نزل الأحبة خطة الأعداء

ديوان ناصح الدين الأرجاني

نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ

فغدا لقاءٌ منهمُ بلِقاءِ

كم طعنةٍ نَجْلاءَ تَعرِضُ بالحِمىَ

من دون نَظْرةِ مُقلةٍ نَجْلاء

يا مَعْهدَ الرَشأ الأغَنّ كعَهْدِنا

بالجْزعِ تحت البانةِ الغَنّاء

بك أصبَحتْ سَمْراءُ وهي منَ القنا

في ظلِّ كلِ طويلةٍ سَمْراء

هل تُبلِغانِ ليَ الغداةَ تحيّةً

تُهدَى على حَذَرٍ منَ الأحياء

إنْ تبلُغا شَرَفَ العُذَيبِ عشيةً

فَتيامناَ عنه إلى الوعساء

وقِفا لصائدةِ الرّجال بدَلّها

فَصفا جِنايةَ عينها الحوراء

وتَحدَّثا سِرّاً فحولَ قبابها

سُمرُ الرّماحِ يَمِلنَ للإصغاء

من كلِّ باكيةٍ دماً من دُونها

يومَ الطّعان بمُقلةٍ زرقاء

وسميعةٍ صوتَ الصّريخِ وإن غدَتْ

مَدعوَّةً بالصعدة الصمّاء

يا دُميةً من دونِ رَفعِ سُجوفها

خوْضُ الفتى بالخيلِ بحْرَ دِماء

خَوفي لإقصاءِ الرّقيبِ لوَ أنّني

أَجدُ الحبيبَ يَهُمُّ بالإدناء

لو ساعدَ الأحبابُ قلتُ تجلُّداً

أَهوِنْ عليّ برِقبةِ الأعداء

ولئن صدَدْتِ فلستُ أوّلَ خاطيءٍ

يَتوقَّعُ الإحسانَ من حسناء

هل تأذنين لمُغرمٍ في زَورةٍ

فلعلّها تَشفي من البُرحاء

فلقد ملكْتِ عنِ السُّلوِّ مقادتي

وحشوت من نارِ الجوى أحشائي

وصبَرْتُ عَشراً عنكِ مُذْ شَطَّ النّوى

والعِشْرُ أقصى غايةِ الإظماء

ولقد كَتَمتُ عنِ العَذول صَبابتي

لكنّ دَمْعيَ لَجَّ في الإفشاءِ

فلْيهنأِ الغَيرانَ أنّ صدودَها

مِمّا يُروّحُ مَعشراً وبكائي

قُولا لخائفةٍ علينا رِقْبةً

ووِشايةً من معشرٍ بُعَداء

دَمْعي وبُخْلُكِ يَسلُكانِ طريقةً

تُغْنِي عنِ الواشينَ والرُّقَباء

وبمَسْقِطِ العلَمَيْنِ من طُررِ الَّلوى

دِمَنٌ شكَوْنَ تَطاوُلَ الإقواء

كَررّتُ ألحاظي إلى عَرَصاتها

وذكَرتُ عهْدَ أولئك القُرناء

وسقَيْتُ صاديَ تُرْبِها بمَدامعٍ

تَنهلُّ مثْلَ الدِيمةِ الوطْفاء

والدّمعةُ البيضاءُ قَلّتْ عندَها

فمَطرتُها بالدّمْعةِ الحَمراء

فكَمِ التجَرُّعُ للتّحسُّرِ أن خلا

من ساكنيهِ مُنحنَى الجَرْعاء

صبْراً وإنْ رحَل الخليطُ فإنّما

ذُخِرَ العَزاءُ لساعة الأرزاء

واسألْ عِتاق العيسِ إن ثَوّرْتَها

سَيراً يمزّقُ بُردةَ البيداءِ

فعَسى المطايا أن يُجدِّدَ وخْدُها

لك سَلوةً بزيارةِ الزَّوراءِ

فوسَمتُ أغفالَ المهامةِ واطئاً

وجَناتِها بمناسمِ الوجنْاء

حتّى أُنيخَ بشّطِّ دجلةَ أَينُقى

والجَوُ في سمْكٍ من الظّلماء

والجسْرُ تَحسَبُه طِرازاً أسْوداً

قد لاح فوق مُلاءةٍ بيضاء

والّليلُ قد نَسخ الكواكبَ نُسخةً

للأرضِ غير سقيمةِ الأضواء

والأصل للخضراء فهْوَ بِكَفّها

وبهِ تُقابِلُ نُسخةَ الغَبراء

فكأنّما الفَلَك المُدار بمَشْقِها

أبدى كتابتَه لعَيْنِ الرائي

أًمسى وقد نسخَ السّماءَ جميعَها

من حِذْقِه في صَفحةٍ للماء

كي يَخْدُمَ المولَى المُعين لو ارتضَى

بالنسْخِ في ديوانِ الاستيفاء

ولو ارتَضاه خادماً لرأى له

ماذا يُضاعَفُ من سناً وسنَاء

مَن ظَلَّ بين يدْيهِ أدنى كاتبٍ

تَلْقاه واطىء هامةِ الجوزاء

مَن بلَّغ الأقلامَ فوق مدى القنا

للمُلْكِ يومَ تَطاعُنِ الآراءِ

مَن حَلَّ من درَجِ الكِفاية غايةً

أَعيا تَمَنّيها على الأكْفاء

بخلائقٍ خُلِقَتْ لإدْراك العُلا

وطَرائقٍ حَظيَتْ بكُلّ ثناء

ويدٍ تَشِحُّ بذرّةٍ إن حاسبَتْ

وببذرةٍ منها أقَلُّ سَخاء

إنْ لم ُيُسامِحْ ثَمّ فاطْلُبْ رِفْدَه

لِيُريك كيف سَماحةُ السَّمحاء

مَلِكٌ يَشُبُّ لبأَسِه ولجودِهِ

ناريْنِ في الإصباح والإمساء

قَسمتْ يَداه عُداتَه وعُفاتَه

قسمْينِ للإغْناء والإفناء

ذو هِمّةٍ تَلْقى معَالمَ دارِهِ

مَعمورةً أبداً من العُلماء

تتناثَرُ الدُّررُ الثّمينةُ وسْطَها

قُدّامَهُ بتَناظُرِ النُّظراء

وكأنّ بدراً في أسرّة وجْهِه

للنّاظرِين يُمدُّهم بضياء

تَتزعزع الأعطافُ منه هِزّةً

عند استماع تلاوِة القُرّاء

فمسائل الفقهاء مُنشَدةٌ على

آثارهنَّ مدائح الشُّعراء

هذي المكارمُ والمعالي الغُرُّ لا

شدو القيان وضجّة الندماء

لله مختص الملوك فلم تزل

تَختَصُّ هِمَّتُه بكُلِّ علاء

من دوحةٍ للمجدِ عاليةِ الذُّرا

يوم الفخارِ مديدةَ الأفياء

كلٌّ رأى كَسْبَ الثّراء غنيمةً

فأَبتْ يداه غير كَسْبِ ثنَاء

ولأحمدَ بنِ الفضلِ شيمةُ سُؤْددٍ

وقفَتْ عليه مَحامِد الفُضلاء

قد أصبح ابنَ الفضل فهْو يبرُّه

برَّ البنين لما جِدِ الآباء

ويَظَلُّ يكرِم مَن إليه يَنتحي

مِن زائريه كرامَةَ النُّسباء

فالفضلُ قَرَّتْ عَينُه بك يا ابنَه

إذ كنتَ من أبنائه النجباء

يا مُحسناً بيَدِ النّدى بين الورى

تَقليد جيدِ الهمّةِ العَلياء

للهِ درُّك من فتَىً علْياه في

وجهِ الزّمان كغُرّةِ الدَّهْماء

يا مَن إلى بيتٍ تَحُلُّ فناءه

يُمسى ويُصبح حَجُّ كُلِّ رجاء

أضحَى الرّجاءُ إلى ذُراك وجُوهه

مَصروفَةً من سائر الأرجاء

ومن العجائبِ أنَّ كَفَّك لم تزلْ

كالبحرِ يومَ الجُودِ فَرْطَ عطاء

والبحر أسماء له معروفة

والكَف لم تَكُ قطُّ في الأسماء

أمّا جَداكَ فمِن فِنائك قد سَرى

حتّى أتاني نازلاً بِفنائي

وأنا بأرضِي للمُقامِ مُخَيمٌ

وركائبي مَعقولةٌ بإزائي

فَبِكَمْ على صِلَةٍ أجيءُ وراءها

تُربِي إذا صلةٌ تَجِىء ورائي

والذِّكْرُ منك على المغيبِ مُفرِّحى

والمالُ أصغَرُ نائلِ الكُبَراء

فلأَشكُرنّكَ ما صنَعْتَ مُواصِلاً

شُكْرَ الرّياضِ صنائعَ الأنواء

ولأّحبُوّنّكَ من حِبائكَ جازياً

بسَماعِ كُلّ قصيدةٍ غَناء

غَنّى بها راوٍ وأغنى مُنِعمٌ

فاستُطرِبَتْ لِغنىً لها غَرّاء

أنا ألأمُ اللُّؤماء إن لم أجتهِدْ

في حُسْنِ مدحةِ أكرمِ الكرماء

يا بادِئاً بالمكرماتِ وفعْلُه

في العَوْدِ أكرَمُ منه في الإبداء

ما فوقَ يَومكَ في الجَلالِ لدى الوَرى

إلاّ الغَدُ المأمُولُ للعلياء

فاسلَمْ لأبناء الرّجاء سلامةً

مَوْصولةً بتَظاهُرِ النّعْماء

أرضَيْتَ بالنُّصْحِ الإمامَ وإنّما

يُرضِي الأئمّةَ طاعةُ النُّصَحاء

وبَلاكَ سلطانُ الأنامِ فما رأى

لك مُشْبِها يا أَعظَمَ الأُمَناء

ولئن غدوْتَ وأنت مالك دولةٍ

فلقد سَبقْتَ لها إلى الإحياءِ

المُلْك مَغْنىً أنت آهِلُ رَبْعهِ

لامَلَّ يوماً منك طُولُ ثَواء

والدّهرُ كالعِقْدِ المُفصَّلِ نَظمُه

نَسَقاً من البيضاءِ والسّوداءِ

فبَقيِتَ واسطةً له لتَزينَه

ولكَيْ تُحاكِيَه امتدادَ بَقاء

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات