يا منة لذ بها السكر

ديوان ابن معتوق الموسوي

يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ

لا ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ

فلَقَ الدُجى بعَمودِه الفجرُ

وبكى النّدى وتبسّمَ الزّهرُ

وتنفّسَ النّسرينُ عن عبقٍ

منهُ بأذيالِ الصَّبا عِطْرُ

والوقتُ قد لطُفَتْ شمائِلُهُ

فصَفا ورقَّ وراقَتِ الخَمْرُ

فاِنهَضْ على قدمِ السّرورِ إلى

شمسٍ يَطوفُ بكأسِها بَدْرُ

بِكْرٌ إذا ما الماءُ خالَطَها

منها تولّدَ لؤلؤٌ نَثْرُ

عَذراءُ ما لبَني الخلاعةِ عنْ

خَلْعِ العِذارِ بحبُّها عُذْرُ

نفسٌ من الياقوتِ سائِلةٌ

روحٌ ولكنْ جِسمُها تِبْرُ

تَبدو براقِعُها فتحسَبُها

برداً تلظّى تحتَهُ جَمْرُ

نورٌ يكادُ فؤادُ شارِبِها

للعَينِ منها ينجَلي السّرُّ

لطُفَتْ فخِلنا ذات جوهرِها

فنِيَتْ وقامَ بنفْسِها السُّكْرُ

تذَرُ الزُّجاجَ بلَونِها ذهَباً

فلها بعِلْمِ الكيميا خبَرُ

وكأنّ سرَّ المومياءِ لها

فيها لكَسْرِ قُلوبِنا جَبْرُ

وكأنّما راوُوقُها دَنِفٌ

أجرى عَقيقَ دموعِهِ الهَجْرُ

ومُهَفهَفٍ كالشمسِ طلعَتُه

بالجيدِ منهُ كواكبٌ زُهْرُ

شُغِفَتْ بقامَتِه القَنا فلِذا

ألوانُها لشحوبِها سُمْرُ

ورأى البهار شَقيق وجْنَتِها

فخُدودُها كَلَفاً بهِ صُفْرُ

بوِشاحِه معنى عِبارتِه

رقّتْ ودقّقْ شرْحَها الخَضْرُ

وبلحظِه وفؤادِ وامقِه

سُكْرٌ له بكِلَيْهِما كَسْرُ

باتَتْ تُضاحِكُني براحتِه

راحٌ كأنّ حَبابَها ثَغْرُ

فأرضته بعدَ الجِماحِ بها

حتّى تسهّلَ خُلقُه الوَعْرُ

نظمَ الهوى عقدَ العِناقِ لنا

ومنَ العَفافِ تضمّنا أُزْرُ

رفعَ الشّبابُ حِجابَ أوجهنا

ومن الفتوّةِ بينَنا سِتْرُ

ولكم عرجتُ إلى محلِّ عُلاً

فوقَ السِّماكِ وتحتَهُ الغَفْرُ

بمطهَّمٍ مثلِ الظّليمِ إذا

ما شدّ قُلْتُ بأنّهُ صَقْرُ

تَدري المَها أن لا نَجاةَ لها

منهُ ويعلَمُ ذلكَ العُفْرُ

فإذا له آجالُها عرضَتْ

عرضَتْ لها آجالُها الحُمرُ

مثلُ الرّياحِ رواحُ أربعةٍ

شهرٌ وسَيرُ غُدوّها شَهْرُ

كمُلَتْ صِفاتُ الصّافِناتِ به

فبذاتِه لجميعِها حَصْرُ

يجري ويجري الفِكرُ يتبَعُهُ

فيَفوتُ ثمّ ويحسَرُ الفِكرُ

ويكاد أن يرِدَ السّماءَ إذا

ظنّ المجرّةَ أنّها نَهْرُ

أطلَعتُ منه سَهمَ حادثةٍ

يرمي به عن قوسِه الدّهْرُ

حتّى بلغْتُ أبا الحُسين به

فبلغْتُ حيث يُرَفرِفُ النّسرُ

حيث العُلا ضربَتْ سُرادقه

فيه وحلّ المجدُ والفخرُ

حيث التُّقى والفضلُ أجمعُهُ

تأوي إليه ويأمَنُ البرُّ

فوثِقْتُ منذُ حلَلْتُ ساحتَهُ

أن لا يحِلَّ بساحَتي فَقْرُ

ما زالَ يقذِفُ لي جواهرَهُ

حتّى علِمْتُ بأنّه بحرُ

يُجدي ندىً ويُفيدُ مسألةً

فنوالُه وكلامُه دُرُّ

فوقَ الخصيبِ محلُّ رِفعتِهِ

وبهِ الخَويزةُ دونَها مِصْرُ

كم من أيادِيه لديّ يدٌ

ما ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن معتوق، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات