Skip to main content
search

أَرَكائِبَ الأَحبابِ إِنَّ الأَدمُعا

تَطِسُ الخُدُودَ كَما تَطِسنَ اليَرمَعا

فَاِعرِفنَ مَن حَمَلَت عَلَيكُنَّ النَوى

وَاِمشينَ هَوناً في الأَزِمَّةِ خُضَّعا

قَد كانَ يَمنَعُني الحَياءُ مِنَ البُكا

فَاليَومَ يَمنَعُهُ البُكا أَن يَمنَعا

حَتّى كَأَنَّ لِكُلِّ عَظمٍ رَنَّةً

في جِلدِهِ وَلِكُلِّ عِرقٍ مَدمَعا

وَكَفى بِمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً

لِمُحِبِّهِ وَبِمَصرَعي ذا مَصرَعا

سَفَرَت وَبَرقَعَها الفِراقُ بِصُفرَةٍ

سَتَرَت مَحاجِرَها وَلَم تَكُ بُرقُعا

فَكَأَنَّها وَالدَمعُ يَقطُرُ فَوقَها

ذَهَبٌ بِسِمطى لُؤلُؤٍ قَد رُصِّعا

كَشَفَت ثَلاثَ ذَوائِبٍ مِن شَعرِها

في لَيلَةٍ فَأَرَت لَيالِيَ أَربَعا

وَاِستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِها

فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعا

رُدّي الوِصالَ سَقى طُلولَكِ عارِضٌ

لَو كانَ وَصلُكِ مِثلَهُ ما أَقشَعا

زَجَلٌ يُريكِ الجَوَّ ناراً وَالمَلا

كَالبَحرِ وَالتَلَعاتِ رَوضاً مُمرِعا

كَبَنانِ عَبدِ الواحِدِ الغَدَقِ الَّذي

أَروى وَآمَنَ مَن يَشاءُ وَأَفزَعا

أَلِفَ المُروءَةَ مُذ نَشا فَكَأَنَّهُ

سُقِيَ اللِبانَ بِها صَبِيّاً مُرضَعا

نُظِمَت مَواهِبُهُ عَلَيهِ تَمائِما

فَاِعتادَها فَإِذا سَقَطنَ تَفَزَّعا

تَرَكَ الصَنائِعَ كَالقَواطِعِ بارِقا

تٍ وَالمَعالِيَ كَالعَوالِيَ شُرَّعا

مُتَبَسِّماً لِعُفاتِهِ عَن واضِحٍ

تَغشى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُمَّعا

مُتَكَشِّفاً لِعُداتِهِ عَن سَطوَةٍ

لَو حَكَّ مَنكِبُها السَماءَ لَزَعزَعا

الحازِمَ اليَقِظَ الأَغَرَّ العالِمَ ال

فَطِنَ الأَلَدَّ الأَريَحِيَّ الأَروَعا

الكاتِبَ اللَبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ ال

نَدُسَ اللَبيبَ الهِبرِزِيَّ المِصقَعا

نَفسٌ لَها خُلُقُ الزَمانِ لِأَنَّهُ

مُفني النُفوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمَّعا

وَيَدٌ لَها كَرَمُ الغَمامِ لِأَنَّهُ

يَسقي العِمارَةَ وَالمَكانَ البَلقَعا

أَبَداً يُصَدِّعُ شَعبَ وَفرٍ وافِرِ

وَيَلُمُّ شَعبَ مَكارِمٍ مُتَصَدِّعا

يَهتَزُّ لِلجَدوى اِهتِزازَ مُهَنَّدٍ

يَومَ الرَجاءِ هَزَزتَهُ يَومَ الوَعى

يا مُغنِياً أَمَلَ الفَقيرِ لِقائُهُ

وَدُعائُهُ بَعدَ الصَلاةِ إِذا دَعا

أَقصِر وَلَستَ بِمُقسِرٍ جُزتَ المَدى

وَبَلَغتَ حَيثُ النَجمُ تَحتَكَ فَاِربَعا

وَحَلَلتَ مِن شَرَفِ الفَعالِ مَواضِعاً

لَم يَحلُلِ الثَقَلانِ مِنها مَوضِعا

وَحَوَيتَ فَضلَهُما وَما طَمِعَ اِمرُؤٌ

فيهِ وَلا طَمِعَ اِمرُؤٌ أَن يَطمَعا

نَفَذَ القَضاءُ بِما أَرَدتَ كَأَنَّهُ

لَكَ كُلَّما أَزمَعتَ شَيئاً أَزمَعا

وَأَطاعَكَ الدَهرُ العَصِيُّ كَأَنَّهُ

عَبدٌ إِذا نادَيتَ لَبّى مُسرِعا

أَكَلَت مَفاخِرُكَ المَفاخِرَ وَاِنثَنَت

عَن شَأوِهِنَّ مَطِيُّ وَصفي ظُلَّعا

وَجَرَينَ مَجرى الشَمسِ في أَفلاكِها

فَقَطَعنَ مَغرِبَها وَجُزنَ المَطلَعا

لَو نيطَتِ الدُنيا بِأُخرى مِثلِها

لَعَمَمنَها وَخَشينَ أَن لا تَقنَعا

فَمَتى يُكَذَّبُ مُدَّعٍ لَكَ فَوقَ ذا

وَاللَهُ يَشهَدُ أَنَّ حَقّاً ما اِدَّعى

وَمَتى يُؤَدّي شَرحَ حالِكَ ناطِقٌ

حَفِظَ القَليلَ النَزرَ مِمّا ضَيَّعا

إِن كانَ لا يُدعى الفَتى إِلّا كَذا

رَجُلاً فَسَمِّ الناسَ طُرّاً إِصبَعا

إِن كانَ لا يَسعى لِجودٍ ماجِدٌ

إِلّا كَذا فَالغَيثُ أَبخَلُ مَن سَعى

قَد خَلَّفَ العَبّاسُ غُرَّتَكَ اِبنَهُ

مَرأىً لَنا وَإِلى القِيامَةِ مَسمَعا

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024