أفي مستهلات الدموع السوافح

ديوان البحتري

أَفي مُستَهِلّاتِ الدُموعِ السَوافِحِ

إِذا جُدنَ بُرءٌ مِن جَوىً في الجَوىًنِحِ

لَعَمرِيَ قَد بَقّى وَصَيفٌ بِهُلكِهِ

عَقابيلَ سَقمٍ لِلقُلوبِ الصَحائِحِ

أَسىً مُبرِحٌ بَزَّ العُيونَ دُموعَها

لِمَثوى مُقيمٍ في الثَرى غَيرُ بارِحِ

فَيالَكَ مِن حَزمٍ وَعَزمٍ طَواهُما

جَديدُ الرَدى تَحتَ الثَرى وَالصَفائِحِ

أَساءَكَ مِن شَيخِ المَوالي نُزولَهُ

بِمَنزِلِ داني مَوضِعِ الدارِ نازِحِ

إِذا جَدَّ ناعيهِ تَوَهَّمتَ أَنَّهُ

يُكَرِّرُ مِن أَخبارِهِ قَولَ مازِحِ

وَما كُنتُ أَخشى أَن يُرامَ مَكانُهُ

بِشَيءٍ سِوى لَحظِ العُيونِ الطَوامِحِ

وَلَو أَنَّهُ خافَ الظُلامَةَ لَاِعتَزى

إِلى عُصَبٍ غُلبِ الرِقابِ جَحاجِحِ

فَيا لَضَلالِ الرَأيِ كَيفَ أَرادَهُ

أَحِبّاؤُهُ بِالمُعضِلاتِ الجَوائِحِ

تَغَيَّبَ أَهلُ النَصرِ عَنهُ وَأُحضِرَت

سَفاهَةُ مَضعوفٍ وَتَكثيرُ كاشِحِ

فَأَلّا نَهاهُم عَن تَوَرُّدِ نَفسِهِ

تَقَلُّبُ غادٍ في رِضاهُم وَرائِحِ

وَأَلّا أَعَدّوا بَأسَهُ وَانتِقامَهُ

لِكَبشِ العَدُوِّ المُستَميتِ المُناطِحِ

قَتيلٌ يَعُمُّ المُسلِمينَ مُصابُهُ

وَإِن خَصَّ مِن قُربٍ قُرَيشَ الأَباطِحِ

تَوَلّى بِعَزمٍ لِلخِلافَةِ ناصِرِ

كَلوءٍ وَصَدرٍ لِلخَليفَةِ ناصِحِ

وَكانَ لِتَقويمِ الأُمورِ إِذا التَوَت

عَلَيهِ وَتَدبيرِ الحُروبِ اللَواقِحِ

إِذا ما جَرَوا في حَلبَةِ الرَأيِ بَرَّزَت

تَجاريبُ مَعروفٍ لَهُ السَبقُ قارِحِ

سَقى عَهدَهُ في كُلِّ مُمساً وَمُصبَحٍ

دَراكُ الغُيومِ الغادِياتِ الرَوائِحِ

تَعَزَّ أَميرَ المُؤمِنينَ فَإِنَّها

مُلِمّاتُ أَحداثِ الزَمانِ الفَوادِحِ

لَئِن عَلِقَت مَولاكَ صُبحاً فَبَعدَما

أَقامَت عَلى الأَقوامِ حَسرى النَوائِحِ

مَضى غَيرَ مَذمومٍ فَأَصبَحَ ذِكرُهُ

حُلِيَّ القَوافي بَينَ راثٍ وَمادِحِ

فَلَم أَرَ مَفقوداً لَهُ مِثلُ رُزئِهِ

وَلا خَلَفاً مِن مِثلِهِ مِثلَ صالِحِ

وَقورٌ تُعانيهِ الأُمورُ فَتَنجَلي

غَيايَتُها عَن وازِنِ الحِلمِ راجِحِ

رَمَيتَ بِهِ أُفقَ الشَآمَ وَإِنَّما

رَمَيتَ بِنَجمٍ في الدُجَنَّةِ لائِحِ

إِذا اختَلَفَت سُبلُ الرِجالِ وَجَدتَهُ

مُقيماً عَلى نَهجٍ مِنَ القَولِ واضِحِ

سَيُرضيكَ هَدياً في الأُمورِ وَسيرَةً

وَيَكفيكَ شَغبَ الأَبلَخِ المُتَجانِحِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات