Skip to main content
search

تَناسَيتُ إِلّا باقِياتٍ مِنَ الذِكرِ


لَيالِيَنا بَينَ القَرينَةِ وَالغَمرِ


وَكَم زادَني فيها الهَوى عَن جِمامِهِ


وَقارَعَني الغَيرانُ عَن بَيضَةِ الخِدرِ


وَذي دَعَجٍ لا نابِلُ الحَيِّ رايِشاً


وَلا بارِياً يَبري مِنَ الشَرِّ ما يَبري


يُقَلَّبُ لي في مِحجَرَي أُمَّ شادِنٍ


تَجَفَّلُ أَو يَدنو دُنوّاً عَلى ذُعرِ


تَلَقَّيتُ مِن طَرفَيهِ سَهماً وَجَدتُه


يَلَذُّ عَلى عَيني وَيُؤلِمُ في صَدري


فَيا لَكَ مِن رامٍ أَضَمَّ سِهامَهُ


وَإِن نِلنَ مِنّي بِاليَدَينِ إِلى النَحرِ


أَقولُ لِغَيداقٍ وَأَذكَرَني الهَوى


عَلى النَأيِ ما لِلقَلبِ وَيبَكَ وَالذِكرِ


تُذَكِّرُني ما حالَتِ الأَرضُ دونَهُ


أَلا إِنَّما سَوَّلتَ لِلدَمعِ أَن يَجري


وَطَيُّ اللَيالي وَالجَديدُ إِلى بِلىً


وَلَيسَ لِما يَطوي الجَديدانِ مِن نَثرِ


وَشَرُّ الرَفيقَينِ الَّذي إِن أَمَرتَهُ


عَصاكَ وَإِن ما حُطتَهُ الدَهرَ لَم يَدرِ


يُقارِعُني حَتّى إِذا كَلَّ غَربُهُ


نَسينا التَصافي وَاِندَمَلنا عَلى غَمرِ


أَفي كُلِّ يَومٍ أَنتَ ماتِحُ عَبرَةٍ


عَلى طَلَلٍ بِالوِدِّ أَو مَنزِلٍ قَفرِ


وَمُنتَزِحٍ جَمّاتِ عَينَيكَ راجِعاً


إِلى غَزرِ ماءٍ لا بَكِيءٍ وَلا نَزرِ


أَقولُ عَزاءً وَالجَوى يَستَفِزُّهُ


وأَعيا الأَواسي عَيَّ عَظمٍ عَلى وَقرِ


فَلَمّا أَبى إِلّا البُكاءَ رَفَدتُهُ


بِعَينَينِ كانا لِلدَموعِ عَلى قَدرِ


وَقُلتُ لَهُ رُدَّ الجُفونَ عَلى القَذى


وَخَلِّ الجَوى يَمري مِنَ الدَمعِ ما يَمري


قَسَمتُ زَفيرَ الوَجدِ بَيني وَبَينَهُ


دَواليكَ أَقريهِ اللَواعِجَ أَو يَقري


عَشِيَّةَ تَغشاني مِنَ الدَمعِ كَنَّةٌ


كَأَنِّيَ مَرهومُ الإِزارَينِ بِالقَطرِ


فَزِعتُ إِلى فَضلِ الرِداءِ مُبادِراً


تَلَقِّيَ دَمعي أَن يَنُمَّ عَلى سِرّي


كَأَنّي وَغَيداقاً طَريدا مَخافَةٍ


أَصابا دَماً في مالِكٍ وَبَني النَضرِ


نُحَلَّأُ عَن ماءِ الحُلولِ وَنَنثَني


عَلى رَصفِ أَكبادٍ أَحَرِّ مِنَ الجَمرِ


فَأَينَ بَنو أُمَّ المَكارِمِ وَالنَدى


وَآلُ الجِيادِ الغُرِّ وَالجامِلِ الدَثرِ


وَأَينَ الطَوالُ الغُلبُ كانَت سُيوفُهُم


فُرادى عَنِ الأَجفانِ لِلضَربِ وَالعَقرِ


كَأَنَّكَ تَلقى هَجمَةَ الخَطبِ مِنهُمُ


بِزَيدِ القَنا أَو بِالقَلَمَّسِ أَو عُمرو


إِذا عَدِموا أَثروا طِعاناً وَغَيرُهُم


لَئيمُ الغِنى يَومَ الغِنى عاجِزُ الفَقرِ


لَهُم كُلُّ شَهقى بِالنَجيعِ كَما رَغا


قَراسِيَةٌ رَدَّ العَجيجَ عَلى الهَدرِ


لَها رَقَصاتٌ بِالدِماءِ كَأَنَّما


تَشَقَّقُ عَن أَعرافِ أَحصِنَةٍ شُقرِ


تَلَمَّظُ تَلماظَ المَروعِ وَتَنكَفي


جَواشِنُها مِن مُظلِمِ الجالِ ذي قَعرِ


رَموا بِجِباهِ الخَيلِ مَأسَدَةَ الرَدى


وَسَدّوا بِمَربوعِ القَنا طِلَعَ الثَغرِ


وَلَم تَدرِ أَيمانُ القَوابِلِ مِنهُمُ


أَسَلَّت رِجالاً أَم ظُبى قُضُبٍ بُترِ


هُمُ اِستَفرَغوا ما كانَ في البيضِ وَالقَنا


فَلَم يَبقَ إِلّا ذو اِعوِجاجٍ وَذو كَسرِ


قِبابٌ مِنَ العَلياءِ أَعلى عِمادَها


فُحولُ الوَغى بَينَ الزَماجِرِ وَالخَطرِ


بَنوها بِأَيّامِ الطِعانِ وَما بَنَت


لِتَغلِبَ أَيّامُ الطِعانِ عَلى بَكرِ


يَعودونَ قَد رَدّوا العَظيمَةَ عَن يَدٍ


وَقَد أَغلَقوا بابَ الطُلاطِلَةِ البِكرِ


وَغَيَّرَ أَلوانَ القَنا طولُ طَعنِهِم


فَبِالحُمرِ تُدعى اليَومَ لا بِالقَنا السُمرِ


غَدَوا سَهَكى الأَيمانِ مِن صَدَءِ الظُبى


وَراحوا كِراماً طَيِّبي عُقَدِ الأُزرِ


هُمُ الحاجِبونَ العِرضَ عَن كُلِّ سُبَّةٍ


إِذا طَرَقوا وَالآذِنونَ عَلى القَدرِ


وَهُم يُنفِدونَ المالَ في أَوَّلِ الغِنى


وَيَستَأنِفونَ الصَبرَ في أَوَّلِ الصَبرِ


مَليئونَ أَن يُبدوا بِذي التاجِ ذِلَّةً


إِذا كَرُموا في طاعَةِ الجودِ ذي الطِمرِ


إِذا سُؤِلوا لَم يُتبَعوا المالَ وَجمَةً


وَلَم يَدفَعوا في صَفحَةِ الحَقِّ بِالعُذرِ


مِنَ البيضِ يَستامونَ وَالعامُ كالِحٌ


جُدوباً وَمَطّارونَ في الحِجَجِ الغُبرِ


كَأَنَّ عُفاةَ المَرءِ ذي الطَولِ مِنهُمُ


يَمُدّونَ أَوذامَ الدِلاءِ مِنَ البَحرِ


مَغاويرُ في الجُلّى مَغابيرُ لِلحِمى


مَفاريجُ لِلغُمى مَداريكُ لِلوِترِ


سِراعٌ إِلى الوِردِ الَّذي ماؤُهُ الرَدى


إِذا أُرعِدَ النِكسُ الجَبانُ بِلا قُرِّ


وَتَأخُذُهُم في ساعَةِ الجودِ هِزَّةٌ


كَما خايَلَ المِطرابُ عَن نَزوَةِ الخَمرِ


فَتَحسَبُهُم فيها نَشاوى مِنَ الغِنى


وَهُم في جَلابيبِ الخَصاصَةِ وَالفَقرِ


عَظيمٌ عَليهِم أَن يَبيتوا بِلا يَدٍ


وَهَينٌ عَليهِم أَن يَفيئوا بِلا وَفرِ


إِذا نَزَلَ الحَيَّ الغَريبُ تَقارَعوا


عَلَيهِ فَلَم يَدرِ المُقِلَّ مِنَ المُثري


يَميلونَ في شِقِ الوَفاءِ مَعَ الرَدى


إِذا كانَ مَحبوبَ البَقاءِ مَعَ الغَدرِ


حَواقِلَةٌ مِثلُ الصَقورِ وَفِتيَةٌ


إِذا ماحَناني طارِقٌ دَعَموا ظَهري


وَما لَطَموا عَن غايَةِ المَجدِ جَبهَتي


بَلى خَلَعوا عَنّي لِإِدراكِها عُذري


تَوارِكُ لي في حالِ يُسري فَإِن رَأَوا


دُنُوُّي مِنَ الإِملاقِ جاءَ بِهِم عُسري


إِذا أَوهَنَت عَظمي اللَيالي وَجَدتُهُم


بِأَيدي النَدى وَالطَعنِ قَد جَبَروا كَسري


هُمُ أَنهَضوني بَعدَ ما قيلَ لا لَعاً


وَهُم أَغرَموا الأَيّامَ لي ما جَنى عَثري


كَفَوني وَما اِستَكفَيتُهُم مِن ضَراعَةٍ


تَرافُدَ أَيدي الأَبعَدينَ عَلى نَصري


تَرى كُلَّ ذَيّالِ العِطافِ كَأَنَّما


تَفَرَّجَ مِنهُ اللَيلُ عَن قَمَرٍ بَدرِ


لَهُ رائِدٌ يَلقاكَ مِن قَبلِ شَخصِهِ


جَلالاً كَما دَلَّ الضِياءُ عَلى الفَجرِ


يُصَدَّعُ عَنهُ الناظِرونَ كَأَنَّما


يَرَونَ بِهِ ذا لِبدَتَينِ أَبا أَجرِ


لَهُ عَبَقٌ يُغنيهِ عَن طيبِ عِرضِهِ


سُطوعاً مِنَ البانِ المَدينِيِّ وَالعِطرِ


لَقَد أولَعَ المَوتُ الزُؤامُ بِجَمعِهِم


كَأَنَّ الرَدى فيهِم تَحَلَّلَ مِن نَذرِ


وَرَوا كَبِدي في آخِرِ الدَهرِ لَوعَةً


بِما بَرَّدوا قَلبي عَلى أَوَّلِ الدَهرِ


مَضوا فَكَأَنَّ الحَيَّ فَرعُ أَراكَةٍ


عَلى إِثرِهِم عُرّي مِنَ الوَرَقِ النَضرِ


وَأَصبَحَ وِردُ الدَمعِ لِلعَينِ بَعدَهُم


عَلى الغِبِّ إِذ وِردُ الفِراءِ عَلى العَشرِ


وَما تَرَكوا عِندَ الرِماحِ بَقِيَّةً


لِهَزٍّ إِلى يَومِ العَماسِ وَلا جَرِّ


نَبَذتُهُمُ نَبذَ الإِداوَةِ لَم تَدَع


مِنَ الماءِ ما يُعدي عَلى غُلَّةِ الصَدرِ


بَقيتُ مُعَنّىً بِالبَقاءِ خِلافَهُم


وَما بَينَنا إِلّا قُدَيديمَةُ السَفرِ


وَأَغدوا عَلى آثارِهِم وَوَدادَتي


لَوَ أَنَّهُمُ الغادونَ بَعدي عَلى إِثري


وَفي الحَيَّ بَيتي خالِفاً وَكَأَنَّني


مِنَ الوَجدِ يوري بَينَ أَقبُرِهِم قَبري


كَأَنِّيَ مَغلوبٌ عَلى نَصلِ سَيفِهِ


أَقامَ بِلا نابٍ يَروعُ وَلا ظُفرِ


فَما أَتَلافى الغَمضَ إِلّا عَلى قَذىً


وَلا أَتَناسى الوَجدَ إِلّا عَلى ذِكرِ


وَقالوا اِصطَبِر لِلخَطبِ هَيهاتَ إِذ مَضى


مُقَوِّمُ دَرئي وَالمُعينُ عَلى دَهري

الشريف الرضي

محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن. شاعر وفقيه ولد في بغداد وتوفي فيها.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024