من شافعي وذنوبي عندها الكبر

ديوان الشريف الرضي

مَن شافِعي وَذُنوبي عِندَها الكِبَرُ


إِنَّ المَشيبَ لَذَنبٌ لَيسَ يُغتَفَرُ


راحَت تُريحُ عَليكَ الهَمَّ صاحِيَةً


وَعِندَ قَلبِكَ مَن غَيِّ الهَوى سَكَرُ


رَأَت بَياضَكَ مُسوَدّاً مَطالِعُهُ


ما فيهِ لِلحُبِّ لا عَينٌ وَلا أَثَرُ


وَأَيُّ ذَنبٍ لِلَونٍ راقَ مَنظَرُهُ


إِذا أَراكَ خِلافَ الصِبغَةِ الأَثَرُ


وَما عَلَيكَ وَنَفسي فيكَ واحِدَةٌ


إِذا تَلَوَّنَ في أَلوانِهِ الشَعَرُ


أَنساكَ طولُ نَهارِ الشَيبِ آخِرَهُ


وَكُلُّ لَيلِ شَبابٍ عَيبُهُ القِصَرُ


إِنَّ السَوادَ عَلى لَذّاتِهِ لَعَمىً


كَما البَياضُ عَلى عِلّاتِهِ بَصَرُ


البيضُ أَوفى وَأَبقى لي مُصاحَبَةً


وَالسودُ مُستَوفِزاتٌ لِلنَوى غُدُرُ


كُنتَ البَهيمَ وَأَعلاقُ الهَوى جُدُدٌ


وَأَخلَقَتكَ حُجولُ الشَيبِ وَالغُرَرُ


وَلَيسَ كُلُّ ظَلامٍ دامَ غَيهَبُهُ


يَسُرُّ خابِطَهُ إِن يَطلَعَ القَمَرُ


أَما تَريني كَصِلٍّ تَحتَ هَضبَتِهِ


بِالرَملِ أَطرَقَ لا نابٌ وَلا ظُفُرُ


مُسالِماً يَأمَنُ الأَقرانُ عَدوَتَهُ


مُلقى الحَنِيَّةِ عَرّى مَتنَها الوَتَرُ


كَالفَرعِ ساقِطَ ما يَعلوهُ مِن وَرَقٍ


وَالجَفنِ أُفرِدَ عَنهُ الصارِمُ الذَكَرُ


إِن أَشهَدِ القَومَ لا أَعلَم نَجِيَّهُمُ


ماذا قَضَوا وَيُجَمجِم دونِيَ الخَبَرُ


كانَ الشَبابُ الَّذي أَنضَيتُ مِندَلَهُ


عِقبَ الخَميلَةِ لَمّا صَوَّحَ الزَهرُ


مِن بَعدِ ما كُنتُ أَستَسبي المَها شَغَفاً


أَمسَت تَروعُ بِيَ الغِزلانُ وَالبَقَرُ


لَم أَدرِ أَنَّ الصِبا تَبلى خَميصَتُهُ


وَأَنَّ مُنصاتَ ذاكَ العودِ يَنأَطِرُ


إِن أُمسِ لا يَتَّقي زَجري وَلا غَضَبي


وَلائِدُ الحَيِّ مَملولاً لِيَ العُمُرُ


فَقَد أَرُدُّ العَفَرنى عَن أَكيلَتِهِ


وَأَزجُرُ الضَيغَمَ الغادي فَيَنزَجِرُ


ما لِلزَمانِ رَمى قَومي فَذَعذَعَهُم


تَطايُرَ القَعبِ لَمّا صَكَّهُ الحَجَرُ


يَنفَضُّ جُمّاعُهُم عَن كُلِّ نائِبَةٍ


كَما تَهالَكَ تَحتَ الميسَمِ الوَبَرُ


ما كانَ ضَرَّ اللَيالي لَو نَفَسنَ بِهِم


عَلى النَوائِبِ وَاِستَثناهُمُ القَدَرُ


أَصبَحتُ بَعدَهُمُ في شَرَّ خالِفَةٍ


مِثلَ السَلى حَولَهُ الذُؤبانُ وَالنَمِرُ


في كُلِّ يَومٍ لِرَحلي عَن نَواقِرِهِم


إِلى المَعاطِبِ مَهواةٌ وَمُحتَفَرُ


أَرُدُّ نَبلَ الأَداني ما رُميتُ بِها


فَهَل إِلى الرَحِمِ البَلهاءِ لي عُذُرُ


وَقَد أَروعُ سَوامَ الحَيِّ راتِعَةً


بِمُقرَبٍ لا يُواري عُنقَهُ الخَمَرُ


إِذا تَوَجَّسَ كانَ القَلبُ ناظِرَهُ


وَالقَلبُ يَنظُرُ ما لا يَنظُرُ البَصَرُ


أَجفو لَهُ الوُلدَ مَذخوراً لَهُ شَفَقِ


عَليهِ دونَهُمُ الرَوعاتُ وَالحَذَرُ


يُمسونَ شُعثاً وَيُمسي في بَلَهنِيَةٍ


كَأَنَّما جَدُّهُ عَدنانُ أَو مُضَرُ


فَفي القُلوبِ عَلى حَوبائِهِ حَنَقٌ


وَبِالعُيونِ إِلى مِضمارِهِ شَرَرُ


مِن عاطِياتٍ تَعالى في أَعِنَّتِها


صَكَّ القِداحِ رَماها القَامِرُ اليَسَرُ


وَاليَومُ عُريانُ مَشهورٌ بِفُرجَتِهِ


يَعتَمُّ بِالنَقعِ أَطواراً وَيَأتَزِرُ


كَأَنَّهُنَّ ذِئابُ القاعِ مُجفِلَةً


لَولا السَبيبُ عَلى الأَعناقِ وَالعُذُرُ


يَطلُعنَ نَزوَ الدَبى العامِيِّ آوِنَةً


أَو مِطرَقَ القَينِ يَنزو تَحتَهُ الشَرَرُ


تَخالُهُنَّ مَزادَ الماءِ أَغفَلَها


بِالدَوِّ رَبطُ العَزالي فَهيَ تَبتَدِرُ


سَواهِماً كَصَوالي النارِ أَلجَأَها


إِلى مَواقِدِها الشَفّانُ وَالقِرَرُ


تَكادُ تَسبُقُ أَيديها نَواظِرَها


إِلى الطَريدَةِ لَولا اللُجمُ وَالعُذُرُ


إِنّي حَلَفتُ بِأَيدي الراقِصاتِ ضُحىً


وَبِالحَجيجِ وَما لَبّوا وَما جَمَروا


وَالرائِحاتِ إِلى جَمعٍ مُحَزَّمَةً


مَرَّ اليَمامِ دَعا أَورادَها الصَدَرُ


تَنوسُ رُكبانُها نَوسَ القِراطِ إِذا


مالَت مِنَ السَهَرِ الأَجيادُ وَالعُذُرُ


وَما أُريقَ بِأَعلى الخَيفِ مِن عَلَقٍ


تُوجى لَهُ البُدُنُ المُلقاةُ وَالجُزُرُ


وَالبَيتِ قالِصَةً عَنهُ ذَلاذِلُهُ


سَومَ المَخيضِ جَلا عَن رُكنِهِ الحَجرُ


لَأُمطِرَنَّ بَني الدَيّانِ دامِيَةً


هَطلى تُذَمَّ بِها الأَنواءُ وَالمَطَرُ


قَلّوا عَناءً وَإِن أَثرى عَديدُهُمُ


وَرُبَّما قَلَّ أَقوامٌ وَإِن كَثُروا


لا يَجبُرونَ عَلى الأَيّامِ مَن وَهَنوا


بِالقارِعاتِ وَلا يَأسونَ مَن عَقَروا


تَمَسَّكوا بِوَصايا اللُؤمِ تَحسَبُهُم


تُتلى عَليهِم بِها الآياتُ وَالزُبُرُ


يا أَعثَرَ اللَهُ أَيدي أَنيُقٍ حَمَلَت


رَحلي إِلى حَيثُ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ


مَنازِلٌ لا يُرَجّى عِندَها أَمَلٌ


عَلى اللَيالي وَلا يُقضى بِها وَطَرُ


مَنابِتٌ سارَ فيها قادِحٌ عَمِلٌ


يَرمي العُروقَ وَعيدانٌ بِها خَوَرُ


مِن كُلِّ وَجهٍ نِقابُ العارِ نُقبَتُهُ


كَالعِرِّ مَرَّ عَليهِ القارُ وَالقَطَرُ


يَصدى مِنَ اللُؤمِ حَتّى لَو تُعاوِدُهُ


أَيدي العُيونِ زَماناً لَاِنجَلى الأَثَرُ


أَبقَوا مَخازِيَ لا تُعفي مَواطِنَها


عَلى البِلادِ فُضولُ الرَيطِ وَالأُزُرُ


ياطَلحَ آمَةَ لاسُقّيتَ مِن شَجرٍ


مُذَمَّمِ الأَرضِ لا ظِلٌّ وَلا ثَمَرُ


كَأَنَّني يَومَ أَستَدريكَ مِن حَذَرٍ


جاني دَمٍ طاحَ لامَنجى وَلا وَزَرُ


سِيّانِ عِندي وَأَيدي الحَيِّ جامِدَةٌ


إِن أَخطَأَ القَطرُ وَاِديهِم وَإِن مُطِروا


ما كُلُّ مُثمِرَةٍ تَحلو لِذايِقِها


إِنَّ السِياطَ لَها مِن مِثلِها ثَمَرُ


أَلومُ مَن لا يَعُدُّ اللُؤمَ مَنقَصَةً


وَضاعَ عَتبُ مُسيءٍ ليسَ يَعتَذِرُ


يا نَفسِ لا تَهلَكي يَأساً وَلاتَدَعي


لَوكَ الشَكائِمِ حَتّى يَنجَلي العُمُرُ


قالوا اِنتَظِرها وَإِن عَزَّت مَطالِبُها


هَل يُنظِرُ القَدَرُ الجاني فَأَنتَظِرُ


أَلقى المَطامِعَ مَبتوتاً حَبائِلُها


لِلرِزقِ وَالرِزقُ لا الداني وَلا القَفِرُ


طَأمِن رَجاءَكَ لا الأَطوادُ مورِقَةٌ


يَوماً وَلا جَندَلُ البَقعاءِ مُعتَصَرُ


لَيلٌ مِنَ الهَمِّ لا يُدعى السَميرُ لَهُ


أَعمى المَطالِعِ لا نَجمٌ وَلا سَحَرُ


أُنَقِّلُ النَفسَ من صَبرٍ إِلى جَزَعٍ


وَالصَبرُ أَعوَدُ إِلّا أَنَّهُ صَبِرُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات