ما للجبال الراسيات تسير

ديوان صفي الدين الحلي

ما لِلجِبالِ الراسِياتِ تَسيرُ

أَفآنَ بَعثٌ لِلوَرى وَنُشورُ

أَم زالَتِ الدُنيا فَيَذبُلُ يَذبُلٌ

مِنها وَيَدعي بِالثَبورِ ثَبيرُ

أَم أَخبَرَت أَنَّ اِبنَ أَيّوبٍ قَضى

فَتَكادُ مِن حُزنٍ عَليهِ تَمورُ

الأَفضَلُ المَلِكُ الَّذي لِفَخارِهِ

ذَيلٌ عَلى هامِ السُهى مَجرورُ

ذو الرُتبَةِ العَلياءِ وَالوَجهِ الَّذي

مِنهُ البُدورُ تَغارُ ثُمَّ تَغورُ

يَسخو وَصَوبُ المُزنِ يَحبِسُ قَطرَهُ

عَنّا وَيَعدِلُ وَالزَمانُ يَجورُ

فَإِذا سَخا ذَلَّ النُضارُ بِكَفِّهِ

كَرَماً وَعَزَّ لَهُ الغَداةَ نَظيرُ

يَروي حَديثَ الجودِ عَنهُ مَعَنِّفاً

فَحَديثُهُ بَينَ الوَرى مَأثورُ

جَمَعَ الثَناءَ وَإِنَّهُ إِلّا عَلى

جَمعِ النُضارِ إِذا يَشاءُ قَديرُ

مِن مَعشَرٍ ما شَكَّ طالِبُ جودِهِم

أَنَّ الثَناءَ عَليهِمُ مَحصورُ

قَومٌ إِذا صَمَتَ الرُواةُ لِفَضلِهِم

أَثنى عَليهِم مِنبَرٌ وَسَريرُ

أَخَنَت عَلَينا الحَدِثاتُ بِرُزئِهِ

وَالرُزءُ بِالمَلِكِ الكَبيرِ كَبيرُ

وَعَلا النَعيَّ لَهُ وَكانَ إِذا بَدا

يَعلو لَهُ التَهليلُ وَالتَكبيرُ

عَمَّ الخَلائِقَ حُزنُهُ فَقُلوبُهُم

بِالحُزنِ مَوتى وَالجُسومُ قُبورُ

عَفُّ الإِزارِ فَلا يُلاثُ بِزَلَّةٍ

فَيُقالَ إِنَّ هِباتِهِ تَكفيرُ

طالَت إِلى الحُسنى يَداهُ وَخُطوُه

نَحوَ المَعاصي وَاللِسانُ قَصيرُ

يَتَطَهَّرُ الماءُ القَراحُ بِغَسلِهِ

وَبِطيبِهِ يَتَعَطَّرُ الكافورُ

أَينَ الَّذي كَسَبَ الثَناءَ بِسَعيِهِ

لِتِجارَةٍ في المَجدِ لَيسَ تَبورُ

أَينَ الَّذي ساسَ البِلادَ بِخاطِرٍ

كَالبَحرِ لَيسَ لِصَفوِهِ تَكديرُ

أَينَ الَّذي عَمَّ الأَنامَ بِأَنعُمٍ

يُطوى الزَمانُ وَذِكرُها مَنشورُ

يا غائِباً أَخفى التُرابُ جَمالَهُ

عَنّا وَأَنعُمُهُ لَدَيَّ حُضورُ

وَمُسافِراً وَلّى فَطَوَّلَ نَأيَهُ

وَنَرى المُسافِرَ فَرضُهُ التَقصيرُ

لَقَدِ اِستَقَمتَ كَما أُمِرتَ وَأَمرُكَ ال

عالي فَأَنتَ الآمِرُ المَأمورُ

رَأيٌ حَمَيتَ بِهِ حُماةَ وَأَهلَها

وَرَعى المَمالِكَ سَعيُكَ المَشكورُ

ما زالَ وَفرُكَ لِلعُفاةِ مُعَرَّضاً

أَبَداً وَعَرضُكَ بَينَهُم مَوفورُ

ما خِلتُ أَنَّ نَداكَ تُقلِعُ سُحبُهُ

عَنّا وَيَنضُبُ بَحرُهُ المَسجورُ

أَفَإِن أُصِمُّ صَداكَ عَنّي إِنَّ لي

مِنكَ الصَدى المَهموزُ وَالمَقصورُ

سَمِعَت بِمَقدِمِكَ الجِنانُ فَزَخرَفَت

وَتَباشَرَت وَلَدانُها وَالحورُ

لَم تَثنِ عَنكَ الغاسِلونَ عِنانَها

إِلّا أَتاكَ مُبَشِّرٌ وَبَشيرُ

وَغَدَت تَقولُ العالِمونَ وَقَد بَكَت

عِلماً بِلَذَّةِ ما إِلَيهِ تَصيرُ

تَبكي عَلَيهِ وَما اِستَقَرَّ قَرارُهُ

في اللَحدِ حَتّى صافَحَتهُ الحورُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات