يا ثاويا خلف الرتاج المطبق

ديوان الشريف المرتضى

يا ثاوِياً خَلفَ الرّتاجِ المُطْبقِ

أَعزز عليَّ بِأنّنا لا نلتقي

دخل الزّمانُ كما كرهنا بيننا

وَرمَى اِجتِماعاً بيننا بتفرّقِ

وودِدْتُ لمّا قلتُ قد فارقتُهُ

تحتَ الجَنادل أنّنِي لم أصدقِ

وطرحتُه متسربلاً نَسْجَ الثّرى

في قعر مُسودّ الجوانبِ ضيّقِ

وفعلتُ فيه وإنّنِي شَفِقٌ به

لمّا يئستُ فِعالَ غيرِ المشفقِ

ورجعتُ عنه كأنّنِي لم ألقه

وكأنّنِي بنسيمه لم أعْبَقِ

أبكي وليس يردّ ميتاً ماضياً

جَزَعي عليه ولا طويلُ تحرُّقي

وسَرقتُه مِنْ بين مَنْ حرّمته

ففقدتُه فوددتُ أنْ لم أسرِقِ

أَينَ الّذينَ بَنوا رفيعاتِ البنا

مِن بارقٍ وسَدِيرِه وخَوَرْنَقِ

ومَنِ اِبتني الهَرَمين ثمَّ علاهما

بالعَصْب والدّيباج والإستبرقِ

أم أين مَن أعلا بنا إيوانِهِ

عزّاً كَنجمٍ في السّماءِ محلّقِ

وَتَرى اللّيالي بكرةً وعشيّةً

خَضِلَ الأصائلِ منه غضَّ الرَّونَقِ

كانت تفتّحُ للثّرا أبوابُه

فثناه مصرعُه ببابٍ مُغلَقِ

وَلَكَمْ تَوسّد في القِلالِ نمارقاً

فالآن نوسدُه صَعيدَ الأبرقِ

ومتوّجٍ بمرصّعٍ من عَسْجَدٍ

بوغاؤه في اللحْدِ تاجُ المَفْرَقِ

تَهتَزّ فوق شَواتِه في حفرةٍ

من بعد ألْوِيَةٍ غُصونُ العِشْرِقِ

سوَّى الرّدى بين الرّجال فباسلٌ

كمجبّنٍ ومُمَوَّلٍ كالمُمْلِقِ

وَإِذا مَضوا حِزَقاً إلى حُكمِ البِلى

نُبذوا إلى كَفّي سفيهٍ أَخْرَقِ

فجلودُهمْ ببنانِ كلِّ ممزِّقٍ

وعظامهمْ في ماضِغَيْ متعرِّقِ

كانوا الحلولَ بكلِّ قصرٍ شاهقٍ

فهمُ الحلولُ بكلّ قفرٍ سَمْلَقِ

وكأنّ فارسَهمْ لِطِرْفٍ ما علا

وخطيبَهمْ في مَحفلٍ لم ينطقِ

قُل للّذي كَنز الكنوزَ لغيره

جَهلاً وجمّع ماله لمفرّقِ

إِنْ كنتَ ما أنفقتَه ضنّاً به

أضحى برغمك في أناملِ مُنفقِ

وإذا البخيل حمى لضنٍّ نفسه

من رزقه فكأنّه لم يُرزَقِ

وَنعى إليَّ الشُّمسيَّ مُخْبِّرٌ

فوددتُ أنّ لسانَه لم يُخلَقِ

وجَهَدتُ كلَّ الجهْدِ وهو مُحقّقٌ

لمقاله أنْ كان غيرَ محقَّقِ

فبليتُ من نجواه لا ناجى بها

بمسهِّدٍ طولَ الدُّجى ومؤرّقِ

وسُلبتُ منه كلَّ خُلْقٍ مُعجِبٍ

وفَقدتُ منه كلَّ شيءٍ مونِقِ

وطلبتُه بين الرّجالِ فلم يكنْ

ولربّ مطلوبٍ بنا لم يلحقِ

وكأنّنِي من بعده ذو قفرةٍ

صَفِرَتْ إداوتُهُ كليلُ الأنيُقِ

ولقد محا آدابَه وعلومَه

منّا الرّدى بالرّغْمِ مَحْوَ المُهْرَقِ

فَكَأنّنا لِكلامِهِ لم نستمعْ

وكأنّنا لعبيره لم ننشَقِ

ولوِ الرّدى ممّا يدافعه الفتى

لدفعتُ عنه بكلّ غالٍ أرْوَقِ

وبكلّ خوّارِ المهزّةِ باترٍ

عَضْبٍ رقيقِ الشَّفْرَتين مُذَلَّقِ

وحطمتُ في دفعي رداك أسنَّةً

فوق الجياد الضُّمَّراتِ السُّبَّقِ

حتّى ألفَّ مثلّماً بمثلَّمٍ

ومن الوشيج مدقّقاً بمدقَّقِ

في غُلْمَةٍ متسرّعين إلى الرّدى

متهجّمين على المقامِ الضيّقِ

من كلّ وضّاح الجبين كأنّه

قمرٌ وممتدِّ القناةِ عَشَنَّقِ

مُتزاحمين فَمنْسِرٌ في مَنْسِرٍ

أو فَيْلَقٍ بضرابه في فيلقِ

لم يشربوا إلّا كؤوسَ قِسِيّهِمْ

أَو يَطعموا إلّا لحومَ المأْزقِ

لِقناهُمُ بين الأضالعِ في الوغى

زَجَلٌ ولا زجلُ الأَباءِ المُحْرَقِ

وإِذا هُمُ طعنوا تريبَ مُجَرَّدٍ

أضحى بنسجِ نقيعه في فَيلقِ

وَصحبتنِي وأنا اِمرؤٌ متدرِّعٌ

درعَ الشّبابِ وبُرْدَةً لم تَخلُقِ

لم تُمحَ مِنّي جِدَّتي ونضارتي

كلّا ولا نَضُبَتْ غضارةُ رونقي

جادتْ عليك سحائبٌ مُنهلَّةٌ

من كلِّ منفتِقِ الكُلى متخرِّقِ

صَخْبِ الرُّعودِ له زماجرُ أخجلتْ

باللّيلِ زَمْجَرَةَ الهِزَبْرِ المُحنَقِ

وَكأنّه متراكماً صُمٌّ هَوَتْ

من شاهقٍ أو جِلّةٌ من دَرْدَقِ

وسقاك ربُّك ليس ما يسقي به

بمُصَرَّدٍ كلّا ولا بمرنَّقِ

ورثيتُ منك أخا فضائلَ لم تزلْ

كالشّمسِ أو كالكوكبِ المتألّقِ

عجزتْ يدي عن أنْ تَبَرَّكَ ميّتاً

فخذ المبرَّةَ كلّها من منطقي

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات