فراشة على فراش نورة

فراشة على فراش نورة - عالم الأدب

أنعم الله علينا بنعمة عظيمة ألا وهي الأم، وما أدراك ما الأم! لقد أوصانا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ببرها لما تتحمله من مشقة وتعب وعناء في تربية الأبناء خير بناء. فعن أبي هريرة – رضي- الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال أبوك.

في يوم من الأيام، حطت فراشة على وسادة فراش نورة. كانت نورة مرهقة جداً في الليلة الماضية. فما أن فتحت عينيها الواسعتين، تفاجأت نورة بزيارة لتلك الفراشة باهية الألوان. فدار حوار معها فقالت لها: والله ما أبدع هذه الألوان إلا رب كل الأكوان! أجئت لتوقظيني من سباتي العميق من بعد تعب وضيق؟! والله إنكَ لنعم الصديق. لقد فرحت بما أرسلتَ لي من جمال خلقك وبديع صنعك! ما إن حطت تلك الفراشة باهية الألوان على وسادتي بعد يومٍ مثقل بعناء ومرض ليس له دواء إلا بالدعاء وتوكل كامل على رب السماء الذي أنزل الداء والدواء وجعل شرب الماء من أسباب الشفاء.

لقد كان ذلك الصباح مفعماً بالتفاؤل والسعادة لحظة رؤيتي لتلك الفراشة الجميلة التي زارتني بلا دعوة لكني لبيت تلك الدعوة فرحبت بها أشد الترحيب. رافقتني تلك الفراشة حين نهضت من الفراش وأينما ذهبت فقلت لنفسي: ما بال تلك الفراشة؟

لقد أعلنت أنك يا فراشتي أصبحت الآن صديقتي وإلى درب المدرسة رفيقتي علماً بأن ليس لي أصدقاء. بعدها، ارتديت ثياب المدرسة وجلبت معي وجبة الإفطار وتوجهت لباب بيتنا فإذا بأمي تناديني وتقول: توقفي يا نورة! أين فراشتك؟! لقد صعقت من سؤال أمي فكيف بها أن تعرف بأن فراشة ما قد حطت على وسادة فراشي وهي لم تكن متواجدة معي آنذاك! فسألتها: ما أدراك يا أمي؟ فأجابت: لقد بلغ فيك الهم عنان السماء ليلة أمس فقد لاحظت أنك مثقلة بالهموم والأعباء الناتجة من تحصيلك الدراسي وإضافةً إلى ذلك، ندرة صداقاتك في المدرسة إلا من رحم ربي. فذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ وما إن أتممت الوضوء إلا وفرشت سجادتي لأصلي صلاة القيام فما إن وضعت رأسي على موضع السجود إلا ودعوت الله لك وإليه وحده اللجوء. 

في الحقيقة أنا من أحضر لك تلك الفراشة زاهية الألوان قد وجدتها آنفاً عصر أمس في الحديقة المجاورة لبيتنا. فرجعت إلى البيت وكنتِ وقتها مشغولة في أداء واجباتك المدرسية فأخذت علبة زجاجية لأصيد الفراشة باهية الألوان. فرجعت إلى الحديقة وإذا بالفراشة قد اختفت! فشعرت بالإحباط قليلاً. فما إن فتحت باب سيارتي وجلست في المقعد، وإذا بالفراشة ترفرف بأجنحتها قربي! فأخذت العلبة بعجالة وحبستها في العلبة الزجاجية. فبعد انتهائي من أداء صلاة القيام، أديت صلاة الفجر وتوجهت إلى غرفتك فوجدتك غارقة في نومٍ عميقٍ سرمدي. ففتحت غطاء العلبة وأطلقتها فأصبحت ترفرف بأجنحتها المتناسقة الألوان بحرية كاملة! اندهشت نورة من حوار أمها لها. فقالت نورة لأمها: أمي … من الآن فصاعداً أنت جلُّ همي ومبلغ علمي لعلي بحقك أوفي عهد قطعته مع ربي بأن أحوز رضا ربي ببري لك.

أسأل الله أن يغفر لجميع أمهاتنا ويرحمهن برحمته الواسعة ويسكنهن فسيح جناته الذين وافتهن المنية أو اللاتي ما زالوا على قيد الحياة.

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات