نبه نديمك للصبوح وهاتها

ديوان لسان الدين بن الخطيب

نَبِّهْ نَدِيمَكِ لِلصَّبُوحِ وَهَاتِهَا

كَالشَّمْسِ تُشْرِقُ مِنْ جَميِعِ جِهَاتِهَا

وَاصْرِفْ بِصِرْفِ الرَّاحِ هَمّاً كَامِناً

وَاحِي السُّرُورَ تَنَعُّماً بِحَيَاتِهَا

صَفْرَاءُ نُسْفِرُ عَنْ حَبَابِ كُؤُوسِهَا

رَقَّتْ فَرَاقَ لَنَا الزَّمَانُ بِذَاتِهَا

أَبْدَى عَلَيْهَا الْمَزْجُ دُرَّ حَبَابِهِ

فَتَخَالُهُ دُرّاً عَلَى لَبَّاتِهَا

وَكَأَنَّمَا بَيْنَ النَّدَامَى أَطْلَعَتْ

بَدْراً بِجُنْحِ اللَّيْلِ مِنْ آيَاتِهَا

أَكْرِمْ بِهَا فَالصًّفْوُ بَعْضُ صِفَاتِهَا

وَتَصَادُقُ الأَعْدَاءِ مِنْ عَادَاتِهَا

مِنْ كَفِّ سَاجِيِةِ الْجُفُونِ كَأَنَّمَا

هَبَّتْ وَفِي الأَجْفَانِ بَعْضُ سِنَاتِهَا

وَلِثَغْرِهَا عِنْدَ ابْتِسَامِ أَقَاحِهِ

بَرْقٌ تَألَّقَ فِي سَنَا وَجَنَاتِهَا

سُقْيا لأِرْبُعِهَا وَإنْ هِيَ أَخْلَقَتْ

دِيَمٌ سَقَتْهَا الْعَيْنُ مِنْ عَبَرَاتِهَا

دَعْ عَنْكَ هِنْداً وَالدِّيَارَ وَمَنْ بِهَا

وَدَعِ الْغَرَامَ يَكُونُ بَعْضَ عُفَاتِهَا

وَانْهَضْ بِمِدْحَتِكَ التِي حَلَّيْتَهَا

بِثَنَا أَميِرِ الْمُسْلِمِينَ وَهَاتِهَا

مَلِكٌ أَعَدَّتْهُ الْخِلاَفَةُ نَاشِياً

وَالذُّعْرُ يبرقُ تَحْتَ حَدِّ ظُبَاتِهَا

فَغَدَا أَحَقَّ بِهَا وَقَامَ بِعِبْئِهَا

وَسَمَا بِأَقْرَبِهَا إِلَى غَايَاتِهَا

وَأَتَاحَ أَنْدَلُساً بِحَدِّ حُسَامِهِ

قَسْراً فَأحْيَا الأَرْضَ بَعْدَ هَمَاتِهَا

وَأَفَاضَ مَاءَ الْعَدْلِ فِي أَقْطَارِهَا

فَنَمَا بِذَاكَ الْمَاءِ غَضُّ نَبَاتِهَا

وَغَدَا بِهَا الْمَعْرُوفُ عُرْفاً جَارياً

فَارْتَاحَتِ الأَيَّامُ مِنْ أَزَمَاتِهَا

حَتَّى السُّيُوفُ غَدَتْ كَبَعْضِ عُفَاتِهِ

سَأَلَتْ فَأَقْطَعَهَا رِقَابَ عِدَاتِهَا

كَيْفَ اهْتَدَى قَبَضَ الْعِنَان بِأَنْمُلٍ

نَشَأَتْ وَلَيْس الْقَبْضُ مِنْ عَادَاتِهَا

يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْعِتَاقَ رِكَابُهُ

وَأَعَزَّ مَنْ حَمَلَتْ عَلَى صَهَوَاتِهَا

بَلَغَتْ مُلُوكَ الرُّومِ عَنْكَ مَهَابَةٌ

فَغَدَتْ تَمُجُّ الرِّيقَ فِي لَهَوَاتِهَا

لاَ غَرْوَ أَنَّ الرُّعْبَ خَامَرَ قَلْبَهَا

فَالأُسْدُ تُخَشَى وَهْيَ فِي أَجَمَاتِهَا

لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ شَمَائِلٌ

غُرٌّ بَدَتْ وَالْحُسْنُ بَعْضُ صِفَاتِهَا

وَمَكَارِمٌ قَدْ أَعْجَزَتْ مَنْ رَامَهَا

تَسْتَغْرِقُ الدُّنْيَا أَقَلُّ هِبَاتِهَا

أَمُحَمَّدٌ أَبْلَيْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ

حُسْنَى بَقَاءِ الذِّكْرِ مِنْ حَسَنَاتِهَا

هَذِي الْجَزِيرَةُ لاَ تَزَالُ عَزِيزَةً

مَحْفُوظَةً بِكَ يَا إِمَامَ وُلاَتِهَا

إِنْ طَافَ شَيْطَانُ الْعِدَى بِسَمَائِهَا

رَجَمَتْهُ شُهْبُ صَلاَتِهَا وَزَكَاتِهَا

لَمَّا دَعَتْكَ لِنَصْرِهَا لَبَّيْتَهَا

وَرَضِيتَ بَذْلَ النَّفْسِ فِي مَرْضَاتِهَا

وَهَزَزْتَ دَوْحَ الْعَزْمِ فِي رَوْضِ الرَّجَا

فَجَنَيْتَ غَضَّ النَّفْسِ فِي مَرْضَاتِهَا

وَحَسِبْتَ بَحْرَ الْمَاءِ كَفَّكَ بِالنَّدَى

فَصَدَمْتَهَا مُسْتَأْنِساً بِهِبَاتِهَا

وَأَتَيْتَ فَعْلَةَ جَدِّكَ الأَرْضَى التِي

لاَ يَرْتَضِي الْعَلْيَاءَ مَنْ لَمْ يَأَتِهَا

فَلْيَهْنِ أَنْدَلُساً قُدُومُكَ إِنَّهُ

حِرْزٌ لَهَا مِنْ طَاغِيَاتِ عُتَاتِهَا

تُنْسِي فَعَالَ أَبِيكَ فِي آبَائِهِمْ

وَالشِّبْلُ نِدُّ الأُسْدِ فِي فَعَلاَتِهَا

فَاللهُ يُخْدِمُكَ الْكَوَاكِبَ عِزَّةً

لَكَ سَعْدُهَا وَالْيُمْنُ مِنْ تَبْعَاتِهَا

وَيُقِرُّ عَيْنَ الْمُلْكِ بِالقَمَرِ الَّذِي

خَضَعَتْ لَهُ الأَقْمَارُ فِي هَالاَتِهَا

هَذِي عَرْوسُ قَصَائِدِي حَلَّيْتُهَا

وَزَفَفَتُهَا بِالسَّعْدِ مِنْ سَاعَاتِهَا

لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُسْلِمينَ فَعِمْ بِهَا

وَلِيَ الْهَنَاءُ عَلَى بِنَا أَبْيَاتِهَا

كَرُمَتْ بِنِسْبَتِهَا إِلَيْكَ فَحَقُّهَا

أَنْ يُعْتَنَى بِرَوِيَّهَا وَرُوَاتِهَا

وَعَلَى مَقَامِكُمُ سَلاَمٌ عَاطِرٌ

تُهْدِيه دَارِينٌ لَدَى نَفَحَاتِهَا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات