مدحتكم علما بأن مدائحي

ديوان الشريف المرتضى

مدحتُكمُ علماً بأنّ مدائحي

تضيع وتُذْرى في الرّياحِ العواصفِ

فلم أكُ إلّا موقداً في ظهيرةٍ

بلا صَرَدٍ أو هاتفاً في تنائفِ

وإنّ لكمْ عندي حقوقاً كثيرةً

أبى لِي حِفاظِي مَحْوَها من صحائِفي

جزيتُكمُ عنها ولم تشعروا بها

مراراً بأسبابٍ خِفاءٍ لطائفِ

وَشاطرتُكمْ منّي المودّةَ كلَّها

شطارِيَ ما بين الشّريك المناصفِ

فإنْ لم توفّوا حقَّ ما قيل فيكُمُ

فلم تُبتلوا إلّا بنقصِ العوارفِ

وليتكُمُ لمّا تركتمْ حقوقَها

رَجعتمْ إلى عرفانِ بعض المعارفِ

فما ضرَّ لو أعظمتُمُ ما أتاكُمُ

فلم يَكُ مُولٍ للجميلِ بآسِفِ

وَإلّا تَجمّلتمْ على غير خبرةٍ

فكم ذا غَطَى التّحسينُ سوأَةَ زائفِ

فإن عِفتُمُ ما لم تكونوا عرفتُمُ

فكمُ بُلِيَ العَذْبُ الرِّواءُ بعائفِ

فيا ضيعةً للطّالعاتِ إليكُمُ

طلوعَ المطايا من خلالِ النّفانِفِ

أبيتُ أَروضُ الصَّعْبَ منها وإنّها

تحيصُ شِمَاسَ المائِلِ المتجانِفِ

وأُكرِهها سَوْقاً إليكمْ ولم تزلْ

تحايَدُ عنكمْ بالطُّلى والسّوالِفِ

كأنِّيَ أهديهِنَّ نحو بيوتكمْ

أقود إلى العهّارِ بعضَ العَفائِفِ

أبَيْنَ ولم يأبَيْنَ شيئاً سواكُمُ

وَما كُنّ إلّا ليّناتِ المعاطِفِ

وكنتُ وقد وصّفتُ ما تاه عندكمْ

أوَدُّ وداداً أنّني غيرُ واصفِ

وَما غرّنِي إلّا مشيرٌ بمدحكمْ

وكم عارفٍ يقتادُهُ غيرُ عارفِ

فخالفتُ حزمي سالكاً غيرَ مذهبي

وما كنتُ يوماً للحِجى بمخالفِ

وَكيف اِمتِداحُ المرءِ مَن ليس عنده

مفارقةٌ ما بين مُثنٍ وقاذفِ

له العِرْضُ لا سِلْمٌ به لمديحةٍ

ولا كان يوماً للثّناء بآلفِ

وكم لِيَ فيكمْ من صديقٍ كأنّه

سرابٌ على قِيعانِ بُعدٍ صفاصِفِ

متى يُدعَ يوماً للوغى فهشيمةٌ

تصفّقها أيدي الرّياحِ الرّفارِفِ

أودُّ إذا ما سُمتُهُ النَّصْرَ أنّنِي

أُبدَّلُ منه بالعدوِّ المكاشفِ

وقد كنتُ أرجو طوعَه بنصيحتي

فلا خيرَ في نصحٍ يُساق بعانفِ

فيا لك من ودٍّ تعلّق منكُمُ

سَفاهاً بأسبابٍ ركاكٍ ضعائفِ

سُرِرْتُ به حيناً فلمّا بلوتُهُ

بكيتُ عليه بالدّموعِ الذّوارفِ

وكنتُ إذا ما رابنِي وُدُّ صاحبٍ

وناءَ بأخلاقٍ لئامٍ سخائفِ

قذفتُ جميلاً كان بيني وبينه

وإنْ كنتُ ذا ضنٍّ به في القواذفِ

تريدون مِنّا أن نُسِرّ ولاءكمْ

وفي أنّنا نُبديه كلُّ التّكالُفِ

فلا تسألونا ما تجنّ قلوبُنا

فإِنّ بناتِ الصّدرِ غيرُ خفائفِ

وداويتُمُ منّا خدوشَ جلودِنا

وأعْرَضتُمُ عن أسْوِكُمْ للجوائفِ

فماذا وأنتمْ في الحضيض غباوةً

إذا ضُرِبتْ خيْماتُكمْ في المشارفِ

ولمّا وقفنا ظلّةً بطلولكمْ

رجعنا ولم نظفرْ بمُنْيةِ واقفِ

كأنِّيَ منكمْ فوق غبراءَ قفرةٍ

على ظالعاتٍ من مطيٍّ عجائفِ

يَعُدْنَ عشيّاتٍ ذواتَ تسادُكٍ

وَقد كنّ أصباحاً ذواتَ عجارفِ

فلا تطمعوا في مثلهنّ فإنّما

يصلْنَ لطُلّاعِ الثّنايا الغطارفِ

أُناسٌ يخوضون الرّدى وأكفُّهمْ

تهزّ أنابيبَ القِنيِّ الرّواعفِ

كرامٌ فلا ساحاتُهمْ مستضامةٌ

ولا جارهمْ في النّائباتِ بخائفِ

وَلم يَسكنوا إلّا ظِلالَ عظيمةٍ

وَلَم يأمنوا إلّا خلالَ المخاوفِ

دعِ الذّلَّ في دار الثَّواءِ ولا تُقِمْ

على أَمَلٍ بين البِطاءِ الخوالفِ

وكنْ آنِفاً مِن أنْ تُقيمَ على أذىً

بجنبِ غِنىً فالميتُ ليس بآنِفِ

فخيرٌ من القصر المشيد بجنّةٍ

سُرىً في ظهور اليَعْمَلاتِ الخوانِفِ

إذا ما هَبَطْن الرّملَ رمْلَ مُغَمَّسٍ

زحفن ولا زَحْفَ الصّلالِ الزّواحفِ

حَمَلْن الرَّجا والخوفَ فينا على الوَجا

ونقّلنَ مِنّا كلَّ شاتٍ وصائفِ

لهنّ على وادي مِنيً كلَّ حجّةٍ

بروكٌ وقد قضّين كلَّ المواقفِ

فكمْ قد نجونا من ردىً ذُقْنَ دونه

ليُنجيننا منه ذُعافَ المتالِفِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات