Skip to main content
search

حَلَفتُ لَهَا بِاللَهِ يَومَ التَفَرُّقِ

وَبِالوَجدِ مِن قَلبِي بِها المُتَعَلِّقِ

وَبِالعَهدِ ما البَذلُ القَليلُ بِضائِعٍ

لَدَيَّ وَلا العَهدُ القَديمُ بِمُخلِقِ

وَأَبثَثتُها شَكوى أَبانَت عَنِ الجَوى

وَدَمعاً مَتى يَشهَد بِبَثٍّ يُصَدَّقِ

وَإِنّي لَأَخشاها عَلَيَّ إِذا نَبَت

وَأَخشى عَلَيها الكاشِحينَ وَأَتَّقي

وَإِنّي وَإِن ضَنَّت عَلَيَّ بِوُدِّها

لَأَرتاحُ مِنها لِلخَيالِ المُؤَرِّقِ

يَعِزُّ عَلى الوَشينَ لَو يَعلُمونَها

لَيالٍ لَنا نَزدارُ فيها وَنَلتَقي

فَكَم غُلَّةٍ لِلشَوقِ أَطفَأتُ حَرَّها

بِطَيفٍ مَتى يَطرُق دُجى اللَيلِ يَطرُقِ

أَضُمُّ عَلَيهِ جَفنَ عَيني تَعَلُّقاً

بِهِ عِندَ إِجلاءِ النُعاسِ المُرَنِّقِ

أَجِدَّكَ ما وَصلُ الغَواني بِمُطمِعٍ

وَلا القَلبُ مِن رِقِّ الغَواني بِمُعتَقِ

وَدِتُّ بَياضَ السَيفِ يَومَ لَقينَني

مَكانَ بَياضِ الشَيبِ كانَ بِمَفرَقي

وَصَدَّ الغَواني عِندَ إيماضِ لِمَّتي

وَقَصَّرنَ عَن لَبَّيكَ ساعَةَ مَنطِقِ

إِذا شِئتَ أَلّا تَعذُلَ الدَهرَ عاشِقاً

عَلى كَمَدٍ مِن لَوعَةِ الحُبِّ فَاعشَقِ

وَكُنتُ مَتى أَبعُد مِنَ الخِلِّ أَكتَئِب

لَهُ وَمَتى أَظعَن عَنِ الدارِ أَشتَقِ

تَلَفَّتُّ مِن عُليا دِمَشقَ وَدونَنا

لِلُبنانَ هَضبٌ كَالغَمامِ المُعَلَّقِ

إِلى الحيرَةِ البَيضاءِ فَالكَرخِ بَعدَما

ذَمَمتُ مُقامي بَينَ بُصرى وَجِلِّقِ

إِلى مَعقِلى عِزّي وَداري إِقامَتي

وَقَصدِ اِلتِفاتي في الهَوى وَتَشَوُّقي

مَقاصيرُ مُلكٍ أَقبَلَت بِوُجوهِها

إِلى مَنظَرٍ مِن عَرصِ دِجلَةَ مونِقِ

كَأَنَّ الرِياضَ الحُوَّ يُكسَينَ حَولَها

أَفانينَ مِن أَفوافِ وَشيٍ مُلَفَّقِ

إِذا الريحُ هَزَّت نَورَهُنَّ تَضَوَّعَت

رَوائِحُهُ مِن فَأرِ مِسكٍ مُفَتَّقِ

كَأَنَّ القِبابُ البيضَ وَالشَمسُ طَلقَةٌ

تُضاحِكُها أَنصافُ بَيضٍ مُفَلَّقِ

وَمِن شُرُفاتٍ في السَماءِ كَأَنَّها

قَوادِمُ بيضانِ الحَمامِ المُحَلِّقِ

رِباعٌ مِنَ الفَتحِ بنِ خاقانِ لَم تَزَل

غِناً لِعَديمٍ أَو فِكاكاً لِموثَقِ

فَلا الهارِبُ اللاجي إِلَيها بِمُسلَمٍ

وَلا الطالِبُ المُمتاحُ مِنها بِمُخفِقِ

يَحُلُّ بِها خِرقٌ كَأَنَّ عَطاءَهُ

تَلاحُقُ سَيلِ الديمَةِ المُتَخَرِّقِ

تَدَفُّقُ كَفٍّ بِالسَماحَةِ ثَرَّةٍ

وَإِسفارَ وَجهٍ بِالطَلاقَةِ مُشرِقِ

تَوالَت أَياديهِ عَلى الناسِ فَاِكتَفى

بِها كُلُّ حَيٍّ مِن شَآمٍ وَمُعرِقِ

فَكَم حَقَنَت في تَغلِبِ الغُلبِ مِن دَمٍ

مُباحٍ وَأَدنَت مِن شَتيتٍ مُفَرَّقِ

وَكَم نَفَّسَت في حِمصَ عَن مُتَأَسِّفٍ

غَدا المَوتُ مِنهُ آخِذاً بِالمُخَنَّقِ

وَقَد قَطَعَت عَرضَ الأُرُندِ إِلَيهِمِ

كَتائِبُ تُزجى فَيلَقاً بَعدَ فَيلَقِ

بِهِ اِستَأنَفوا بَردَ الحَياةِ وَأَسنَدوا

إِلى ظِلِّ فَينانٍ مِنَ العَيشِ مورِقِ

فَشُكراً بَني كَهلانَ لِلمُنعِمِ الَّذي

أَتاحَ لَكُم رَأيَ الإِمامِ المُوَفَّقِ

ثَنى عَنكُمُ زَحفَ الخِلافَةِ بَعدَما

أَضاءَت بُروقُ العارِضِ المُتَأَلِّقِ

وَقَد شُهِرَت بيضُ السُيوفِ وَأُعرِضَت

صُدورُ المَذاكي مِن كُمَيتٍ وَأَبلَقِ

هُنالِكَ لَو لَم يَفتَلِتكُم حُمِلتُمُ

عَلى مِثلِ صَدرِ اللَهذَمِيِّ المُذَلَّقِ

فَلا تَكفُرُنَّ الفَتحَ آلاءَ مُنعِمٍ

نَجَوتُم بِها مِن لاحِجِ القُطرِ ضَيِّقِ

وَعودوا لَهُ بِالشُكرِ مِنكُم يَعُد لَكُم

بِسَيبِ جَوادٍ بِاللُهى مُتَدَفِّقِ

لَهُ خُلُقٌ في الجودِ لا يَستَطيعُهُ

رِجالٌ يَرومونَ العُلا بِالتَخَلُّقِ

إِذا جَهِلوا مِن أَينَ تُحتَضَرُ العُلا

دَرى كَيفَ يَسمو في ذُراها وَيَرتَقي

أَطَلَّ عَلى الأَعداءِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ

وَشارَفَهُم مِن كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ

بِبيضٍ مَتى تُشهَر عَلى القَومِ يُغلَبوا

وَخَيلٍ مَتى تُركَض إِلى النَصرِ تَسبِقِ

أُعينَ بَنو العَبّاسِ مِنهُ بِصارِمٍ

جُرازٍ وَعَزمٍ كَالشِهابِ المُحَرِّقِ

وَصَدرٍ أَمينِ الغَيبِ يُهدي إِلَيهِمِ

نَصيحَةَ حَرّانِ الجَوانِحِ مُشفِقِ

فَحَولَهُمُ مِن نُصحِهِ وَدِفاعِهِ

تَكَهَّفُ طَودٍ بِالخِلافَةِ مُحدِقِ

رَأَيتُكَ مَن يَطلُب مَحَلَّكَ يَنصَرِف

ذَميماً وَمَن يَطلُب بِسَعيِكِ يَلحَقِ

لَكَ الفَضلُ وَالنُعمى عَلَيَّ مَبينَةٌ

وَما لِيَ إِلّا وُدُّ صَدري وَمَنطِقي

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024