يأبى الخلي بكاء المنزل الخالي

ديوان البحتري

يَأبى الخَلِيُّ بُكاءَ المَنزِلِ الخالي

وَالنَوحَ في أَرسُمٍ أَقوَت وَأَطلالِ

وَذو الصَبابَةِ ما يَنفَكُّ يُنصِبُهُ

وَجداً تَأَبُّدُ آيِ الدِمنَةِ البالي

كَم قَد صَمِمتُ وَأُذني جِدُّ سامِعَةٍ

عَن عاذِلاتِيَ في لَيلى وَعُذّالي

رَدَّت عَلَيَّ أَحاديثُ الصِبا حُرَقاً

وَقَد تَقَدَّمَ دَهرٌ دونَهُ خالِ

وَما تَوَهَّمتُني أُعطي الزَمانَ رِضاً

بِأَن يَطولَ بِذاكَ العَهدِ إِخلالي

بانَ الشَبابُ فَلا عَينٌ وَلا أَثَرٌ

إِلّا بَقِيَّةَ بُردٍ مِنهُ أَسمالِ

قَد كِدتُ أُخرِجُهُ عَن مُنتَهى عَدَدي

يَأساً وَأُسقِطُهُ إِذ فاتَ مِن بالي

أَسوا العَواقِبِ يَأسٌ قَبلَهُ أَمَلٌ

وَأَعضَلُ الداءِ نَكسٌ بَعدَ إِبلالِ

وَالمَرءُ طاعَةُ أَيّامٍ تُنَقِّلُهُ

تَنَقُّلَ الظِلِّ مِن حالٍ إِلى حالِ

وَمِن غَرائِبِ ما تَأتي الخُطوبُ بِهِ

في أَوَّلٍ مِن صُروفِ الدَهرِ أَو تالِ

أُحدوثَةٌ عَجَبٌ أُنبيكَ عَن خَبَري

فيها وَعَن خَبَرِ الشاهِ بنِ ميكالِ

فَرَرتُ مِنهُ حَياءً مِن قُصوري عَن

جَزاءِ ما زادَ في جاهي وَفي مالي

لِم لَم أُعَوِّضهُ شُكراً عَن تَطَوُّلِهِ

إِذ لَم أُكايِلهُ إِفضالاً بِإِفضالِ

وَفي القَوافي إِذا سَيَّرتُها عِوَضٌ

لِأَجوَدينَ وَتَنكيلٌ لِبُخّالِ

كَالنورِ أَوقَدَهُ طَلُّ الرَبيعِ ضُحىً

في عاطِلٍ مِن رِياضِ الحَزنِ أَو حالِ

لَم تَغلُ وَهيَ غَداةَ البَيعِ مُثمِنَةٌ

إِنَّ الرَخيصَ الَّذي يُلغى هُوَ الغالي

وَما أَبوغانِمٍ عَمّا تُهيبُ بِهِ

إِلَيهِ بِالمُقتَضي سَعياً وَلا الآلي

عَلَيهِ سيما مِنَ العَلياءِ بانَ بِها

مِن غافِلينَ عَنِ العَلياءِ أَغفالِ

سَأَلتُ عَن أَصدِقاءِ الصِدقِ مُؤتَنِفاً

وَقَد تَرى عَدَمي مِنهُم وَإِقلالي

أَشيمُ مِنهُم بُروقَ الخُلَّباتِ فَهَل

شَخصٌ يُخَبِّرُنا عَن بارِقِ الخالِ

وَالناسُ كَالشَجَرِ البادي تَفاوُتُهُ

وَقَد تَرى بُعدَ بَينِ النَبعِ وَالضالِ

تَصَرَّمَ الخَيرُ أَم زالَت بَشاشَتُهُ

أَمِ اِضمَحَلَّت لَياليهِ مَعَ الآلِ

لَولا خِلالُ مِنَ الشاهِ اِستَبَدَّ بِها

لَأَصبَحَ الجودُ فينا كاسِفَ البالِ

إِذا اِستَقَلَّتهُ جُردُ الخَيلِ أَقدَمَها

سَبطاً يَفوتُ سِنانَ الصَعدَةِ العالي

وَإِن مَشى في فُضولِ الدِرعِ قَلَّصَها

مُبَجَّلٌ بَينَ تَشميرٍ وَإِسبالِ

غَمرٌ كَفاني وَلَم أَخطُب كِفايَتَهُ

نَصَّ المَطِيِّ عَلى أَينٍ وَإِعمالِ

آمَنَني غَولَ أَوجالي وَجاوَزَ بي

في كُلِّ مُطَّلِبٍ غاياتِ آمالي

وَقَد عَهِدتُ اللَيالي وَهيَ جاهِدَةٌ

تَسعى عَلَيَّ فَعادَت وَهيَ تَسعى لي

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات