بحور الشعر العربي وتاريخها – البحر الطويل

بحور الشعر العربي وتاريخها - البحر الطويل - عالم الأدب

بحر الغناء العربي القديم وملك البحور كما سماه أبو العلاء المعري.

بحر الطوِيل هو من البحور المركبة التي تتكون من تفعيلتين مختلفتين تتكرر أربع مرات في كل شطر، وعدد حروفه يبلغ ثمانية وأربعين حرفا في حالة التصريع بالزيادة، أي في إذا كانت العروض والضرب من الوزن والقافية نفسها، وليس مثله بحر آخر.

وزنه:

فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ – فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ

 

تاريخ  بحر الطويل

لا يعرف على وجه الدقة من الذي سمى البحور بأسمائها، والناس تنسب ذلك إلى الخليل ابن أحمد الفراهيدي لأنها عجزت عن الوصول إلى معرفة واضع هذه الأسماء وقد وصلتنا نصوص جمة، تعود إلى عصر النبوة، وردت فيها تسميات لبعض الأبحار، من ذلك ما حكاه ابن فارس في كتابه (الصاحبي) قال:

( وأما العروض فمن الدليل عَلَى أنه كَانَ متعارفاً معلوماً اتفاقُ أهل العلم عَلَى أن المشركين، لما سمعوا القرآن قالوا أَوْ من قال منهم: “إنه شعر” فقال الوليدُ بنُ المغيرة منكراً عليهم “لقد عرضتُ مَا يقرؤه محمد عَلَى أقراء الشعر، هزجه ورجزه وكذا وكذا، فلم أرَه يشبه شيئاً من ذلك” أفيقول الوليدُ هَذَا، وهو لا يعرف بحور الشعر؟.

 

وَقَدْ زعم ناس أنّ علوماً كَانَتْ فِي القرون الأوائل والزمن المتقادم، أنها دَرسَت وجُدّدت منذ زمان قريب، وترجمت وأصلحت منقولة من لغة إِلَى لغة. وليس مَا قالوا ببعيد، وإن كَانَتْ تِلْكَ العلوم بحمد الله وحسن توفيقة مرفوضة عندنا )

والمتبع في كتب العروض أن يقدم الحديث على البحور حسب دوائرها، إذ لكل مجموعة من البحور دائرة تخصها وأولها دائرة المختلف. وتضم الطويل والمديد والبسيط وقد سمى أبو العلاء المعري هذه الدائرة دائرة المملكة وأسبغ على الطويل لقب “ملك البحور” كما قدمنا، و ضرب للدائرة مثلاً بأولاد الخليفة المهدي العباسي فجعل المديد بمنزلة إبراهيم والبسيط بمنزلة موسى الهادي والطويل بمنزلة هارون الرشيد قال في ” الصاهل والشاحج ” :

ولعل الأكاسرة و التبابعة وغيرهم من الملوك لم يقد أحد منهم جيشاً ولا ساس رعية في عدة ما قد عُمِل على وزن : ” قفا نبك ” في قديم وحديث

 

وردت هذه الملاحظات في مواطن كثيرة من “الفصول والغايات” و”رسالة الغفران” و “الصاهل والشاحج” قال في الأخير أثناء حديثه عن حذف الألف من ” علابط ” :

فاحتمل بعض الأوزان ورود أربع حركات لكثرة حروفه ، واحتمله بعضها لخفته ومهانته فأمكن أن يدخل هو وأمثاله في الوزن البسيط لأنه من ملوك الشعر وهو مع ذلك يجري مجرى الوزير للملك إذ كان هو والطويل كالملكين للشعر وهما من بعد أخوان ومثلهما مثل ابني سبأ بن يشجب وهما حمير وكهلان جعل أبوهما الملك لحمير ، وسلم إليه السيف وجعل الوزارة لكهلان وسلم إليه الترس وكلاهما من أهل بيت المملكة إلا أن الطويل أولى

بالملك من البسيط ألا ترى أنه لم يقبل “علَبَطاً ” ونحوه لأن الملوك لا تحتمل تثقيل العامة واحتمله البسيط لأنه وزير الملك ، والوزراء واجب عليهم حمل الأثقال ، فاحتمل هذا الوزن لعظم شأنه في نفسه ولأنه يرى حمل الأعباء عن الملك فريضة مؤكدة وأما الوزن الذي يحتمل ” علبطاً ” ونحوه لخفته ومهانته فبحر الرجز والسريع

 

وقال في الفصول ص 51 في صدد حديثه عن البحر الطويل والبسيط:

وليس في الشعر أشرف منهما وزناً وعليهما جمهور شعر العرب وإذا اعترضت الديوان من دواوين الفحول كان أكثر ما فيه طويلاً وبسيطاً

ولكنه لم يستحسن من البسيط إلا ضربيه الأول والثاني وكذلك فعل عبد الله الطيب في كتابه ( المرشد إلى فهم أشعار العرب ) فقدم الطويل والبسيط على بحور الشعر ثم قدم الطويل على البسيط قال ص 392:

وإليهما يعمد أصحاب الرصانة وفيهما يفتضح أهل الركاكة والهجنة وهما بمنزلة السداسي عند الإغريق والمرسل التام عند الإنجليز ، والطويل أفضلهما وأطلق عناناً وألطف نغماً

 

مكانة بحر الطويل في الشعر العربي

ورأى إبراهيم أنيس أن الطويل قد نظم منه ثلث الشعر العربي، إلا أن رأيه هذا لا ينطبق على العصر الحديث فإن كلف الشعراء به بدأ ينحسر منذ مطلع القرن الرابع عشر الهجري.

وبالرجوع إلى جداول البحور في الموسوعة الشعرية: (الإصدار الثاني) نرى البحر الطويل منتشراً في دواوين 871 شاعراً من أصل 1298 شاعراً، وباستثناء الرجاز فكل من لم يكتب الطويل منهم، فليس له ديوان جليل، ولا يعدو أكثرهم أن يكون ديوانه بضع قصائد، عدا الأغماني الذي بلغ ديوانه ثماني عشرة قصيدة.

وربما يرجع سبب تناقص اهتمام الشعراء به إلى ضياع ألحانه التي يفترض أن يكون لها الفضل الأول في المحافظة على مكانته طوال تلك المدة بعد أن أهمله أصحاب الغناء منصرفين إلى المجازيء و البحور القصار وكان الفرق الشاسع بين ما تغنوا به من هذا البحر بالمقارنة مع طقاطيق البحور القصار كفيلاً بإهمال منزلته عند الناشئة. فليس في جدول القصائد المغناة طوال القرن الرابع عشر إلا بضع قصائد من البحر

الطويل من أمثال:

( تعلق قلبي طفلة عربية )
و( ومن عجبي أن الصوارم والقنا )
و( أراك عصي الدمع )
و ( أداري العيون الفاترات الروانيا )
و ( إذا كان ذنبي أن حبك سيدي )

ولدى تصفح كتاب الأغاني حيث نجد المقارنة تسير في الاتجاه المعاكس بين البحر الطويل الذي شغل الحيز الأكبر من كتاب الأغاني وبين بقية البحور ففيه (107) أغان من البحر الطويل وهو ما لا تساويه بقية البحور مجموعة. حتى إن البحر البسيط والذي كان يتوقع أن يكون له حظ من المنافسة لم يرد ذكره كمصطلح عروضي سوى (14) مرةً. والرمل الذي خلف الطويل في العصور المتأخرة في التربع على عرش الغناء، وبالرغم من ورود مصطلح الرمل أكثر من ألف مرة في كتاب الأغاني إلا أنه لم يكن مقصوداً به بحر الرمل إلا مرة واحدة وما تبقى فهو إشارة إلى ضرب من ضروب الإيقاع يعرف بالرمل.

وعندما أفرد الأصفهاني فصلاً للأرمال المختارة جعلها كلها من الطويل قال:

قال إسحق : ( أجمع العلماء بالغناء أن أحسن رمل غني رمل

فلم أر كالتجمير منظر ناظر

ثم رمل

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل

ثم رمل

أغرك مني أن حبك قاتلي

ولو عاش ابن سريج – ملحن الرمل الأول – حتى يسمع لحني الرمل في

لعلك إن طالت حياتك أن ترى

لاستحيا أن يصنع بعده شيئاً ولعلم أني نعم الشاهد له.

 

وفي عدد الأصوات والألحان والأغاني التي عدَّها الأصفهاني لقصيدة ” قفا نبك ” وحدها أنصع شاهد على تغلل أوزان الطويل في الغناء العربي القديم . قال وهو يسمي الأغاني بمطالع أبيات ” قفا نبك ” :

غنى معبد في ” قفا نبك ” و” أفاطم مهلاً ” و” أغرك مني ” و” وما ذرفت عيناك ” لحناً من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى.

وغنى معبد أيضاً في الأول من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى

وغنى سعيد بن جابر في الأربعة الأبيات رملاً

وغنت عريب في ” أغرك مني أن حبك قاتلي ”

وبعده شعر ليس منه وهو:

فلا تحـرجـي من سفـك مهجة عاشقٍ
بلى فاقتلي ثم اقتلي ثم فاقتلي

فلا تدعـي أن تفـعـلي ما أردته
بنا ما أراك الله من ذاك فافعلي
ولحنها فيها خفيف رمل.

 

انتهى كلام الأصفهاني وفيه تتجلى بوضوح مكانة البحر الطويل في العصور الأولى، عندما كانت الغلبة في المجتمع العربي للعناصر الفنية العربية الصميمة ، وربما نستطيع الاستفادة من تاريخ تدهور إيقاع البحر الطويل وربطه ببدء نفوذ العنصر الفارسي الذي يمثله البحر الرمل ومشتقاته ، ذلك النفوذ الذي انتهى بنفي البحر الطويل إلى بوادي العرب التي تركت قروناً طويلة منسية على هامش الأحداث.

وقد اعترف العياشي في كتابه ” نظرية إيقاع الشعر العربي ” بوحشة إيقاع البحر الطويل وقال كلاماً أنقله هنا على طوله لندرة ما اشتمل عليه من الاعترافات قال:

اعلم أني مذ تعلقت رغبتي بحفظ الشعر وتاقت نفسي إلى قوله كنت أتحسس إيقاعه وأتقرؤه وأبحث عنه يقيناً مني أن للشعر إيقاعا يحتذيه الشاعر عند النظم ويتقيد به وينسج على منواله . فلما تقرأت الإيقاع في الشعر العربي وجدت إيقاعات إذا تحسستها أدركتها بيسر وتذوقتها وعرفت ما لها من القيم الكمية والكيفية لأن الأمر فيها واضح لا لبس فيه . وذلك كالكامل والمتقارب والرمل وما شابهها . تلك الإيقاعات واضحة جلية . فهي لغة إيقاعية بلا شك ولا ريب . ولكني وجدت إيقاعات أخرى مشبوهاً في أمرها يخيم عليها الغموض ، لأني طالما حاولتها وقلبتها ذات اليمين وذات الشمال لأقف عليها فلم استطع لأن المبادىء فيها منتقضة والكميات والكيفيات متخرمة .

فبقيت في حيرة منها لا أرتاح لها ولا أطمئن إليها : ومن ذلك الطويل والبسيط . ولكن ظهور عدد كبير من الإيقاعات ووضوحها التام يخدم النظرية التي تقول أن شعر العرب كله إيقاعي حتى الطويل والبسيط . غير أن لهذين الإيقاعين سراً دفيناً.

إلى أن قال:

وهذا الطويل الذي بحثت طويلا عن إيقاعه فلم أجده رغم أني نظمت فيه كثيراً . ولئن خفي عني إيقاعه فلأنه كان مطموساً مغموراً بسبب ما اعتراه من التحريف الذي غير وجهه وابتعد به عن صورته الحقيقية . وكيف لا يخفى عني وعن جميع الناس ، وفي اعتقادي أن الشعر كلام يخضع في تأليفه إلى حركة إيقاع تتكرر دوراته متساوية فيما لها من الكميات والكيفيات بينما الدورات في الطويل متفاوتة فيما لها من قيم حركية يبدو فيها الإيقاع منتقضاً بشكل غريب . فلا الدورات متساوية مع الدورات ولا الصدور متساوية مع الإعجاز ولا الأبيات متساوية مع الأبيات . نعم لأنه ربما اشتملت الدورة على عشرة عناصر ( ع 10 ) وربما اشتملت على أحد عشر عنصرا (11 ع ) والإيقاع كميات تنتقض بانتقاضها الكيفيات.

ولم أزل في حيرة مدة طويلة من الزمان . فلما لم أجد لهذه المشكلة حلا قلت في نفسي : لأرجعن إلى أقدم ما وصل إلينا من شعر العرب فقد لا نعدم فيه أثراً لأصل الإيقاع قبل أن يعتريه التحريف الذي تخرمت به كمياته وكيفياته وفعلاً وجدت أصل الإيقاع عند الجاهليين وعثرت على أبيات مستقيمة قد تساوت دوراتها وسلمت من التحريف . وهي هي الصحيحة رغم ندرتها .

وهو قول زهير بن أبي سلمى

جعلن القنان عن يمينٍ وحزْنَهُ
ومن بالقنان من محلٍّ ومحرم

 

ويضاف إلى ذلك من أخبار الطويل التي أنكرها كثير من العروضيين ما يروى من تضلع البغداديين في تصريفه وتليينه حتى رووه مخزوماً ومخروماً = الخرم إسقاط الحرف الأول من الطويل ويلاحظ كثرة وقوعه في شعر مسكين الدارمي وأما الخزم فهو عكس الخرم ويعرَّف بأنه زيادة حرف فأكثر لمطلع الطويل =

قال أبو العلاء في ” الصاهل والشاحج ”

والبغداديون ينشدون كثيراً من أبيات ” قفا نبك” بزيادة واو العطف عند ما أوله ” كأن ” فيقولون

” وكأن دماء الهاديات بنحره ”
وهو شيء أخذوه عن الشيوخ الماضين، ولا أستحسن ذلك ولا أزعم أنه يفعله إلا قوم لا يحفلون بإقامة الوزن

 

وبالرغم من كل ما أسلفناه من الحديث عن انفراد الطويل واستقلاله عن كل البحور إلا أنه في بعض وجوهه يتعذر التمييز بينه وبين البحر الكامل كمعظم أبيات الكامل التي يكون أولها ” أنا ”

نحو قول إيليا أبو ماضي: ( أنا لست بالحسناء أول مولع )

وقول صالح السوسي ( أنا شاعر كالطير حلَّ بأرضكم )

وكل ما جاء على هذا النحو لا يعرف بحره إلا بالنظر إلى مجمل القصيدة

وخاصة إذا كان عجزه على غرار ( نظرت إلى حسن الرياض وغيمها )

فإن التاء في قوله ” نظرت ” إذا كانت تاء الرفع فهو من الطويل

وإذا كانت تاء التأنيث فهو من الكامل

ويعود السبب في ذلك إلى كثرة جوازات الطويل ووفرة الزحافات التي تلحقه في مقابل الإضمار ” في الكامل ” وهو تسكين التاء في ” متفاعلن ”

قال جلال حنفي ص 161:

ولعل أصل اسمه ” المتقارب الطويل ” لأن المتقارب يتألَّف من تفعيلة واحدة متكررة فكان من تطوير هذه التفعيلة أن نشأ الطويل

ثم عدد أنواعه وأوصلها إلى العشرة

منها الخامس: ( فعولن مفاعيلن فعولن )

والسادس:( فعولن مفاعيلن ) وهو مشطور الطويل المصرَّع

والسابع : وهو ما يتألف بيته من سبع تفاعيل ، ثلاث منها في العجز

والثامن : وهو ( فعولن مفاعيلن فعالْ )

والتاسع : وهو ما كان صدره طويلاً سليماً وكان عجزه تفعيلتين ( فعولن مفاعيلن )

والعاشر : مثله مثل التاسع إلا أن عجزه ( فعولن فعولن )

ثم مثّل لكل ذلك بأمثلة مختلفة مع أن ذلك كله اجتهاد منه ومخالفة للأصول لأن العروضيّين ذهبوا إلى أن الطويل لا مجزوء له حيث شرطوا للجزء أن تكون التفعيلة المحذوفة أقل حروفاً من التي قبلها و ” مفاعيلن ” أكثر حروفاً من ” فعولن ”

وفاته أن يذكر ” مهتوك الطويل ” وهو ما ذكره أبو العلاء في ” الصاهل والشاحج ” أثناء تفاؤله بهتك ملك الطاغية قال :

فمثله مثل وزن وضعه أهل العلم ولم يجئ مثله عن العرب ولا عن الشعراء المحدثين ، لأنه ليس في حكم الشعر ، وإنما يوضع تصنعاً وتكلفاً وذلك أنهم أسقطوا من أول الطويل جزءاً ومن أول نصفه الثاني جزءاً وحذفوه من بعد ذلك = الحذف : إسقاط السبب من آخر التفعيلة مثل ” مفاعيلن ” تبقى مفاعي = فقالوا :

إذا آخيت قوماً فآخِ
من الفتيان رحب المناخِ
وسموه المهتوك

 

قال الدكتور صفاء خلوصي في كتابه ” فن التقطيع الشعري “:

ومن محسنات الطويل أنه تام ولا يكون مجزوءاً ولا مشطوراً ولا منهوكاً ونعني بذلك حذف العروض والضرب أو حذف نصف التفاعيل أو ثلثيها على التوالي وهذا سبب تسميته بالطويل

 

وأورد نور الدين صمّودي رأياً آخر في سبب تسميته بالطويل فقال :

ويقال أن العرب كانت تسمي الطويل الركوب لكثرة ما كانوا يركبونه في أشعارهم

 

دوائر العروض:

وهي خمس دوائر وزع فيها الخليل بن أحمد بحور الشعر العربي إلى خمس زمر وبين العروضيين اختلاف في ظاهر تسميات الدوائر فإن ابن عبد ربه في العقد بادل بين اسم دائرتي المشتبه والمجتلب ، فالمجتلب عنده هي المشتبه عند غيره وكذلك العكس . – أنظر تفصيل ذلك أثناء التعريف بالبحر البسيط –

وتجدر الإشارة هنا إلى عروض ابن عبد ربه وهو أرجوزة أودعها كتابه العقد مع شرح لها ، وقد جعل كلامه في العروض على جزئين ، فجزء سماه الفرش وجزء سماه المثال – ويقصد بالفرش القواعد وبالمثال الأمثلة – قال :

 واختصرت للفرش أرجوزة جمعت فيها كل ما يدخل العروض .. واختصرت المثال في ثلاث وستين قطعة على ثلاثة وستين ضرباً من ضروب العروض

 

وسنختار قطعة من أرجوزته في كلامه على الدوائر لإعطاء فكرة عن مقدرته الشعرية قال :

دوائر تـعــيــا عـلى ذهـن الحـذق
خـمــس عـليــهــن الخـطـوط والحلق

فـمــا لها من الخطـوط البائنـه
دلائل عــلى الحــروف السـاكــنــه

والنــقـــط التــي عــلى الخـطــوط
عــــلامـــــة تــــعـــــد للســـقــــوط

والحَـلَق التـي عـليــهــا يـنــقــطُ
تـســكــن أحـيـانـاً وحيـنـاً تسـقـطُ

والنـقــط التـي بـأجــواف الحـلق
لمـبـتـدى السطـور منـهـا يخـتـرق

فانـظـر تجـد من تحـتها أسماءها
مــكـــتــوبــة قـد وضـعــت إزاءهـا

والنـقــطــتــان مـوضــع التـعـاقـب
ومــثـــل ذاك مــوضـــع التــراقـــب

وبعدما وصف الدوائر وبين ما يستخرج من البحور منها أنكر أن يستخرج منها غير ذلك وخطَّأ الخليل بن أحمد في استخراجه للأبحر المهملة من تلك الدوائر ولكنه شفع نقده بالاعتراف له بالإمامة والإقرار بالسيادة

قال الدماميني في العيون الغامزة ص 44 :

وبعض الناس أنكر الدوائر أصلاً ورأساً وجعل كل شعر قائماً بنفسه ، وأنكر أن تكون العرب قصدت شيئاً من ذلك ، وقال إنا

سمعناهم نطقوا بالمديد مسدساً ، وبالبسيط ” فعلن ” في العروض مثلا ، وبالوافر ” فعولن ” فيها ، وبالهزج والمقتضب والمجتث مربعاتٍ ، ومن أين لنا أن ندرك أن أصل عروض الطويل كان مفاعيلن بالياء ؟ وأن المديد كان من ثمانية أجزاء؟ وأن ” فعلن ” في البسيط كان أصله فاعلن بالألف؟ وأن عروضَ الوافر كانت في الأصل مفاعلتين ثم صارت على فعولن ؟ إلى غير ذلك

 

ملاحظة:

لا تأتي عروض الطويل سالمة (مَفَاْعِيْلُنْ) إلا عند التصريع فتكون سالمة مع التصريع ومقبوضه حيث لا تصريع.

التصريع: هو إلحاق العروض بالضرب في زيادة أو نقصان، ولا يلتزم. وغالبا ما يكون في البيت الأول؛ وذلك ليدل على أن صاحبه مبتدئ إما قصةً أو قصيدة، والتصريع يقع في جميع البحور، ويبتدأ به في مطلع القصيدة، ولا يلتزم إلا إذا قسَّم الشاعر قصيدته إلى موضوعات وأفكار، فيجوز له عند ذلك أن يبدأ كل فكرة تحتوي على مجموعة من الأبيات ببيت مصرع شريطة أن تكون القصيدة متحدة البحر والروي.
سببه: وسببه هو مبادرة الشاعر القافية؛ ليعلم من أول وهلة أنه آخذ في كلام موزون غير منثور ولذلك وقع في أول الشعر.

مثاله: من الزيادة قول أبي فراس الحمْداني [من البحر الطويل]:

أّراكَ عَصِيَّ الدمع شيمتُكَ الصبرُ  .. أما للهوى نهيٌ عليك ولاأمرُ
ومن النقص قول امرئ القيس [من البحر الطويل]:

أَجارتنا إن الخطوب تنوبُ .. وإني مقيم ما أقام عسيبُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مقالات

قد يعجبك أيضاً

تعليقات