يا لقوم للحبيب المذكر

ديوان بشار بن برد

يا لَقَومٍ لِلحَبيبِ المُذَّكَر

وَخَيالٍ زارَني قَبلَ السَحَر

قَمَرُ اللَيلِ سَرى في قَرقَلٍ

يَتَصَدّى لِي فَأَهلاً بِالقَمَر

يا اِبنَ موسى لا تَلُمني في الهَوى

وَاِسقِني الراحَ بِسَلسالٍ خَصِر

عَلَّقَت نَفسي بِسَلمى نَظرَةٌ

رُبَّما أَهدى لَكَ الحَينَ النَظَر

وَاِبلُ لي مِن ذاكَ أَو لا تَلحَني

صَعِدَ الشَوقُ بِقَلبي وَاِنحَدَر

وَصَحيحُ القَلبِ مِن داءِ الهَوى

لَو بِهِ ما بي مِنَ الحُبِّ عَذر

قُل لِمَن غارَ عَلَينا في الهَوى

طالِعِ المَكتومَ مِنّا ثُمَّ غَر

وَأَخٍ يَلحى وَلا أَعبا بِهِ

حَلَبَ اليَومَ لَها وُدّي فَدَر

مَرحَباً وَاللَهِ لا أَكتُمُهُ

إِنَّ حُبّي عَلَنٌ لَيسَ يُسَر

لَم أَزُر سَلمى وَلَم تُلمِم بِنا

غَيرَ رُؤياها أَنِم عَيناً تُزَر

ثُمَّ قالَت أَنا في عُلِّيَّةٍ

يَسهَرُ العَينُ وَأَنتَ المُشتَهر

لا يُبالي غَيرَ مَن يَعرِفُهُ

وَأَرى الناسَ لَهُم فيكَ أَثَر

فَاِحمِلِ النَفسَ عَلى مَكروهِها

إِنَّ حُلوَ العَيشِ مَحفوفٌ بِمُر

وَإِذا الأَمرُ اِلتَوى مِن بابِهِ

فَاِرضَ ما أُعطيتَ مِنهُ وَاِستَقِر

وَلَقَد قاسَيتُ مِن جَورِ الَّتي

عَجَبَ الدَهرِ وَمِن كَأسِ السُكُر

فَاِنقَضى ذاكَ حَميداً عَهدُهُ

وَحَسَرتُ اللَهوَ عَنّي فَاِنحَسَر

وَلَقَد قُلتُ لِزَورٍ زارَني

بَعدَما أَعرَضَ حيناً وَهَجَر

مَنحَ الدَهرُ شَبابي كَبرَةً

وَكَذاكَ الدَهرُ مِن حُلوٍ وَشَر

أَيُّها الزاري عَلى أَيّامِهِ

رُبَّ يَومٍ لَكَ مَشهورٌ أَغَر

رَقَّعَ العَيشَ فَأَبشِر بِالغِنى

عُقبَةُ الجارِ مِنَ العَيشِ النُكُر

وَأَميرٌ سادَةُ الناسِ لَهُ

خَوَلٌ يَنفُذُ فيهِم ما أَمَر

زُرتُهُ يَوماً فَأَدنى مَجلِسي

وَحَباني بِبُدورٍ وَغُرَر

وَفَتىً ذي نيقَةٍ قُلتُ لَهُ

قَلِّدِ الشِعرَ كَريماً ثُمَّ قَر

ما يَسُرُّ الحَبشَ أَن تَمدَحَهُ

خَشيَةَ المَعروفِ ما الحَبشُ بِحُر

يَشتَهي الحَمدَ وَلا يَفعَلُهُ

فَلَهُ مِن ذا وَمِن ذاكَ عِبَر

وَاِنبَرى لي عَجرَدٌ يوعِدُني

كَمُثيرِ اللَيثِ لَيلاً ما شَعَر

يَتَمَنّاني وَإِن لاقَيتُهُ

خافَ إِقدامي عَلَيهِ فَاِنكَسَر

شِيمَةَ البِكرِ تَشَهّى باهَةً

وَتَخَشّاهُ فَلا تَأتي الغَرَر

مِن بَني نِهيا نَهاهُ والِدٌ

أَعقَفُ السَيفِ عَلى الجُرحِ مَقَر

يَحسُرُ الذَمَّ عَلى أَعطافِهِ

وَتَرى الحَمدَ عَلَيهِ كَالعَوَر

صَدَّني عَنهُ وَقَد واجَهتُهُ

عُقبَةُ الأَزهَرُ قَضقاضُ الحَجَر

فَتَأَبَّيتُ عَلى مُستَأذِنٍ

مُشرِقِ المِنبَرِ فَضفاضِ الأُزُر

رَهبَةً أَو رَغبَةً في وُدِّهِ

إِنَّهُ إِن شاءَ أَحلى وَأَمَر

مَلِكٌ يَسهُلُ إِذ ساهَلتُهُ

وَإِذا عاسَرتَهُ كانَ العَسِر

سائِسُ الحَربِ وَمِفتاحُ النَدى

عِندَهُ نَفعٌ لِأَقوامٍ وَضَر

داءُ عاصٍ وَمُداوي فِتنَةٍ

سَفَرَت حَرباً وَلاحَت تَستَعِر

يَتَّقي المَوتَ بِهِ أَشياعُهُ

حينَ جَفَّ الريحُ وَاِنشَقَّ البَصَر

أَسَدٌ يُرقِدُ نيرانَ الوَغى

وَإِذا زَلزَلَهُ الرَوعُ وَقَر

وَفَتى قَحطانَ في حَومَتِها

راجِحُ الحِلمِ كَريمُ المُعتَصَر

يورِدُ الهَمَّ وَلا يُمرِضُهُ

حازِمٌ في الوِردِ مَحمودُ الصَدَر

وَجَوادٌ مُسهِبٌ حينَ غَدا

تَفتُرُ الريحُ وَيُمسي ما فَتَر

لَو جَرى نائِلُهُ في حَجَر

قاحِلِ الصَفحَةِ لَاِبتَلَّ الحَجَر

كَم لَهُ مِن نِعمَةٍ في وائِلٍ

وَبَني أَفصى وَفي حَيِّ مُضَر

فَاِكتَسِب ناقِلَةً مِن وُدِّهِ

عَزَّ مَن وَدَّ اِبنُ سَلمٍ وَنُصِر

عُقبَ أَنتَ المَرءُ لا يَشقى بِهِ

غائِبٌ مِنّا وَلا دانٍ حَضَر

جِئتَنا هَلكَى فَأَحيَيتَ النَدى

فَلَكَ الحَمدُ عَلى مَيتٍ نُشِرُ

لا تَخَف غَدري وَإِن غَيَّبتَني

قَدَرٌ يَعرِضُ مِن بَعضِ القَدَر

أَنا مَن يُعطيكَ قُصوى نَفسِهِ

وَإِذا أَولَيتَهُ خَيراً شَكَر

ما يَرى مِثلَكَ إِلّا مُزنَةً

بَكَرَت في يَومِ سَعدٍ بِمَطَر

كُلَّ يَومٍ لَكَ عِندي فَضلَةٌ

وَيَدٌ بَيضاءُ فيها مُدَّخَر

قَد أَنى لِلغَيثِ أَن نُسقى بِهِ

أَو نَرى مِنهُ بِوادينا أَثَر

وَلَقَد كُنّا عَرَتنا جَفوَةٌ

أَكَلَت مِنّا السُلامى وَالقُصَر

إِنَّما كُنّا كَأَرضٍ مَيتَةٍ

لَيسَ لِلرائِدِ فيها مَنتَظَر

فَحَيينا بِكَ إِذ وُلّيتَنا

وَكذاكَ الأَرضُ تَحيا بِالمَطَر

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات