يا صاح ليس لسر منك كتمان

ديوان الشريف المرتضى

يا صاحِ ليس لسرٍّ منك كتمانُ

في الودِّ والودُّ لا يدُرى له شانُ

وللغرام وإنْ بِتْنا نكتّمُهُ

عن أعينِ النّاس آياتٌ وعنوانُ

وقد تبيّن ما بي الرّكْبُ حين بَدَتْ

لَنا من الشّعب أقمارٌ وأغصانُ

حلّوا القلوبَ وما كانتْ لهم وَطَناً

إنّ القلوب لِما تهواه أوطانُ

إنّ الّذين على وَدّانَ دارُهُمُ

فيهمْ ضنينٌ بما نهواه خَوّانُ

إذا سألناه مَنّانا وماطَلَنا

وراح وهْوَ بأنْ مَنّاك منّانُ

وإنْ شكوتُ إليه الحبّ أَعطِفُهُ

إِلى المَحبّةِ ولّى وهو غَضْبانُ

بَدْرٌ حُرِمنا المُنى منه ويُرزَقُها

وإنّما الحبُّ أرزاقٌ وحِرْمانُ

كأنّهمْ بَعد ما بانوا وحبُّهُمُ

مخيّمٌ في سواد القلبِ ما بانوا

هلْ أنتَ يا قلبُ صاحٍ عن لقائِهمُ

أمْ فيك يا قلبُ إنْ سُلّيِتَ سُلْوانُ

فالحبُّ عندهُمُ بُغضٌ ومَقليَةٌ

والصّدقُ بينهمُ زورٌ وبُهتانُ

يُقَادُ نَحْوَكمُ قلبي ويجذُبنِي

إليكُمُ مَعَ بُعدِ الدّارِ أشطانُ

وَما البليّةُ إلّا أنّني كَلِفٌ

بفارغٍ وفؤادي منه ملآنُ

نَبكي ومن قبلُ ما كنّا يُرَوِّعُنا

داعي الفراقِ ولا تجري لنا شانُ

كأنّ أعْيُنَنا تجري لبَيْنِهمُ

دَوْحٌ يُزِعْزِعُهُ في الطَّلِّ شَفّانُ

يا قاتَلَ اللَّهُ مَن بالرّملِ ودّعنا

فهنّ للقلبِ أشجاءٌ وأشجانُ

لمّا بسِمْنَ لنا أبدين عن شَنَبٍ

مُمَنَّعٍ ليس يُروى منه ظمآنُ

كالبَدر إذْ شَفّ عن أنوارِه سَدَفٌ

والدرّ أبرَزَهُ للعين أكنانُ

ماذا على زائري ليلاً على سِنَةٍ

لو زار صُبحاً وطرفُ العين يقظانُ

زيارةُ الطّيفِ ضَرْبٌ من قطيعتهِ

ووصلُ مَن لا تراه العينُ هِجرْانُ

وَليسَ يَنفعني والبعدُ أعلمُهُ

قربٌ أتاني به ظنٌّ وحسبانُ

يا راكبَ العِرْمِسِ الوجناءِ في غَلَسٍ

تَنْجابُ عن مَرِّها مَرْوٌ وصَوّانُ

قلْ للّذي حلَّ أَرجاناً فشرّفها

إنّ المُنى والغنى في الأرضِ أرْجانُ

حَيث الثرى خَضِلُ الأكناف تُرفَع في

يَفاعِهِ لِقرَى الأضياف نيرانُ

نارٌ يُهانُ ذكيُّ المندليّ بها

ويُوقَدُ العنبُر الهنديُّ والبانُ

للَّهِ دَرُّك من قاضٍ لنا عِدَةً

ألْوى بها من لئيمِ القومِ لَيّانُ

معجّلِ الخيلِ والهيجاءُ ضاحيةٌ

عن أن تُناط بها لُجْمٌ وأرسانُ

من كلِّ هوجاءَ كالسِّرحان عاديةٍ

كأنّما مسّها في الرَّوْعِ شيطانُ

واليومَ ترجفُ بالأبطالِ ساحتُهُ

كأنّه ثَمِلُ الأوصال نشْوانُ

أَنتَ الّذي إنْ رآه الخلقُ من أَمَمٍ

فللثّرى أُنُفٌ منهمْ وأذْقانُ

لغيرك الجهرُ منهمْ دون سِرِّهمُ

ويستوي فيك إِسرارٌ وإعلانُ

ما أذعنوا لك حتّى كنتَ فذَّهمُ

وللفضائلِ إنكارٌ وإذْعانُ

قد جرّبوك خلالَ الأمرِ يَحْفِزُهُم

فما هَفَوْتَ وأرسى منك ثَهْلانُ

وعاينوا منك إِقداماً على خَطَرٍ

إنّ الملوك على الأهوال شجعانُ

كم نلتُ منك الرّضا عفواً بلا تعبٍ

وكم أتانِيَ من جَدْواك إحسانُ

كرّمتني فملكتَ الرِّقَّ من عُنُقي

إنّ الكراماتِ للأحرار أثمانُ

بنِي بُوَيْهٍ أَدام اللَّه مُلْكَكُمُ

ولا يزلْ فيكمُ عزٌّ وسلطانُ

ولا خلا وَطَنٌ منكمْ ولا عَطَنٌ

فإنّ أعطانكمْ للجودِ أَعطانُ

لَم يَأْلَفِ الملكُ إلّا في بيوتِكمُ

حَلَلْتُمُ دارَه والنّاسُ جِيرانُ

فللتّرائبِ منكمْ كلّما نَضَرَتْ

وللمفارقِ أطواقٌ وتيجانُ

إنْ جلَّ خَطْبٌ فأنتمْ منه لِي وَزَرٌ

أوْ آدَ صَعْبٌ فأنتمْ فيه أعوانُ

وإنْ لقيتُ العِدا يومَ الكفاحِ فلي

من دونهمْ أذْرُعٌ منكمْ وأيْمانُ

ومعشرٍ جحدوا نعماكَ عندهمُ

وَغَرّهْم منك للزّلّات غُفرانُ

أَغضيتَ عَنهمْ فما اِرتابوا وما فطِنوا

إِنّ التغاضِيَ إِمْلاءٌ وإِهوانُ

حتّى رأوْك مُغِذّاً في مُلَمْلَمَةٍ

كاللّيلِ في طيِّها خيلٌ وفرسانُ

فأجفلوا كشرارِ الزَّندِ تخطفهمْ

خَطْفَ الأجادِلِ أسيافٌ وخُرصانُ

فراكبٌ رأسَ جِذْعٍ ليس يبرحُهُ

وهاربٌ دونه أُكْمٌ وقيعانُ

أَضحَوا وقد لَزَّهْم منك العنيفُ بهمْ

كخِرْوَعٍ لَزَّهُ نَبْعٌ وشَرْيانُ

وقد درى كلُّ ذي لُبٍّ بأنّهمُ

عزّوا وعمّا قليلٍ بالرّدى هانوا

وطاح ما لَفّقُوهُ من أباطِلِهمْ

إِزاءَ حقّك إنّ الحقّ عُرْيانُ

والمِهْرَجانُ زمانٌ بالسّعودِ وبالن

نُجحِ القريب إليك الدّهرَ عجلانُ

مضى الهجيرُ به عنّا لطيّتِهِ

فالطَّلُّ مُستَبْرَدٌ والجوُّ رَيّانُ

فَاِنعَمْ به وخذِ اللّذّاتِ من يده

فإِنّما هو للّذّاتِ إبّانُ

ودمْ لنا لنعيمٍ ما لغايته

وقتٌ ولا لمزيدٍ منه نقصانُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات