بُردة فاطمة رضي الله عنها

غنى القريضُ بصوتٍ سامر النغمِ

مُرَجّعاً أعذبَ الألحان بالرَنمِ

وللبيان صَدىً يُشْجي مَسامعَنا

يكادُ يُسْمعُ مَن عانى مِن الصَمَم

ناهيكَ عن طرب البديع ، رونقُه

يُزيلُ ما في سُوَيدا القلب مِن سأم

وللإبانة ترجيعاتُ مُبتهل

قد حبّرَ النصَ في شوق وفي نهم

وللفصيح بساح الشعر عَذبُ شدىً

يفوحُ بالمسك مِن أزهاره الفغم

وللأغاريد في الألفاظ بعضُ غِنا

تُغْني طلاوتُه عن وافر النغم

والهمسُ يُرسلُ للإيقاع هينمة

وقد يُرددُها شاكٍ من البَكَم

وللقصيدة قطفٌ من بلاغتها

تَسبي حِجا الذائق المستبصر الفَهِم

وللبسيط ترانيمٌ تليقُ بهِ

إيقاعُه ضاق بالقرطاس والقلم

حتى نقدّمَ للزهراء بُردتَها

في حُلةٍ صُبغت بالورس والعَنم

نُجلُ قدْرَكِ يا زهراء عن رغب

فإن قدرك سام بالغ العِظم

ولا نخصك بالألقاب بالغة

جو السما عَفة السيماء في شَمَم

ولا نسوقُ لكِ الألقابَ لامعة

يكفيك أنكِ بنتُ (المصطفى الهشم)

كَمُلتِ خَلقاً وخُلقاً يا أميرَتنا

أبوكِ أشرفُ من سعى على قدم

زهراءُ أنتِ بكِ الأوصافُ ساطعة

كالشمس تَذهبُ بالظلام والغسم

مكية أصلها سام ومَحْتِدُها

بين الخصوص زكتْ في الأصل والعَمَم

ومن قريش فذي أرجى النسا نسباً

بالخير قد عُرفتْ في كل مصطدم

من آل هاشمَ مَن في الناس يُشْبههم

تسنموا المجدَ في الأعراب والعجم

أسمى الفخار لإسماعيل نسبتها

هذا انتسابٌ سما في قدْره السنم

والأم في طهرها والمجد واحدة

تفرّدتْ وحدها في الكُمّل العُصُم

(خديجة) الخير نورٌ في غياهبنا

عظيمة العز والأوصاف والسِيَم

فمن تُضارعُ في الأمجاد (فاطمة)

وإن سِيرتها جلتْ عن التُهُم

قصيدتي عنكِ تُشجيني وتمنحُني

وسامَ فخر رفيعَ القدر والسِيم

(ابنُ السليمان) يدنو منكِ سيدتي

مستلهماً دُررَ العلوم والقيم

فناوليه من الأخبار أصدقها

ومن حديث أبيك الخاشع الحَشِم

وعلمينا الذي عُلمتِ من رشدٍ

فمن تفقهَ في الإسلام يستقم

أحبكِ (المصطفى) محبة عظمتْ

فليس ينعتُها سيلٌ من الكلم

وعشتِ سيدة يعز سؤدَدُها

وإن تكنْ ظهرتْ في سالف الأمم

وجاء (صِدّيقُنا) للمصطفى عَجِلاً

يريدُ خِطبة ذاتِ الحُسن والرَحِم

هو ابنُ عم إذا عُدنا لنسبتهِ

أكرمْ بشهمٍ من الأصحاب محترم!

وجاء (فاروقنا) لِمَا (العتيقُ) أتى

كلٌ يريدُ جوارَ المصطفى الهشِم

فردَ كلاً ، ولم يذكرْ مُبررَهُ

وإن كلاً لذو رأي وذو فُهُم

كذا (عليٌ) أتى يوماً ليخطِبها

بنص قول مِن الغموض مُنعجم

ورغم بُلغتهِ أوْما بطِلبته

فوافقَ المصطفى بالسيد العَلَم

وقال: أين الصداقُ الشرعُ يفرضهُ

فكان أصدقها بدرعه الحُطمي!

كان البناءُ بها بعد انتها (أحُدٍ)

طابَ البناءُ على مِنهاجه اللقِم

لا رقصَ ، لا عُريَ ، لا استهتارَ ، لا فِرَقاً

ولا اختلاطاً ، ولا شيئاً من النغم!

لكنهُ العُرسُ قد جلتْ مباهجُهُ

عن أن تُخالفَ شرعَ الواحد الحكم

وعشتِ زوجاً تحبُ الزوج طيعة

ومن تُطعْ زوجَها تفز وتغتنم

فكم عجنتِ عجيناً دونما نصب!

وكم خدمتِ عيالكِ أعظمَ الخِدَم!

وكم غسلتِ ثياباً غسلَ مُتقنةٍ!

وكم طبختِ ، فطارت ألسنُ الأيُم!

وكم كنستِ فناءَ الدار دون عنا

حسنُ التبعل يُبلي السِتَ بالسقم

وليس في الدار يا زهراءُ خادمة

وكم بيوتٍ شكتْ جرائمَ الخَدم!

لكنْ مُحالٌ دوام الحال ، نحن هنا

للابتلاء ، ومَن يأباه ينقصم

لذاك جئتِ رسولَ الله شاكية

مِن التكاليف تُبلِي الجسمَ بالألم

ترجين مَن يخدمُ العيالَ ، خدمتُهم

أمست تُصيبُكِ بالهُزال والوَصَم

فقال: ذكرُكِ رب الناس منقبة

تُغنيكِ عن خدمة الأناس كلهم

فكبّري ربك الرحيم في وجل

وسبّحي تحصدي جلائلَ النعم

ثم احمدي الله أن أصبحتِ مسلمة

هل نعمة في الدنا كنعمة السلم؟

وهللي واتقي وحوقلي أبداً

وحولقي ، واشكري لله في نهم

يكفيكِ ربكِ ما تشكين من تعب

ومَن تُردْ فرجاً بالله تعتصم

فعُدتِ للدار ، والأذكارُ تُتْحفها

ومَن تُردْ سعة بالذكر تلتزم

وبعد حين رأى (عليُ) رؤيته

أراد أخرى على الإيمان والسلم

يريد (عَمْراً) له صِهراً بلا وجل

من أن يَصيبَكِ يا زهراءُ بالسدم

هل بنتُ (عَمْر) لها صِيتٌ ومَكرُمة

تفوقُ (فاطمة) أيا ذوي الحُلُم؟

هل بنتُ (عَمْر) لها حُسنٌ تدِل به

كحُسْن (فاطمةٍ) أيا ذوي الفُهُم؟

هل بنتُ (عَمْر) لها بين الورى نسبٌ

يوماً علا نسبَ (الزهراء) في النسم؟

هل بنتُ (عَمْر) لها في العِلم منزلة

تفوقُ منزلة (الزهراء) في العُصُم؟

وهل مصاهرة النبي مُشبهة

يوماً مصاهرة الأشقى (أبي الحكم)؟

أين العقولُ تعي؟ أين العيونُ ترى؟

مَن قال: إي فسفيهٌ في الورى وعمي

فقاومَ (المصطفى) غيظاً يُزلزلهُ

إذ حبُه ابنتَه في حاله التمم

وراحَ يخطبُ في الجميع خطبتهُ

بخير لفظٍ مِن البيان مُنحسم

يقول: كلا ورب الناس ما قبلتْ

نفسي! ففاطمة مني وبعضُ دمي!

يا (ابنَ أبي طالبٍ) فطلقْ ابنتنا

والصِهرُ يُلغى ، وتبقى ربقة الرَحِم

وبنتُ أعتى عباد الله ما جُمعتْ

ببنت (أحمدَ) في مَرابع الخِيَم

مَن أسعدَ الغادة (الزهراء) أسعدني

سعادة غمِرتْ بالحب والعَشَم

ومَن يكن فعل الأشياءَ تُغضِبُها

أراهُ أغضبني ، وخاب من خَصِم!

فاخترْ لنفسك يا عليُ خِيرتها

وأنت شهمٌ ، وذو رأي ، وذو حِكَم

فوفقَ الله للحُسنى (أبا حسن)

لأن في قلبه بئراً من الرُحُم

ولم يُعددْ على العصماء (فاطمةٍ)

ببنتِ (عَمْر) يُطفي شَبّة الضرم

لمّا يُطِقْ غضب (الغيْرى) ، فرق لها

إغضابُها عنده لونٌ من الجُرُم

(صديقة) أنتِ يا فضلى وسيدة

وطِيبُ أصلكِ بادٍ غيرُ مُنبهم

وعشتِ ما عشتِ في الدنيا (مباركة)

وخير (طاهرةٍ) بين النسا العُصُم

أنتِ (الزكية) فالزكاءُ صنعتُها

كم أنقذتْ فِطنة من حالكِ الإزم!

وأنتِ (أم أبيها) يا له لقباً!

يَزينُ (فاطمة) بالمظهر السنم

أنتِ (البتولُ) ، فللعبادة انقطعتْ

ومن تعشْ للهُدى في الناس تُحترم

أسماؤكِ انتظمتْ ، طوبى لمُطلقِها

دقتْ كحبات عِقدٍ غير منفصم

إن اسم (فاطمةٍ) معناه: قد مُنعتْ

سليلة العِز من دخولها الجَحَم

كان النبي – على التحقيق – ألهِمَهُ

من المليك الإله الواحد الحكم

رعيتِ شأن أب من بعد زوجته

أعني (خديجة) سِتَ العز والكرم

فكنتِ أماً وبنتاً والرفيقَ له

من بعد ما قيلَ عطف الزوج لم يدم!

عَوّضْتِهِ كل حرمان يغصُ بهِ

في عالم الثكل ، في دغاول القحم

فكنتِ خيرَ نساء الجنة ، ابتشري

يا ربة الجود والإخلاص والشيم

وكنتِ أشبهَ بالهادي محمدنا

في الشكل والسمت والأخلاق والقِيم

وكنتِ أشبه بالفضلى (خديجتنا)

وما لفاطمةٍ – في العالمين – سمي!

ومنك أبقِيَ نسلُ (المصطفى) كرماً

مِن المهيمن نسلاً غيرَ مصطلم

وكنتِ دافعتِ عن أبيكِ تكرمة

لما رفعتِ سَلا الجَزور في شَمم

طلاقَ أختيكِ قد شهدتِ باكية

على مصير يُصيب القلبَ بالنقم

وموتُ أمكِ بلوى لا يُعوّضُها

جميعُ من خلفها من أطيب الرَحم

وموتُ إخوتكِ الذكور كارثة

عانيتِ – والله – من مصائبٍ دُهُم

ويومَ هاجرتِ كانت محنة دمِعتْ

لها العيونُ بدمع جد منسجم

كف (الحُويرث) بالبعير قد مسكتْ

حتى وقعتِ على الحصباء والأكم

لو خيّرتْ كفه الشلاءُ ما قبضتْ

بكل قوتها يوماً على اللجُم

لكنه الحقدُ يغلي في قلوب غثا

والبغضُ يَخترمُ الأفواهَ كالأيُم

سقطتِ يا زهرة القلوب مُكرهة

حتى جُرحتِ أسىً يا غادة الفطم

وسال دمعكِ فوق الجرح مبتئساً

فعالج الدمعُ جرحاً ثاعباً بدم!

نقولُ ذاك لمن ظنوكِ خارقة

من كل غِر سفيهٍ جاهلٍ قزَم

يدعوكِ من دون رب الناس في كُرَب

لتكشفي عنه ما يَلقى من النقم

وآخرون لها بذلوا توسلهم

من كل كهل – بدا خِباً – ومحتلم

وآخرون لها نحروا ذبائحهم

شأنَ الألى ذبحوا للصخر والصنم

والبعضُ قالوا بأن الغيبَ تعلمُه

بها يزولُ الذي استعصى من الغمم

والبعضُ قالوا: لها التشريعُ منفتحٌ

مصراعُه فلتحلّ ما شاءتْ من الحُرُم

وللحسين الذي قالوا بفاطمةٍ

كذاك أسلافهم هبوا لسفك دم

وآل بيت رسول الله قد برئوا

من الضلال بدا مستبشعَ العِظم

نعود للغادة الشهباء (فاطمةٍ)

إذ إنها جُرحتْ في مأزق وخم

هذا (عليٌ) أتى لثأره بطلاً

من (الحُويرث) ذاك الظالم الغشم

أبدى الفروسية الرعنا على امرأةٍ

تاللهِ ما عُهدتْ في العُرْب والعجم

لذا (عليٌ) بسيف الحق بارزهُ

فحز جيدَ العتي الفاجر الغلم

ويومَ أغضبتِ في أمر (أبا حسن)

فنام في مسجد (المختار) عن أمم

وجاءه (المصطفى) يذم نومته

بكِلمةٍ أشرقتْ بهيبة الحَكَم

لبيتُ (فاطمة) خيرٌ لسيدها

مِن نومه غاضباً في الحل والحرم

وكان يبدأ (مولانا) بمنزلها

إن حل من سفر ، أو جاء من (إضَم)

كأنها سُنة باتت مؤكدة

من النبي العظيم الواصل الرحم

تاللهِ ما ظلمَ (الصِديقُ) فاطمة

كما يصورُ أهلُ الزور والغشم

ولم يضم إلى أملاكه (فدَكاً)

ولا البيوتَ ، ولا بقية الأجُم

لأنه نفذ الوصية اشتُرعتْ

وما تجاوزَ في الحقوق والقِسَم

لكنه الافترا تُلقيهِ شرذمة

كما تلوكُ الشطا قواطعُ البُهُم

قالت: ورثت النبي أم لعترته

تكون تِرْكته؟ فردّ كالحَكَم

قال النبي لنا: تصدقوا بالذي

تركتُه إذ غدا مِلكاً لذي السلم

فذيلتْ قولها بالفصل (فاطمة)

بحكمةٍ لمعتْ كساطع النُجُم

أراكَ والمصطفى أدرى بمسألةٍ

بانت لمستبصر يدري وكلِ عمي

أين التجاوز كي يُقال جرّدَها

من الحقوق أيا شراذم الغنم؟

هل ذاقتِ الفقرَ يوماً في خِلافته؟

وهل دهى عيشَها سيلٌ من العرم؟

قولوا الحقيقة يا غوغا (مسيلمة)

مَن يظلم الناس منه الله ينتقم

ملأتمُ الكونَ تزييفاً وسفسطة

ومَن يزورْ يمتْ غيظاً وينهزم

مظلومة قلتمُ (الزهراءُ) ما نصرتْ

ومَن يُزيفْ رشادَ الناس يَجترم

وزدتمُ الشعر بيتاً لا أساس له

إذ قلتمُ: ضربَ (الصديقُ) بالشكُم!

هل مدّ (صديقنا) شكيمة بيدٍ؟

وهل (أبو بكرنا) من الدماء ظمي؟

أين الدليلُ؟ وكيف العقلُ يقبلها؟

مَن غابَ برهانُه للعقل يحتكم

واللهِ لا عقل في التنظير يُسعفكم

ولا دليل أتى مِن ناطق بفم

كُفوا عن الكِذب ، إن الله مطلعٌ

وجُرحُ كِذب الخزايا غيرُ ملتئم

ويومَ جئتِ بجيدٍ فيه سلسلة

فذمّها (المصطفى) بالنص في عشم

فإذ بفاطمةٍ تبيعُها طلباً

لما تؤملُ عند الواحد الحكم

وأعتقتْ عبدَها بالمال في يدها

فسُر (أحمدُ) من أميرة (الفطم)

وقال: أنقذها المليك من سقر

والوجه مما أتته جد مبتسم

وخصكِ (المصطفى) بالسر يودعُه

لما أحس بلقيا الله ذي النعم

نعى إليكِ رحيلاً جاء موعدُه

حتى بكيتِ بُكا ثاوٍ ومنفحم

وقال: أنتِ به بالقرب لاحقة

فعاودتْ بسمة خُصتْ بخير فم

وكنتِ أوصيتِ (أسماءً) وصيتها

وللوصية أقوامٌ ذوو همم

مُغسلوكِ هما الاثنان وحدهما

(أسماءُ) ثم (عليٌ) خِيرة الرَحِم

ومِتِ يا غادة النساء إذ أجلٌ

أتى ، وذي سُنة الديان في النسَم

وأقبلتْ تنشدُ التغسيلَ (عائشة)

لكنّ (أسماءَ) ردتْها بلا ندم

قالت: ورب الورى هذي وصيتها

لا تحزني أمنا ، كلا ، ولا تهمي

جاؤوكِ بالنعش يا زهراءُ مؤتلقاً

برغم دفن جرى في حُلكة الظلم

(عليُ) و(الفضلُ) قد دفناكِ وحدهما

بدمع عين على الخدود منسجم

فداكِ أمي أيا (زهراءنا) وأبي

ما جادتِ السُحْبُ فوق الأرض بالديَم

أرضاكِ ربكِ يا (زهراءُ) ما بقيتْ

سما وأرض بذا الإصباح والغسم

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في شعر

قد يعجبك أيضاً

تعليقات