يا دار بين الفرع والجناب

ديوان بشار بن برد

يا دارُ بَينَ الفَرعِ وَالجِنابِ

عَفا عَلَيها عُقَبُ الأَعقابِ

قَد ذَهَبَت وَالعَيشُ لِلذَهابِ

لَمّا عَرَفناها عَلى الخَرابِ

نادَيتُ هَل أَسمَعُ مِن جَوابِ

وَما بِدارِ الحَيِّ مِن كَرّابِ

إِلّا مَطايا المِرجَلِ الصَخّابِ

وَمَلعَبُ الأَحبابِ وَالأَحبابِ

في سامِرٍ صابٍ إِلى التَصابي

كانَت بِها سَلمى مَعَ الرَبابِ

فَاِنقَلَبَت وَالدَهرُ ذو اِنقِلابِ

ما أَقرَبَ العامِرَ مِن خَرابِ

وَقَد أَراهُنَّ عَلى المَثابِ

يَلهونَ في مُستَأسِدٍ عُجابِ

سَهلِ المَجاري طَيِّبِ التُرابِ

نَورٌ يُغَنّيهِ رُغا الذُبابِ

في ناضِرٍ جَعدِ الثَرى كُبابِ

يَلقى اِلتِهابَ الشَمسِ بِاِلتِهابِ

مِثلَ المُصَلّي الساجِدِ التَوّابِ

أَيّامَ يَبرُقنَ مِنَ القِبابِ

حورَ العُيونِ نُزَّهَ الأَحبابِ

مِثلَ الدُمى أَو كَمَها العَذابِ

فَهُنَّ أَترابٌ إِلى أَترابِ

يَمشينَ زوراً عَن مَدى الحِرابِ

في ظِلِّ عَيشٍ مُترَعِ الحِلابِ

فَاِبكِ الصِبا في طَلَلٍ يَبابِ

بَل عَدِّهِ لِلمَشهَدِ الجَوّابِ

وَصاحِبٍ يُدعى أَبا اللَبلابِ

قُلتُ لَهُ والنُصحُ لِلصِحابِ

لاتَخذُلِ الهاتِفَ تضحتَ الهابِ

وَاِنبِض إِذا حارَبتَ غَيرَ نابِ

يا عُقبَ يا ذا القُحَمِ الرِغابِ

وَالنائِلِ المَبسوطِ لَلمُنتابِ

في الشَرَفِ الموفِي عَلى السَحابِ

بَينَ رِواقِ المُلكِ وَالحِجابِ

مِثلَ الهُمامِ في ظِلالِ الغابِ

أَصبَحتَ مِن قَحطانَ في النِصابِ

وَفي النِصابِ السِرِّ وَاللُبابِ

مِن نَفَرٍ مُوَطَّاءِ الأَعقابِ

يُربى عَلى القَومِ بِفَضلِ الرابي

وَأَنتَ شَغّابٌ عَلى الشَغّابِ

لِلخُطَّةِ الفَقماءِ آبٍ آبِ

مِن ذي حُروبٍ ثاقِبِ الشِهابِ

إِذا غَدَت مُفتَرَّةً عَن نابِ

وَعَسكَرٍ مِثلِ الدُجى دَبّابِ

يَعصِفُ بِالشيبِ وَبِالشَبابِ

جُندٍ كَأُسدِ الغابَةِ الصِعابِ

صَبَّحتَهُ وَالشَمسُ في الجِلبابِ

بِغارَةٍ تَحتَ الشَفا أَسرابِ

بِالمَوتِ وَالحُرسِيَّةِ الغِضابِ

كَالجِنِّ ضَرّابينَ لِلرِقابِ

دَأبَ اِمرِئٍ لِلوَجَلى رَكّابِ

لا رَعِشِ القَلبِ وَلا هَيّابِ

جَوّابِ أَهوالٍ عَلى جَوّابِ

يُزجي لِواءً كَجَناحِ الطابِ

في جَحفَلٍ جَمٍّ كَعَرضِ اللابِ

حَتّى اِستَباحوا عَسكَرَ الكَذّابِ

بِالطَعنِ بَعدَ الطَعنِ وَالضِرابِ

ثُمَّتَ آبوا أَكرَمَ المَآبِ

نِعمَ لِزازُ المُترَفِ المُرتابِ

وَنِعمَ جارُ العُيَّلِ السِغابِ

يَهوونَ في المُحمَرَّةِ الغِلابِ

رَحبُ الفَناءِ مُمرِغُ الجِنابِ

يَلقاكَ ذو الغُصَّةِ لِلشَرابِ

بَلجَ المُحَيّا مُحصَدَ الأَسبابِ

يَجري عَلى العِلّاتِ غَيرَ كابِ

مُستَفزِعاً جَريَ ذَوي الأَحسابِ

ما أَحسَنَ الجودَ عَلى الأَربابِ

وَأَقبَحَ المَطلَ عَلى الوَهّابِ

أَبطَأتُ عَن أَصهارِيَ الحِبابِ

وَالشُهدُ مِنّا وَلقَةُ الغُرابِ

وَأَنا مِن عَبدَةَ في عَذابِ

قَد وَعَدَت وَالوَعدُ كَالكِتابِ

فَأَنتَ لِلأَدنَينَ وَالجِنابِ

كَالأُمِّ لا تَجفو عَلى العِتابِ

فَأَمضِها مِن بَحرِكَ العُبابِ

بِالنَجنَجِيّاتِ مَعَ الثِيابِ

فَداكَ كُلُّ مَلِقٍ خَيّابِ

داني المُنى ناءٍ عَنِ الطُلّابِ

إِنّي مِنَ الحَبسِ عَلى اِكتِئابِ

فَاِحسِم تَبَيّاً أَو تَنيلُ ما بي

وَلا يَكُن حَظّي اِنتِظارَ البابِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات