ميمونة و عبد نواف.

يروى أنه في زمان غابر، أين كان الخلق يعيشون البداوة، يقتاتون من الرعي و تجارة عينية، و مما تصنعه سواعدهم، فنمت الحرف التقليدية و انتشرت بين سكانها. و من بين هؤلاء، كان بالقرية كفيف يدعى عبد نواف، امتهن حرفة النسيح من الخيشة و خيوط الصوف، لماشية كانت ترعاها له زوجته ميمونة، التي اشتهرت بفراستها و اتقانها لخفايا الأمور، حتى لقبت بقارءة الفنجان، يقال أنها كانت وجه سعد على بعلها، فما إن تزوجا، حتى حلت البركة ببيتهما و راجت تجارته و صار من كبار تجار النسيح رغم كل المصاعب.

و صادف حولا، أن حل القحط بالبلاد، فشحت الامطار و تعطلت الارزاق، فما كان كلأ للرعي و ضمرت المواشي و قل عددها، فارتاب الناس و سارعوا في الرحيل من المنطقة و البحث عن مواطن جديدة خوفا من الهلاك. أما عبد نواف، فما ابصر و ما علم، فقد كانت ميمونة تخفي عنه الأمر، و ما حدثته بالجفاف الذي اصاب قومهم، لانها ما رغبت بالرحيل و ترك ديرتها، فقد شبت بين حقولها و مروجها. و حتى لا يكتشف الأمر، طلبت منه أن يمكث بالبيت و لا يغادره، بحجة أن هناك غلمان يخدمونه، و الاجدر به أن يرتاح من عناء العمل، و كل يوم كانت ترسل له أجيرا، فيخبره أن الأمور على ما يرام، و التجارة لا تزال بخير و الحمد لله.

و من جهة أخرى، كانت ميمونة تبحث عن طريقة مجدية لاستعادة مناطق الرعي لاشباع قطعانها قبل فوات. فقامت ليلها و دعت ربها لهدايتها لطريق النجاة. فما كان إلا أن الهمها سبيلا لفك محنتها. اذ قامت بحفر الأرض فعثرت على جيوب ماءية، و سبحان الله انقلبت الموازين، و بين ليلة و ضحاها، استعادت الأرض رونقها و اخضرت في مدة وجيزة، مما انقضها هي و زوجها من افلاس و كساد محتم لتجارتها.

و في احدى الامسيات، و هي جالسة تحتسي القهوة في باحة البيت هي و عبد نواف، اخذت كأسه بعد ان شربه و قالت له: صحتين و عافية، هلا اقرأ لك الفنجان، و تعلم ما تخلي لنا الايام؟ فقال لها: و من يجرأ على ادراكه إلاك يا بركة البيت و مسناده. فتقول: إن دوام الحال من المحال، أرى السحاب قد غاب عنا و ما أدري هل سنلحقه أو سيلحقنا، فهل لنا تفقده و اتباعه أينما حل أو راح أيها الهمام؟ فقال لها ممازحا: و ما حال البقرات العجاف، كم سنين عدت عليها، و هل نحن في بر الأمان؟ فعلمت أن زوجها قد احس بالقحط الذي مر عليهم لعدم نزور الغيث في السنين الأخيرة، فاردفت قائلة: قد ارتوت من ينابيع مخفيةسخرت لاهلها القاعدين. فضحك كل منهما من فرط الفرحة و الاطمئنان. فما قولك في هذا الحديث؟

فأقول: إن العقل تاج للعقلاء، و ماخاب قط من صبر عند البلاء. 

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات