ليالينا بين اللوى فزرود

ديوان البحتري

لَيالِيَنا بَينَ اللِوى فَزَرودِ

مَضَيتِ حَميداتِ الفَعالِ فَعودي

لَقينا بِكِ الدُنيا مَريعاً جَنابُها

وَعَهدُ بَناتِ الدَهرِ جِدُّ حَميدِ

زَمانُ وِصالٍ لَم يُرَنَّق صَفاؤُهُ

بِهَجرٍ وَلَم يَسنَح لَنا بِصُدودِ

سُقينا كُؤوسَ اللَهوِ فيهِ وَحَظُّنا

مِنَ الدَهرِ نَستَحليهِ غَيرَ زَهيدِ

وَطَيفٍ سَرى تَحتَ الدُجى فَنَفى الكَرى

كَرى النَومِ عَن ميلِ السَوالِفِ غيدِ

أَلَمَّ بِخوصٍ كَالقِسِيِّ سَواهِمٍ

وَشُعثٍ عَلى كُثبِ العَقَيقِ هُجودِ

فَباتَ يُعاطيني عَلى غَيرِ رِقبَةٍ

مُجاجَةَ مَعسولِ الرُضابِ بَرودِ

تَذَكَّرتُ أَيّامَ الشَبابِ وَعادَني

عَلى النَأيِ مِن ذِكرِ الأَحِبَّةِ عيدي

وَكانَ سَوادُ الرَأسِ شَخصاً مُحَبَّباً

إِلى كُلِّ بَيضاءِ التَرائِبِ رُوَّدِ

وَيَومَ النَقا وَالبَينُ يَطرِفُ أَعيُناً

ذَوارِفَ لَم تَهمُم أَسىً بِجُمودِ

فَزِعتُ إِلى السُلوانِ فَاِنحَزتُ لاجِئاً

إِلى فَلِ صَبرٍ بِالغَرامِ مَذودِ

أَجِدَّ الغَواني لا تَزالُ تَكيدُنا

بِإِخلافِ وَعدٍ أَو بِنُجحِ وَعيدِ

رَمَينَ فَأَدمَينَ القُلوبَ بِأَعيُنٍ

دَواعٍ إِلى حُكمِ الهَوى وَخُدودِ

إِذا قَيَّدَ العَجزُ الفَتى دونَ هَمِّهِ

فَلَيسَت أَواخي العَجزِ لَي بِقُيودِ

وَمازِلتُ مَضّاءَ العَزيمَةِ أَبتَغي

مَزيداً لِقِسمي فَوقَ كُلِّ مَزيدِ

وَأَعتَدُّ سَعيِي في البِلادِ ذَريعَةً

إِلى مُستَقَرّي وادِعاً وَقُعودي

إِذا ما المَحَطِّيُّنَ حَطَّت رَكائِبي

إِلَيهِم حَمَتني عُدَّتي وَعَديدي

سَراةُ بَني عَمي أَهَبتُ بِنَصرِهُم

وَقَد يَتَثَنّى لِلحَوادِثِ عودي

أَجاروا عَلى الأَيّامِ كُلَّ مُرَوَّعٍ

بِهِنَّ وَآوَوا سِربَ كُلِّ طَريدِ

إِذا شَهِدوا فاضوا وَيُستَمطَرُ الحَيا

بِأَوجُهِهِم في المَحلِ غَيرَ شُهودِ

بِهِم عادَتِ الدُنيا كَأَحسَنِ ما بَدَت

وَهَبَّت رِياحُ الجودِ بَعدَ رُكودِ

خَلائِقُ ماتَنفَكُّ كَيفَ تَصَرَّفَت

رَداً لِعَدوٍّ أَو شَجاً لِحَسودِ

وَما لَهُمُ غَيرَ العُلا وَاِبتِنائِها

مَناقِبُ آباءٍ خَلَت وَجُدودِ

مَليؤونَ جوداً أَن تَضيمَ أَكُفُّهُم

حَيا كُلِّ عَرّاصِ العَشِيِّ رَعودِ

مَعاقِلُهُم سُمرُ القَنا وَكُنوزُهُم

شَريجانِ أَسيافٌ وَقُمصُ حَديدِ

إِذا غَمَراتُ المَوتِ أَدجَت تَكَشَّفَت

بِهِم عَن أُسودٍ زوحِفَت بِأُسودِ

هُمُ أَخمَدوا نارَ العَدوِّ وَأَوقَدوا

مِنَ الحَربِ ناراً غَيرَ ذاتِ خُمودِ

بِشَهباءَ مِن ماءِ الحَديدِ كَأَنَّها

جِبالُ شَرَورى أُضرِمَت لِوُقودِ

تُريكَ إِذا ما الحَربُ غامَت سَماُؤُها

نُجومَ صِعادٍ في سَماءِ صَعيدِ

فَلَم يَبقَ مِن أَعدائِهِم غَيرَ موغِلٍ

بِهِ الخَوفُ أَو نائي المَحَلِّ شَريدِ

يُمَزِّقُهُم وَقعُ الصَفيحِ فَموثَقٌ

أَسيرٌ وَمَسلوبُ الحُشاشَةِ مودِ

مَتى وَتَرَتني النائِباتُ فَجودُهُم

مُديلِيَ مِن أَحداثِها وَمُقَيِّدي

مَواهِبُ ماتَنفَكُّ تُصدِرُ بِالغِنى

وُفوداً مِنَ العافينَ بَعدَ وُفودِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات