وصال الشمس يهدي الاحتراقا

ديوان ناصح الدين الأرجاني

وِصالُ الشَّمسِ يُهْدي الاِحْتراقا

فما حُرِقَ المُديمُ لها فِراقا

وقَبليَ لم يَر الرّائي هَباءً

بعيداً من سَنا شَمْسٍ تُلاقى

ولا جَسداً تناءَتْ منه روحٌ

ويَبقى بعدَها حيّاً فُواقا

ولكنْ مَدّ من أجلي وجُودي

لروحي بعدُ بالقلبِ اعْتلاقا

وممّا شاقَني إيناسُ نارٍ

كلمْعةِ بارقٍ علَتِ البُراقا

تَلوحُ بعيدةً وأَبِيتُ لَيْلي

كأنّي واطِئٌ فيها اشْتِياقا

وما نارٌ بأخْمَصِ مُستهامٍ

كنارٍ منه في الكَبِد احتراقا

أُشاقُ إلى العُذَيْبِ وساكنيهِ

وقَلّ إلى الأحبّةِ أن أُشاقا

على أنّي إذا ازدَدتُ اشتياقاً

إلى الأحبابِ أزدادُ اعْتياقا

يُقَيِّدُ صُدْغُ ذاتِ الخالِ منّي

فؤاداً ما تَخافُ له إباقا

وفَرّقَ لي فراقُهمُ جفوناً

بهِنّ لنا تَلاقٍ لو تَلاقى

أبِيتُ وأنجمٌ في الجوِّ تَسْري

نَدامَى طُولَ ليلتِها تَساقى

إذا فَرّغْنَ كأسَ كرىً لعَيْني

ردَدْتُ الكأسَ من دَمْعي دِهاقا

ولم أنسَ الرّكائبَ وهْي تُحْدَى

وقد عزَموا معَ الصُّبْحِ انطِلاقا

ببيضٍ في الهَوادج مُغْمَداتٍ

يُرَجِّى النّاظرون لها انْدِلاقا

ومذْ فتَن الفتى تَسليمُ سلْمَى

بعَيْنٍ أو بحاجبٍ استِراقا

تُسمّي الشّمسُ من حَسدٍ سناها

بعَيْنٍ أو بحاجبٍ اخْتِلاقا

تَخَيّرْ من تُصاحبُه فكم مِن

وُثوقٍ عاد آخِرُه وَثاقا

إذا خطَب الصّداقةَ منك كُفْؤٌ

فلا تَطلُبْ سوى صِدْقٍ صَداقا

فقد صَدِئتْ قلوبُ النّاسِ غِشّاً

وقد صُقِلَتْ وجوهُهمُ نِفاقا

أقولُ لناقتي والعيسُ عَجْلَى

يَفُتْنَ الطَّرْفَ كالنّبْلِ اسْتراقا

وقد طَلّقْنَ من فِرْكٍ دُجَيْلاً

وقد راجَعْنَ دِجلةَ والعِراقا

غداً ترعَيْنَ بالزَّوراءِ غَيثاً

بِجَيٍّ بَرْقُه أَبدَى ائْتِلاقا

فما زالتْ بيَ الخَرقاءُ تَسري

وتَطعنُ لَبّةَ الخَرْقِ اخْتراقا

إلى أن شارفتْ بغدادَ حَسْرَى

وجفنُ اليوم يَبْغي الإنطباقا

وقد ضَربَ الأصيلُ بها لصَحْبي

على الآفاقِ من ذهَبٍ رِواقا

وخِلْنا الشّمسَ وهْي تَغيبُ مَلْكاً

عظيماً وُلِّيَ السّبْعَ الطِّباقا

رأى السّلطانَ من بُعدٍ فأبْدى

لحُرِّ الوَجْه بالأرضِ التصاقا

رأى مَلْكاً يُبادِرُ كُلُّ مَلْكٍ

لطَوْقٍ من عُبودتِه اعتناقا

ذُراه لم يَضِقْ عن قاصديهِ

وقد صَغُرَ الفلا عنه وضاقا

كأنّ اللهَ قالَ له مقالاً

غدا لِشُمولِ نائلهِ طِباقا

خلَقْتُ أنا العبادَ أجلْ ولكنْ

أحلْتُ لهمْ عليكَ الاِرتزاقا

مَليكٌ ملهِمُ الأرماحِ عِلْماً

بمن يُخْفي خِلافاً أو وِفاقا

تَشُقُّ له الأسنّةُ مُبْصراتٍ

مَواضعَ يُضمِرُ القومُ الشِّقاقا

إذا ما شَبَّ نارُ الحربِ أَضحَتْ

رؤوسُ عُداتِه شَرَراً تَراقى

يُودِّعُ بعضُها في الجوِّ بعضاً

وَداعاً غيرَ مُصحبةٍ عِناقا

وتَبكي لا بأعينها دماءً

حُسامُك لا الغرامُ لها أَراقا

إذا ما الماءَ أَمطرتِ الغَوادي

مَطْرتَ المالَ والخيلَ العِتاقا

ولا وأَبي الغوادي ما أَراها

تُرقرِقُ أَيضاً الماءَ المُراقا

ولكنَّ السّحابَ متى تَصدَّى

لِيحكي صَوْبَ نائلِكَ اندِفاقا

تَصبَّب كلُّه عَرَقاً لأنْ قد

تَحمّلَ حَمْلَ عِبءٍ ما أَطاقا

عَدوُّك في قَصيّ الأرض يُمْسي

وطَيْفُ قَناكَ يَطعَنُ منه ماقا

خَيالُك لا يُطاقُ له لِقاءٌ

فعَزَّ إذن خُيولُك أَن تُطاقا

سَوابِقُ خِلْتَ أَبطأهنَّ بَرْقاً

إذا طلَب الأعاديَ أَو بُراقا

فلو وجَد الهلالُ له طريقاً

إلى عُلْياكَ كان لها طِراقا

ولمّا عَنّ للفلَكِ التّسامي

رأى بِعدادِ غِلْمتِكَ التحاقا

فسَوَّد في قَباءِ دُجىً وأَبدى

بمَنطَقةِ البُروجِ له انتِطاقا

يَحُثُّ لك الخُطا شَرقاً وغَرْباً

وفيما شِئْتَ يَنْساقُ انْسِياقا

لأبيضَ رقَّ قلباً للرَّعايا

وجَرَّد للعدا بِيضاً رِقاقا

سَوادُ قلوبِ كُلِّ مُلوكِ أَرضٍ

غدا لسوادِ رايتِه لِفاقا

لَهُنَّ الدّهرَ ما ركُزتْ سُكونٌ

فإن نُشِرَتْ تَشابهَتِ اختفاقا

أَمَولَى الخلْقِ دمْ للخلْقِ مولىً

على تَفضيلِه اتّفقوا اتِّفاقا

ومَن في مُلكِه للهِ سِر

لوَ أنَّ صريعَ سُكْرِ هوىً أَفاقا

وفي تَوقيعِه الأعلى دليلٌ

كأنّك بالحديثِ إليه ساقا

إليك المُشتكَى من حادثاتٍ

أَبيَن لأعظُمي إلاّ اعْتِراقا

وماهَنةً شكَتْ أَيّامُ دَهري

ولم تَمْلِكْ لعَبْرتها اسْتِباقا

تَجُرُّ ذيولَ أَخلاقٍ وتَرْجو

لها من زِبْرِجِ الدُّنيا خَلاقا

فقلتُ ثِقي فمِن أَثمانِ نُطْقي

غداً أَكسوكِ مِن دُرٍّ نطاقا

فَسُوقُ الشِّعْرِ مُذْ أَصغَى إليه

مُغيثُ الدّينِ عاودَتِ النَّفاقا

وأَدنَىنظرةٍ منهْ ستُبْدي

لأحوالي كأقوالي اتِّساقا

فَيحْكي قلبُ حاسدِيَ المُعنَّى

شَبا قَلَمي منَ الغَيْظِ انْشِقاقا

ووُدّي لو لَزِمْتُ ذُراهُ عُمري

وعَبْدُ العِزِّ لا يَهوَى العِتاقا

وحيث أَقمْتُ عَجْزاً عنه سارَتْ

مَدائحُ رَقّ مُبدَعُها وَراقا

فلِمْ لا يَعْتلي فيفوقُ مَدْحٌ

بمَمْدوح لأهْلِ الأرضِ فاقا

فلا تَر شمسُ دَولتِه كُسوفاً

ولا يَر بَدْرُ غُرَّتِه مُحاقا

فلَم أَر تاجَ مكرمةٍ سِواهُ

به تَرصيعُ دُرِّ المَدْح لاقا

له الأوصافُ كالرّاحِ ارتشافاً

لواصِفها وكالمِسْكِ انتِشاقا

فنَأْخُذُ من جلائلها نَصيباً

ولا نُحصي مَعانَيها الدَّقاقا

فإن حُمدَتْ طَرائقُه فنَلْقَى

من الحمدِ اسْمَه الأعلَى اشْتِقاقا

أسلطانَ الورى محمودُ خُذْها

صُراحاً من دُعائي لا مِذاقا

مَنِ اسمُك وصْفُه في كلِّ حالٍ

لشَمْلِك لا أَرى الدُّنْيا افْتِراقا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات