Skip to main content
search

برقة إمارة مستقلة ظهرت باعلان إدريس السنوسي انفصاله عن باقي البلدان العربية في 1 مارس 1949. يروى إنتماؤه لاعوان الردة في عهد الفتنة بخلافة أبي بكر الصديق، و ذلك حين رفض دفع الزكاة بعد إعلان تشريعها بالدولة الاسلامية،  فأخذ اتباعه و عسكر بها، ثم كون كتلة من المحاربين الأشاوس بالمناطق المجاورة، و كان يجمع الصفوف واحدا تلو الآخر لغرض الانتقام من أبو محمد الحاموي، من نسل نوح عليهما صلاة الله و أزكى التسليم.

بعد مرور فترة تقارب الحولين الكاملين، رزق إبنا بهي الطلعة يدعى خليفة الحكم بن أبي العاص، الذي كني بالصادق الورتلاني نسبة لأمه  آمنة بنت حازم بوجمعة السويداني من الناحية الرابعة للمرابطين بنواحي المدينة المنورة.

لما شب الفتى بديار أعمامه بدير شرقي سوريا، تلقى رسالة مختومة من قبل شيخ الطريقة الظاهرية عبد القيس المتواجدة في البحرين، يدعوه فيها للتمرد عن المسلمين و منع الزكاة، بحجة أن الجيش الثامن و التاسع الذي أرسل لقتال ذي التاج في عمان قد أنهك لمصرعيه، و ما صار قادرا على تحمل المزيد من الطعنات من الكفار المتعقبين لفرقه  المحاصرين حصارا شديدا هنالك، لذا إن وافق على عدم تسليمها للخليفة بمكة نعمة بها، و في موسم الحج القادم إن شاء الله، سيراجع هذه الاتاوات و سيرد ما نقص منها بطبيعة الحال.

عند قراءة الرسالة المبعوثة ابدى امتعاظه و غضبه لما كتب فيها، فبعث له مرسولا يدعى عبد الله ابن سعد الهلالي ينهره فيها و يطالبه بارسالها معه، و إلا سيقاتله لانكاره وجوبها.

لوصوله عنده، سلم عليه تحية الاسلام ثم طرح الكتاب و انتظر أن يوافق على ما أمر الخليفة بدار الخلافة المكية، لكن أحجم عنها و ثار غضبا و سجنه بدهليز قاتم ، بعدها أرسل خطابا آخر يطالبه بدفع فدية لاخلاء سبيل المرسول الأول.

سكت عن المسأله مدة جاوزت الشهرين، حتى احتار المرتد عن دينه و ظن أنه قد أباح دم مرسوله بعد تماطله عن بعث فدية مقابل تحرير رقبته، فأرسل إليه مكتوبا ثان يهدده بشق رأسه إذا لم يرسل طلبه منه، و كانت نوقا تعادل 800 واحدة عدا. تجىء مواليه، ثم ينظر في قضية دفع الزكاة في الموسم المقبل إن شاء الله تعالى.

عندها، تأكد الأمير الشاب أن الرجل يعاند في دفعها و لم يترك  مجالا سوى حد السيف؟! فجمع المحاربين و سار بهم نحوه، و لما أحس الأخير بدنو ساعة الحسم، أراد هو كذلك جمع اعوانه للاستعداد للمعركة المصيرية و الاصرار عن عدم اتيان ما يستوجب عليه من زكاة الحول. استطاع لم بعضا من العصاة، ممن كانوا لا يركعون و لا يصومون و لا يتصدقون للمعوزين، و اغلبيتهم يرتادون نوادي أبي جهل التي انتشرت بكل القبائل العربية و التي أخفت كفرها و لا زالت تكن العداء لبيت النبوة.

تجهز الجيشان للعراك، لولا أن ابطأت بسبب هيجان الرمال و تكون زوابع رملية خطيرة بساحة الوغى، مما اضطرهم للانسحاب بخيامهم مدة ثلاث ليال كاملة. قيل أن قائد المرتدين الوافد من طنجة، أصيب بالرعاش في الليلة الأخيرة من تلك الغزوة، حيث امثلت له الخسارة المؤكدة لحاملته، و لن يفيده الامتناع عن دفع الزكاة إلا التضحية بعناق جنوده كلهم، فنهص مرتعبا و علم أنه هالك لا محالة. 

عندها سلم للحقيقة المرة و بعث مرسولا آخر قدم له اعتذارا منيعا، و سلم الرهين المحبوس ، و هو يعض يده ندما على تلك المعركة اللعينة. و من يومها أصبحت الزكاة مفروضة فرضا قطعيا بمعظم الدول التي أشهرت اسلامها خاصة الذين انسلخوا عن المجوسية و ابتعدوا عن الوثتية و انصهروا مع الكتلةالموحدية، و انضمت للخلافة الجديدة على يد أحفاد الحكم بن العاص، أولئك الذين شاركوا بمعركة القادسية. فما قولك من هذا الحديث؟

أقول: إنها توبة العاصي و ندمه على ما فعل. يقول الله عز و جل في محكم تنزيله:«.. و يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا[27]. يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا[28]، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني و كان الشيطان للانسان خذولا[29]» الفرقان.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024