أَطَلُّـــــوا كَمَا الْأَقْمَــــــارِ لَيْلًا وَهَذَّبُوا
مَشَاعِرَهُمْ فَـانْدَاحَ فِي الْأُفُقِ كَوْكَبُ
مَشَوا فِي بِسَاطِ الْحَقِّ قَالُوا لِطِينِهِمْ
بِلَا وَجَــــــلٍ فِي الْيَمِّ إِنَّا سَنَذْهَـــــبُ
لَهُـــمْ قَبَسُ التَّقْـوَى يُنِيرُ سَبِيلَهُـــــمْ
وَمِنْ كُـــلِّ أَنْوَاعِ التَّسَابِيحِ مُرْكَــــبٌ
فَقَبْلَ اضْطِرَابِ الْمَـوْجِ تَابُوتُهُمْ ثَوَى
بِهِمْ فِي صَحَارِي الْغَيْبِ وَالْغَيْبُ يُرْعِبُ
فَمَا أَوْجَسُوا فِي النَّفْسِ خَوْفًا لِأَنَّهُمْ
رَأَوْا فِي مَرَايَا الْحَدْسِ مَا لَا يُكَـــذَّبُ
تَوَارَوْا وَرَاءَ الشَّمْسِ حِيناً وَطَيَّـــرُوا
فَـرَاشَاتِهِـــــمْ لِلْبَـــــوحِ ثُــمَّ تَأَهَّبُـــوا
ثَوَوا فِي مَقَـــامِ النُّورِ قَالُوا لِهُدْهُــدِ
الْمَسَافَـــــاتِ إِنَّا سَوْفَ نَعْلُو وَنَرْكَبُ
وَنَمْلِكُ هَــذَا الْكَـــــوْنَ مِنْ بَعْدِ تِيهِنَا
لِنَسْكُنَ فِي الْبَهْوِ الَّذِي لَا يُحْــــــدَّبُ
أَتَوْا قَــــبْلَ إِغْــــلَاقِ النُّبُوءَاتِ بَابَهَا
فَخُــصَّ لَهُـــمْ فِيهَا مقامٌ ومنصــبُ
أَنَاخُـــوا وَمَـــــاهُمْ بِالْمَنِيخِينَ دَائِمًا
سِــــوَى أَنَّ مَأْوَاهُمْ هُنَالِكَ أَقْـــــرَبُ
وَلَـــمْ يَكْشِفُوا لِلصَّـــرْحِ سَاقًا تَكَرُّمًا
بِأَسْمَـــائِهِــــمْ كُـــــلُّ الْجِـــبَالِ تَأَوِّبُ
خِفَافٌ كَظِلِّ الرِّيحِ يَمْشُونَ فِي الثَّرَى
وَأَصْوَاتُهُمْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ تَصْخَـبُ
يَرْشُّونَ حَقْلَ الرُّوحِ مِنْ فَيْضِ حُبِّهِمْ
فَيَخْضَـــرُّ هَذَا الزَّرْعُ حُبًّا وَيَخْصَـبُ
يُعِيدُونَ لِلْأَجْسَــــادِ أَرْوَاحَهَا كَمَـــــا
يُعَـــــــادُ لِلَيْلَاهُ الْعَشِيقُ الْمُعَـــــــذَّبُ
وَيُدْنُونَ غَيْمَ الْحَبِّ مِنْ كُــلِّ مَوْطِنٍ
لِيَظْهَرَ فِي الصَّحْرَاءِ عُشْبٌ وَمَشْرَبٌ
إِذَا كَــــانَ وَحْــيُ الشَّعْرِ جِنٌّ تَسُوقُهُ
فَجِنِّيُهُمْ قُلْ: مِنْ أُولِي الْعَزْمِ يُحْسَبُ
لَهُـــــمْ سِــــرُّ تَابُوتِ الْكَلِيمِ دِرَايَـــــة
وَأَيُّوبُهُمْ مِنْ وَاحَــــــةِ الصَّبْرِ يَشْرَبُ
تَأَصَّـــــلَ فِيهِـــمْ سَنْدِبَادٌ مُقَــــــدَّسٌ
فَمَـــــا وَطِــــئُوا شُهـــبًا وَإِلَّا تَشَعَّبُوا
مَــــلَائِكَةٌ سَـــــارُوا تَظَلُّلَ رَكْـــــبُهُـمْ
سَحَـــــابَةُ حُسْــــنٍ ظِلُّهَا لَا يُشَــذَّبُ
فَقَطَّعْــــنَ أَيْدِيهُنَّ فِي الدَّرْبِ نِسْوَةٌ
رَأَيْنَ بِهِـــــمْ نُورًا يَلُوحُ وَيَجْــــــذِبُ
وَجَاءُوا عُصَاةُ الْأَمْسِ يَخْطُونَ خَطْوَهُمْ
بِهِمْ فِي مَجَـــــرَّاتِ الْحَقِيقَةِ رَحَّبُوا
هُـمُ هَكَذَا مَــرُّوا وَقَالُــــوا لِقَوْمِهِــمْ
جِهَـــارًا وَتَارِيخُ الْبُطُــــولَاتِ يَكْتَبُ
سَنَحَرِقُ شَمْعَ الرُّوحِ فِي الْغَيْبِ كَيْ نَرَى
حُقُولًا مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي لَيْسَ يَنْضَبُ
إِلَى أَنْ نَرَى مِنْكُـــمْ وُلَاةً لِعَدْلِهِــــمْ
تُغَنِي نِسَاءُ الْأَرْضِ شِعْرًا وَتَطْــــرَبُ:
أَلَا فَـانْثُرُوا لِلطَّيْرِ قَمْحــــاً تَكَرُّمــــاً
لِكَيْ لَا يُرَى طَيْرٌ يَجُــــوعُ وَيَتْعَـبُ
لَقَــــدْ جَمَعُوا كُـــلَّ الْمَعَانِي بِكَفِّهِـمْ
فَمَا لَاحَ فِي هَذِي الْقَوَامِيسِ “مَكْسَبُ”
مَكَاسِبُهُــــمْ نُورٌ يَلُــوحُ شُعَـــــــاؤُهُ
إذا هَطَلَ الدَّيْجُورُ وَالْكُـــــلُّ يَرْقُبُ
فَهَذَا اخْتِبَارُ الدَّهْرِ يُجْرِيهِ لِلْــــوَرَى
فَمَنْ يَكْسَبُ الْحُسْنَى وَمَنْ ذَا سَيَرْسَبُ
أُولَئِكَ هُمْ شَمْــــــعٌ يَذُوِّبُ نَفْسَــــهُ
لِيَمْــــلَأَ هَذَا الْكَوْنَ سِلْــــمٌ مُـــرَتَّبٌ
عَفِيفُونَ هُمْ أَهْلُ الْفَصَاحَةِ رِفْعَـــة
بَرِيئُونَ مِنْ فَوْضَى الْحَوَاسِ تَجَنَّبُوا
فَهِمْ آيَةِ الْإِبْدَاعِ فِي كُـــلِّ مَوْطِــنٍ
إِلَى جُهْدِهِمْ كُــــلُّ الْبِشَارَاتِ تُنْسَبُ
إبراهيم عبدالكريم محمد /تشاد
