من الظلم أن نتعاطى الخمارا

ديوان الشريف الرضي

مِنَ الظُلمِ أَن نَتَعاطى الخُمارا


وَقَد سَلَبَتنا الهُمومُ العُقارا


وَفينا شَآبيبُ صَرفِ الزَمانِ


تَروى مِراراً وَتَظما مِرارا


تُخَيِّرُني عِفَّتي وَالغِنى


وَمَن لِيَ أَنّي مَلَكتُ الخِيارا


وَلَو أَنَّ لي رَغبَةً في النَوا


لِ أَجمَمتُهُ وَاِجتَدَيتُ البِحارا


وَهَوَّنَ صَولَتَهُ أَنَّني


أَرى العَيشَ ثَوبَ بِلىً مُستَعارا


فَما أَركَبُ الخَطبَ إِلّا جَليلاً


وَلا أَجذُبُ الأَمرَ إِلّا اِقتِسارا


وَكُنتُ إِذا ما اِستَطالَ العَدوُّ


نَثَلتُ عَليهِ القَنا وَالشَفارا


وَكَم لي إِلى الدَهرِ مِن حاجَةٍ


أَبُلُّ بِها ذابِلاً أَو غِرارا


تُجَرُّ إِلَيها ذُيولُ المُنى


وَيَخلَعُ فيها الزَمانُ العِذارا


وَيَومٍ تَخَرَّقتَ فيهِ السُيوفَ


وَخُضتَ إِلَيهِ الدِماءَ الغِرارا


أَثَرتَ العَجاجَ عَليهِ دُخاناً


وَأَضرَمتَ مِن مائِرِ الطَعنِ نارا


وَعانَقتَ مِن بيضِهِ في النَجيعِ


شَقيقاً وَمِن سُمرِهِ جُلَّنارا


وَلَيلَةِ خَوفٍ شِعارُ الفَتى


يُصافِحُ بِالسَمعِ فيها السَرارا


أَبَحنا حِماها أَكُفَّ المَطِيِّ


حَتّى اِنتَهَبنا الرُبى وَالجِرارا


وَأَرضٍ مُقَنَّعَةٍ بِالهَجي


رِ تَنضو مِنَ الآلِ عَنها خِمارا


هَجَمتَ عَلى جَوِّها بِالرِماحِ


تَبني مِنَ الطَلِّ فيها مَنارا


فَما اِرتَعتَ مِن شُعُباتِ الحِمامِ


وَلا خِفتَ فيهِ لِأَمرٍ خِطارا


وَفَلَّلتَ مِن جَنَباتِ الخُطوبِ


بِعَزٍ إِذا جارَ دَهرٌ أَجارا


وَمِمّا يُحَلِّلُ ذَمَّ الزَما


نِ إِقصاؤُهُ الماجِدينَ الخِيارا


أَسَمعي ذُؤابَةَ هَذا الأَنامِ


دُعاءٌ يَجُرُّ عَلَيَّ الجِهارا


ثِقا بِالإِلَهِ فَإِنَّ الزَما


نَ يُعطي أَماناً وَيُمطي حِذارا


وَلا عَجَبٌ أَن يُعيرَ الثَراءَ


فَالمَجدُ أَكرَمُ مِن أَن يُعارا


إِذا سالَمَ المَوتُ نَفسَيكُما


فَلا حارَبَ الدَهرُ إِلّا اليَسارا


أَصابَتكُما نَكبَةٌ فَاِنجَلَت


وَعاوَدتُما العِزَّ إِلّا الدِيارا


وَدَهرٌ يَرُدُّ عَلينا العَلا


ءَ أَجدِر بِهِ أَن يَرُدَّ الغُفارا


أَلَم تَرَ يا مَن رَمَتهُ الخُطوبُ


يَميناً تُنازِعُهُ أَو يَسارا


وَمَن خَوَّضَ الدَهرُ مِن مالِهِ


قَوارِحَ أَحداثِهِ وَالمَهارى


وَما أَكَلَ الخَطبُ مِن عِزِّنا


وَكُنّا لَهُ سَلَعاً أَو مُرارا


بَنَينا مَصادَ العُلى مُصمَتاً


فَبَعثَرَ لِلذُلِّ فيهِ وَجارا


عَقَدنا بِباعِ الرَدى ذِمَّةً


فَحَلَّ الذِمامَ وَفَضَّ الذُمارا


وَنَحنُ نُؤَمِّلُ أَنَّ الزَمانَ


يَرُدُّ الَّذي مِن عُلانا اِستَعارا


وَنَملِكُ أَعناقَ أَحداثِهِ


فَنُلبِسُها مِسحَلاً أَو عِذارا


وَتَجلو غَمايمُها عَنكُما


هُموماً تُظِلُّ القُلوبَ الحِرارا


وَيُعطيكُما اللَهُ نَفسَ الحَسو


دِ رِقّاً مُسَلَّمَةً أَو أَسارى


وَيَرجِعُ شانيكُما شاحِباً


يُنَفِّضُ عَن مَنكِبَيهِ الغُبارا


وَمَن قَمَرَ الدَهرُ أَموالَهُ


قَضى جَدُّهُ أَن يَرُدَّ القِمارا


وَحَسبُكَ كَيداً يُميتُ العَدُوَّ


أَن يَطلُبَ الذُلُّ مِنكَ الفِرارا


لَئِن جُلتُما في مَكَرِّ الزَمانِ


فَبَوّاكُما مِن مَداهُ العِثارا


فَما يَقرَعُ الجَهلُ إِلّا الحَليمَ


وَلا يَنكُثُ الخُرقُ إِلّا الوَقارا


تَفَرَّقَ مالُكُما في العِدى


وَشَخصُكُما واحِدٌ لا يُمارى


وَلَم أَلقَ مُنفَرِداً في الزَمانِ


يُسائِلُ عَن إِلفِهِ أَينَ سارا


سَأَنتَظِرُ الدَهرَ ما دامَ لي


بِوَعدٍ وَأَسأَرُ عِندي اِنتِظارا


لَحى اللَهُ دَهراً كَثيرَ العَدُوِّ


حَتّى الظَلامُ يُعادي النَهارا


تَصَفَّحتُ أَوجُهَ أَبنائِهِ


فَلَم يَجِدِ اللَحظُ فيهِم قَرارا


رَأَيتُ الصَباحَ يَذُمُّ المَسا


ءِ ذَمّي وَيَكرَهُ مِنهُ الجِوارا


وَيَشحَبُ فيهِ عَلى أَنَّهُ


يُبَدِّلُ في كُلِّ يَومٍ صِدارا


فَكونوا كَما أَنا في النائِبا


تِ آبى مَعَ القَدحِ إِلّا اِستِعارا


فَما غَرَّني جودُهُ بِالثَراءِ


وَما زادَني مِنهُ إِلّا نِفارا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات