ما الراح إلا روح كل حزين

ديوان ابن معتوق الموسوي

ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ

فأزِلْ بخَمْرَتِها خُمارَ البينِ

واِستَجْلِها مثلَ العَروس توقّدَتْ

بعُقودِها وتخلْخَلَتْ بِبُرينِ

واِقْطِفْ بثغرِك وَرْدَ وَجنَتِها على

خدِّ الشقيقِ ومَبسمِ النِسرينِ

واِلثِم عَقيقةَ مِرشَفَيْها راشِفاً

منها ثَنايا اللؤلُؤِ المَكنونِ

روحٌ إذا في فيكَ غابَتْ شمسُها

بزَغَتْ منَ الخدّينِ والعَينينِ

قبَسٌ يُغالِطُنا الدُجى رأدَ الضُحى

فيها ويَصدقُ كاذِبُ الفَجْرَينِ

ما زفّها السّاقي بطائرِ فضّةٍ

إلّا وحلّقَ واقِعَ النّسْرَيْنِ

حاكَتْ زُجاجةُ كأسِها القنديلَ إذ

مِشكاتُها اِتّقدَتْ بلا زَيتونِ

تبدو فيبدو الأفْقُ خدَّ عشيقةٍ

واللّيل لمّة عاشقٍ مَفتونِ

مبنيّةٌ بفَمِ النّزيفِ مَذاقُها

كرُضابِ لَيلى في فم المجنونِ

بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهبَ بَرْدَها

صاغَ الحُبابُ لها سِوارَ لُجينِ

لو كان في حوضِ الغمام محلُّها

لجرى العقيقُ من السحابِ الجونِ

أو لو أُريقَتْ فوقَ يَذبُلَ جرعةٌ

منها لأصبحَ معدِنَ الراهونِ

ومُضارِعٍ للبَدرِ ماضٍ لحظُه

متستّرٌ فيه ضَميرُ فُنونِ

رشأٌ غدَتْ حركاتُ كَسرِ جُفونِه

تَبني على فتحِ السُهادِ جُفوني

روحي له وقْفٌ وألْفُ يَمينِه الْ

مَمْدود مَقصورٌ عليه حَنيني

مهموزُ صُدغٍ كم صحيحِ جوىً غدا

بلَفيفِه يَشكو اِعتِلال العينِ

متفقّهٌ بوِصالِه متوقّفٌ

ويرى القطيعةَ من أصولِ الدينِ

رُؤياهُ مِفتاحُ الجمال وخَصرُهُ

تلخيصُ شرحِ مطوّلِ التّحسينِ

حيّا بزَورَتِه خُلاصةَ صُحبةٍ

وبَدا فأبرزَ مَشرِقَ الشمسينِ

واِفتَرَّ مُحتسياً لها فأبانَ عن

بَرقَينِ مُبتسمين عن سِمطينِ

وشَدا وطافَ بها فأحيا ميّتَ الْ

عُشاقِ في راحَين بل روحَينِ

مَنْ لي بوصلِ مَهاةِ خِدرٍ فارَقَتْ

عيني وظبيٍ أفْلَتَتْهُ يَميني

للّهِ أيّامُ الوِصالِ وحبّذا

ساعاتُ لهوٍ في رُبى يَبرينِ

مَغنىً بحبِّ الساكنين يَسوغُ لي

نظْمُ النسيبِ ونثرُ دُرّ شُؤوني

لا زال يبتسمُ الأقاحُ به ولا

برِحَ الشقيقُ مضرَّجَ الخدّينِ

أحوى كأنّ مياههُ ريقُ الدُمى

وهَواهُ أنفاسُ الحِسانِ العِينِ

ضاهى عُيونَ الغانياتِ بنَرْجِسٍ

وسَما على قاماتِها بغُصونِ

فلكَمْ رشَفْتُ على زُمُرُّدِ رَوضِهِ

زمَنَ الشّبابِ عقيقةَ الزّرجونِ

وأمِنْتُ بأسَ النّائِباتِ كأنّما

برَكاتُ أمسى كافلِي وضَميني

سامي الحقيقة لا يحسُّ نزيلُه

بحوادثِ التّقديرِ والتّكوينِ

بَشَرٌ يريكَ البحرَ تحت رِدائِه

والبدرَ فوقَ سريرهِ المَوضونِ

غيثٌ بنوّارِ الشقيق إذا سَما

تزهو رياضُ المُقتِر المَديونِ

قاضٍ بأحكام الشريعة عالِمٌ

بقواعدِ الإرشادِ والتبيينِ

عدلٌ تحكّم في البلاد فقامَ في

مَفروضِ دينِ اللَّه والمَسنونِ

بلغَ الكمالَ وما تجاوزَ عُمرُه

عشراً وحاز المُلْكَ بالعِشرينِ

خطبَ المعالي بالرِّماحِ فزُوّجَتْ

بكرُ العُلا منه بلَيثِ عرينِ

تلْقى العِدا والوفْدُ منه إذا بدا

تِيهَ العزيزِ وذلّةَ المِسكينِ

سمْحٌ لمن طلبَ الإفادة باسطٌ

ببنانِه وبيانهِ كنزَيْنِ

ما مدَّ راحتَهُ وجادَ بعِلمِه

إلّا اِلتقَطنا لُؤلُؤَ البَحرينِ

لو بالبلاغةِ للنبوّةِ يدّعي

لَغدا وما قُرآنُه بعِضينِ

من مَعشرٍ لهمُ على كلِّ الوَرى

شرَفُ النجومِ على حصى الأرضينِ

سامٍ لمُنصُلِه وشِسْعَيْ نَعلِه

فخرُ الهِلال ورِفعةُ الشّرطينِ

همسَتْ بأصوات الطُغاة فكاد أنْ

لا يستهلَّ بهم لِسانُ جَنينِ

وتيقّنتْ بالثُّكلِ بيضُهمُ فلو

قدرَتْ لما سمَحَتْ لهم ببَنينِ

غضّتْ جلالتُه العيونَ وربّما

نظرتْ إليه فحِرْنَ في أمرَينِ

قبَسٌ جرى بيَدَيْهِ جدولُ صارمٍ

وغَمامةٌ حملَتْ شِهابَ رُدَيْني

عفُّ المآزِر كم ذُكورُ نِصالِه

فيه اِستباحتْ من فُروجِ حُصونِ

قَيلٌ يُصان لديه جوهرُ عِرضِه

والجوهرُ العِرضيُّ غيرُ مَصونِ

لو أنّ كعباً جاءَ يطلبُ ثأرَهُ

لكَبا بسابقةٍ عِثارَ حَرونِ

يُمسي الفقيرُ إذا أتاه كأنّما

غَصَبَ الغِنى من راحتَيْ قارونِ

مَولىً يلوذُ المُذنِبونَ بعَفوِه

ويفُكُّ قيدَ المُجْرمِ المَسجونِ

يا حاديَ العَشرِ العُقولِ وثاني الد

دهرِ المَهولِ وثالث القمَرَينِ

والثابتَ المِغوارَ والقِرْنَ الّذي

لا تستقرّ سُيوفُه بجُفونِ

فلقد أنارَ اللَّه فيكَ نهارَنا

وجَلا الظلامَ بوجهِك المَيمونِ

وكَسا بك الدنيا الجمالَ وزيّن ال

أيّامَ من علياكَ في عِقدَيْنِ

وأبانَ رُشدَ عِبادِه بك فاِهتدَوا

بعد الضّلالِ بأوضحِ النّجدَينِ

فتهنَّ بالعيدِ المُبارك واِغتَنِمْ

أجرَ الصيام وبهجةَ الفِطرَينِ

واِلبَس جَلابيبَ العُلا وتدرّعِ الن

نصْرَ العزيزَ وحلّةَ التّمكينِ

واِستجلِ من فكري عَروساً ما لَها

كُفُؤٌ سواكَ بسائِرِ الثَّقَلَيْنِ

وأبيكَ يا مَنْ حُكِّمَتْ بيَمينه

بيضُ العَطايا في رِقابِ العينِ

لولا حيا كفّيكَ ما حيّا الحَيا

رَوضي ولا ساحَتْ بطاحُ مَعيني

كلّا ولا نِلتُ النّعيمَ ولا نجَتْ

روحي العزيزةُ من عذابِ الهُونِ

بلغَتْ مدى الأقصى لديكَ مطالبي

وأصابتِ الغرَضَ البَعيدَ ظُنوني

لي في معانيكَ اِعتقادُ وِلاً فلَو

كُشِفَ الغِطا ما اِزدادَ فيك يَقيني

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن معتوق، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات