّ الَّذي حابى جَديلَةَ طَيِّئٍ

بِهِ اللَهُ يُعطي مَن يَشاءُ وَيَمنَعُ

بِذي كَرَمٍ ما مَرَّ يَومٌ وَشَمسُهُ

عَلى رَأسِ أَوفى ذِمَّةً مِنهُ تَطلُعُ

فَأَرحامُ شِعرٍ يَتَصِلنَ لَدُنَّهُ

وَأَرحامُ مالٍ لا تَني تَتَقَطَّعُ

فَتىً أَلفُ جُزءٍ رَأيُهُ في زَمانِهِ

أَقَلُّ جُزَيءٍ بَعضُهُ الرَأيُ أَجمَعُ

غَمامٌ عَلَينا مُمطِرٌ لَيسَ يُقشِعُ

وَلا البَرقُ فيهِ خُلَّباً حينَ يَلمَعُ

إِذا عَرَضَت حاجٌ إِلَيهِ فَنَفسُهُ

إِلى نَفسِهِ فيها شَفيعٌ مُشَفَّعٌ

خَبَت نارُ حَربٍ لَم تَهِجها بَنانُهُ

وَأَسمَرُ عُريانٌ مِنَ القِشرِ أَصلَعُ

نَحيفُ الشَوى يَعدو عَلى أُمِّ رَأسِهِ

وَيَحفى فَيَقوى عَدوُهُ حينَ يُقطَعُ

يَمُجُّ ظَلاماً في نَهارٍ لِسانُهُ

وَيُفهِمُ عَمَّن قالَ ما لَيسَ يَسمَعُ

ذُبابُ حُسامٍ مِنهُ أَنجى ضَريبَةً

وَأَعصى لِمَولاهُ وَذا مِنهُ أَطوَعُ

فَصيحٌ مَتى يَنطِق تَجِد كُلَّ لَفظَةٍ

أُصولَ البَراعاتِ الَّتي تَتَفَرَّعُ

بِكَفِّ جَوادٍ لَو حَكَتها سَحابَةٌ

لَما فاتَها في الشَرقِ وَالغَربِ مَوضِعُ

وَلَيسَ كَبَحرِ الماءِ يَشتَقُّ قَعرَهُ

إِلى حَيثُ يَفنى الماءُ حوتٌ وَضِفدَعُ

أَبَحرٌ يَضُرُّ المُعتَفينَ وَطَعمُهُ

زُعاقٌ كَبَحرٍ لا يَضُرُّ وَيَنفَعُ

يَتيهُ الدَقيقُ الفِكرِ في بُعدِ غَورِهِ

وَيَغرَقُ في تَيّارِهِ وَهوَ مِصقَعُ

أَلا أَيُّها القَيلُ المُقيمُ بِمَنبِجٍ

وَهِمَّتُهُ فَوقَ السِماكَينِ توضِعُ

أَلَيسَ عَجيباً أَنَّ وَصفَكَ مُعجِزٌ

وَأَنَّ ظُنوني في مَعاليكَ تَظلَعُ

وَأَنَّكَ في ثَوبٍ وَصَدرُكَ فيكُما

عَلى أَنَّهُ مِن ساحَةِ الأَرضِ أَوسَعُ

وَقَلبُكَ في الدُنيا وَلَو دَخَلَت بِنا

وَبِالجِنِّ فيهِ ما دَرَت كَيفَ تَرجِعُ

أَلا كُلُّ سَمحٍ غَيرَكَ اليَومَ باطِلٌ

وَكُلُّ مَديحٍ في سِواكَ مُضَيَّعٌ

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024