يا بدر بادر إلى المنادي

ديوان محيي الدين بن عربي

يا بدرُ بادر إلى المنادي

كَفيتَ فاشكر ضُرّ الأعادي

قد جاءك النور فاقتبسه

ولا تُعرِّج على السوادِ

فمن أتاه النُّضارُ يوماً

يزهد في الخط بالمدادِ

فقم بوصف الإله وانظر

إليه فرداً على انفرادِ

وحصن السَّمع إذ تنادي

وخلص القول إذ تنادى

والبس لمولاك ثوبَ فقرٍ

كي تحظى بالواهب الجوادِ

وقل إذا جئته فقيراً

يا سّيداً ودّه اعتمادي

اسق شرابَ الوصال صباً

ما زال يشكو صدى البعاد

تاه زماناً بغير قوتٍ

إذ لم يشاهد سوى العباد

فكن له القوتَ ما استمرت

أيّامه الغرُّ باقتصادِ

حتى يموت العذول صبراً

وتنطفي جمرة البعادِ

ويعجب الناس من شخيصٍ

يكون بعد الضلال هادي

من كان ميتاً فصار حياً

فقد تعالى عن النفاد

ما خلع النعل غير موسى

بشرطها عند بطن وادِ

من خلعتَ نعله تناهت

رتبة أقواله السَّداد

فإن تكن هاشميّ ورثٍ

فاسلك بها منهج السَّداد

والبس نعاليك إن من لم

يلبس نعاليه في وهادِ

فهل يساوي المحيط حالاً

من لم ير العينَ في الرمادِ

فميز الحال إذ تراه

في مركب القدس في الغوادي

ورتب العلم إذ يناجي

سرك بالسرِّ في الهوادي

وارقبه في وهم كل سرٍّ

في ساتر إن أتى وبادي

ولا تشتِّت ولا تفرِّق

عبديه من حاضر وبادي

فإن وهبتَ الرجوع فرِّق

بين الحواضر والبوادي

واحذر بأنْ تركب المهارى

إذ تقرن العير بالجواد

لا يحجبنك الشخوصُ واصبر

على مَهماته الشدادِ

وانظر إلى واهبِ المعاني

وقارنِ العينَ بالفؤاد

وأسند الأمر في التلقي

له تكن صاحبَ استناد

و لايغرّنك قولُ عبدي

فالحقُّ في الجمعِ لا ينادي

وإنّ هذا المقام أخفى

من عدم المثلِ للجوادِ

فكنه علماً وكنه حالاً

مع رائح إن أتى و غادي

وكنه نعتاً و لا تكنه

ذاتاً فعين المحال بادي

ولا تكن ذا هوى وحب

فيه فقلب المحب صادي

من بات ذا لوعةٍ محباً

شكا له حرقةَ الجواد

وانظر بعينِ الفراق أيضاً

فيه ترى حكمةَ العِناد

وحكمةُ الحزمِ والتواني

وحكمة السِّلم والجِلاد

فحكمةُ الصدِّ لا يراها

سوى حكيم لها وسادي

وانظر إلى ضاربٍ بعود

صفاة يبس فانساب وادي

واعجبْ له واتخذه حالاً

تجده كالنارِ في الزناد

فالماءُ للروحِ قوتُ علم

والجسم للنار كالمزاد

فإن مضى الماء لم تجده

بدارِ دنياك في المعاد

وإن خَبت ناره عشاءً

فسوّ من مات في المهاد

أوضحتُ سرّاً إن كنتُ حرّاً

كنتُ به واري الزناد

من علم الحقَّ علمَ ذَوقٍ

لم يُقرن الغيّ بالرشاد

فمن أتاه الحبيبُ كشفاً

لم يدر ما لذة الرقاد

مثل رسول الإله إذ لم

يسكن له النومُ في فؤاد

لو بلغَ الزرعُ منتهاه

اشتغل القومُ بالحصاد

أو نازلَ الحصنَ قومُ حربٍ

لبادر الناسُ للجِهادِ

ناشدتك الله يا خليلي

هل فُرش الخزِّ كالقتاد

لا والذي أمرنا إليه

ما عنده الخير كالفساد

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان محيي الدين بن عربي، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات