واأسفى على التصنيف وأهله!

أهلَ التصانيف حسبُ الحق خذلانا

كونوا له – في الورى – ردءًا وأعوانا

لا تجعلوا اليأسَ يسري في عزائمكم

أضحى القنوط ووهنُ العزم صِنوانا

لا تستكينوا لمَا تلقوْن مِن إحَن

فالاستكانة تُبقي المرءَ حَيرانا

لا تبرَحوا ساحة التأليف ، وانتبهوا

لمَا يُحاك لكم بغياً وعُدوانا

واستشعِروا – يا رفاق الدرب – موقعكم

واللهِ إن لكم – في الناس – أوزانا

لئن تركتم لمن يهذي منابركم

لازداد أهل الهوى جهلاً ونكرانا

إني أراكم على ثغر ، فلا تهنوا

فالوَهْنُ يُورثكم ذلاً وخسرانا

وإن فقدتم كفاءاتٍ لتدعمَكم

فإن – في نشر نور العلم – سُلوانا

وإن عدمتم هنا القراءَ ، فاصطبروا

لعل جيلاً يزيدُ الأمرَ رُجحانا

وإنْ تقاعسَ نقادٌ ، فما نقدوا

فنقحوا النقد يا أفذاذ تِبيانا

وإنْ تجاهلَ مَن فخراً يُقدّمُكم

فإن – في الغيب – مِيزاناً ووَزانا

وإنْ يغبْ عنكمُ مُحللٌ فطِنٌ

فحَللوا أنتمُ حُباً وإيمانا

وإنْ رمى عِلمكم مُحقِقٌ خرفٌ

لا تُذعنوا – لرحى التحقيق – إذعانا

وإنْ مدققُ ما صغتم تعقبَكم

بدون حق له ، زوراً وبُهتانا

فلا تبالوا بما ألقاه مِن نزق

أملاه جحداً ، وما أملاه شُكرانا

وفي الخصومة لا تُبدُوا ترنحَكم

بات الترنحُ – في التنظير – خذلانا

إني أهيبُ بكم ، والنصرُ مَوعِدُنا

والفوز عُقبى الذي في عيشه عانى

ما للتصانيفِ تشكُو شُحّ ناشِرها

والشحُ أضحى – على التعجيز – برهانا

والنشرُ أصبحَ غولاً كاسحاً شَرهاً

يُكلفُ الكاتبَ المِسكينَ أثمانا

وللطباعة أسعارٌ ينوءُ بها

مؤلفون شَكَوْا دَيْناً ودَيّانا

واستشرفتْ فِتنة التوزيع ذِروتها

وأصبحتْ حُمَماً تشوي ونيرانا

والسوقُ تلفحُ مَن يُزجي بضاعته

وإنّ – للنهب – ترتيباً وحُسبانا

والكاتبون غدَوْا – قهراً – ضحِيتها

فأمعنوا – في العُزوف المُرّ – إمعانا

لم يقرَبوها بما خطوا وما كتبوا

لمّا طغتْ زمرُ التجّار طغيانا

والكأس دائرة تُودي بمن شربوا

أدوْا ضريبتها ، أم كان مَجانا

أهلَ التصانيف شكواكم تُعذبني

وكم تُثير جوىً يكوي وأحزانا

كم اصطليتُ بدَيْن فاق مَقدرتي

فما بثثتُ الذي ألقاه خِلانا

لكنْ تحمّلتُ هذا العبءَ مُحتسباً

وحسبيَ الله – في التمحيص – رحمانا

وصغتُ شعري دَواوينا أتيهُ بها

في كل مُؤتزم أصدرتُ دِيوانا

هذي القصائدُ مِعياري وتجربتي

صغتُ الحياة بها مَعنىً وألحانا

ألفتُ لم أجعل الدينارَ مُغتنمي

ولم أوال – بما دوّنتُ – شيطانا

وما افتريتُ على رب السما كذباً

ولم ألوّث بما سطرتُ أذهانا

ولم أجاملْ بما نظمته أحداً

فما جعلتُ له – عليَّ – سلطانا

وذِعتُ من خبري ما كنتُ أكتمُه

إذ ما استطعتُ – لمَا أخفيه – كِتمانا

وما ادخرتُ – مِن الأخبار – خردلة

بات ادخارُ الذي حُمّلتُ عِصيانا

وجُدتُ بالمال أرجو نشرَ ما كتبتْ

يدٌ تريدُ – بما خطته – رضوانا

ولم يكن صارفاً فقري ولا عوَزي

وما خشيتُ – على الأموال – نقصانا

صنّفتُ لم أكترثْ بما ابتليتُ به

والقلبُ عانى مِن الدُيون أشجانا

والأهلُ ضاقوا بما بذلتُ مرتجلاً

والروحُ ذاقت مِن العذاب ألوانا

هيَ التصانيفُ تُعلي شأنَ صاحبها

حتى يفوق مغاويراً وأعيانا

علمٌ يفيضُ – على الآنام – منفعة

وبعدَ صاحبه ينداحُ أزمانا

أهلَ التصانيف قد أعذرتُ ، فامتثلوا

نصيحة قلتها شكراً وعِرفانا

إني شريكٌ – لكم في الدرب – منفردٌ

إذ ما لقِيتُ – على التصنيف – إخوانا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الدينارية

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: اتَّفَقَ لي نَذْرٌ نَذَرْتُهُ في دِينَارٍ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلى أَشْحَذِ رَجُلٍ بِبَغْدَادَ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَدُلِلْتُ عَلى أَبِي الفَتْحَ الإِسْكَنْدَرِيِّ، فَمضَيْتُ…

تعليقات