ما للندى لا يلبي صوت داعيه

ديوان ابن نباتة المصري

ما للندى لا يلبِّي صوت داعيه

أظنَّ أنَّ ابن شاد قامَ ناعيه

ما للرجاءِ قد اشْتدَّت مذاهبه

ما للزمانِ قد اسْودَّت نواحيه

ما لي أرى الملك قد فضَّت مواقفه

ما لي أرى الوفد قد فاضت مآقيه

نعى المؤيدُ ناعيه فيا أسفي

للغيثِ كيف غدت عنَّا غواديه

واروعتا لصباحٍ عند رؤيته

أظنُّ أنَّ صباح الحشر ثانيه

واحسرتاه لنظمِي في مدائحه

كيفَ اسْتحالَ لنظمي في مراثيه

أبكيه بالدُّرِّ من جفني ومن كلمي

والبحر أحسن ما بالدُّرِّ أبكيه

أروي بدمعِي ثرى ملك له شيمٌ

قد كانَ يذكرها الصَّادِي فترويه

أذيل ماء جفوني بعدهُ أسفاً

لماء وجهي الذي قد كانَ يحميه

جادٍ من الدمعِ لا ينفكُّ يطلقهُ

من كانَ يطلقُ بالإنعامِ جاديه

ومهجة كلَّما فاهت بلوعتها

قالت رزيَّة مولاها لها إيه

ليتَ المؤيد لا زالت عوارفه

فزاد قلب المعنَّى في تلظِّيه

ليت الحمام حبا الأيام موهبةً

فكانَ يفني بني الدنيا ويبقيه

ليتَ الأصاغر تفدى الأكبرون بها

فكانت الشهب في الآفاقِ تفديه

أعزز عليَّ بأن ألقى عوارفه

ملءَ الزمان وإنِّي لا ألاقيه

أعزز عليَّ بأن تبلى شمائله

تحتَ التراب وما تبلى أياديه

أعزز عليَّ بأن ترعى النجوم على

سرحٍ من الملك قد خلاَّهُ راعيه

هلاّ بغيرِ عماد الدِّين حادثة

ألقت رداه وأوهت من مبانيه

هلاّ ثنى الدهر غرباً عن محاسنِهِ

فكان كوكب سعدٍ في لياليه

ترى درى الدهر مقدار الذي فقدت

من فيضِ أدمعه أحوال أهليه

ترى درى الدهر ما معزى سماحته

فجاءَ مهجته في زيِّ عافيه

لا أعتب الزمن المودي بسيِّدهِ

يكفيه ما قد تولَّى عنه يكفيه

لهفي وهل نافعي لهفي على ملكٍ

بات الغمامُ على الآفاقِ يبكيه

لهفي وهل نافعي لهفي على ملكٍ

كسى الزمان حداداً من دياجيه

لهفي على الملك قد أهوت سناجقه

إلى التراب وقد حُطَّت غواشيه

لهفي على الخيلِ قد وفَّت صواهلها

حقّ العزا فهو يشجيها وتشجيه

لهفي على ذلك السلطان حينَ قضى

من الحمام عليهِ حكمُ قاضيه

لهفي عليهِ لممتار ومطَّلب

بالمالِ يقريه أو بالعلم يقريه

لهفي عليهِ لجودٍ كانَ يعجبه

فيه الملام كأنَّ اللَّوم يغريه

لهفي عليهِ ابن عليّ من ذخائرِهِ

إلا ثناً أضحتْ الدنيا تواليه

لهفي عليهِ لحلمٍ كانَ يبسطهُ

على العفاةِ ومدحٍ كانَ يجنيه

كانَ المديح له عرساً بدولتِهِ

فأحسن الله للشعرِ العزا فيه

كانَ الفقير إذا أمرَ الزمان بغى

عليه قامَ إلى السلطانِ يُنهيه

كانَ المؤيد في يومي ندى وردَى

غيثاً لراجيه أو غوثاً للاجيه

تروى صحاح القضايا عن براعتِهِ

والنصر في الحربِ يروي عن عواليه

من للعلومِ وللأعلامِ ينشرها

وللوغَى ورداء الخوف يطويه

من للكسيرِ من الأهوالِ يجبرهُ

وللطريدِ من الأيامِ يأويه

من للتصانيفِ أمثال الكواكب في

ليلِ المداد لساري الفكر يهديه

مضَى وقد كانَ عضباً للزمانِ فيا

لهفي على مغمدٍ في التربِ ماضيه

لو أمكنَ الصبر عنهُ ما أنستُ به

فكيفَ والحزنُ من أحشاي ينعيه

آهاً لأحمر دمعٍ بعد أشهبه

أجراهُ حتَّى لقد أفناه مجريه

أفنى المؤيد تبر الدمع من بصرِي

وتلكَ عادته في التبرِ يفنيه

كيفَ السلوُّ وحولِي من صنائعه

ما يمنع الصخر من أدنى تسلّيه

هذي حماة أغصَّ الهمُّ وادِيها

وطاوعَ الحزن فيه دمع عاصيه

كأنَّه اسْتشعر الأحزان من قدمٍ

فللنواعيرِ نوح في نواحيه

هذي المنازل والدنيا معطلة

كأنها اللفظ خالٍ من معانيه

جادَ الحيا قبرهُ الزاكي فلا برحت

سحائب العفو والرضوان تسقيه

نعم السحائب تسقي صوب وابلها

نعم الضريح ونعم المرء ثاويه

مهنَّأ بجنانِ الخلد دانيه

ونحنُ نصلى بنارٍ من تنائيه

من كانَ يتعب في المعروف راحته

فهو المنى بترحيبٍ وترفيه

يا آل أيوب صبراً إنَّ إرثكمو

من اسم أيوب صبر كانَ ينجيه

هي المنايا على الأقوامِ دائرة

كلٌّ سيأتيه منها دورُ ساقيه

هيَ المقادير هذا الأصل تنزعه

بعد النموِّ وهذا الفرع تنميه

كأنني بسليلِ المكرمات وقد

سعى بحقِّ تراث الملك ساعيه

محمد وهو اسمٌ عنه مشتهر

ولى به بيت إسماعيل ينشيه

يا ناصر الدِّين أنتَ الملك قد قرأت

علائم الملك فيه عين رائيه

ومن أبيكَ تعلَّمت الثباتَ فما

تحتاج تذكُّر أمراً أنتَ تدريه

لا تخشَ بيتكَ أن يلوِي الزمان بهِ

فإنَّ للبيتِ ربًّا سوفَ يحميه

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن نباته المصري، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات