لو كان يعتب هاجر في واصل

ديوان البحتري

لَو كانَ يُعتَبُ هاجِرٌ في واصِلِ

أَو يُستَقادُ لِمُغرَمٍ مِن ذاهِلِ

لَحَرِجتِ مِن وَشَلٍ بِعَيني سافِحٍ

وَجَنَفتِ مِن خَبَلٍ بِقَلبي خابِلِ

إِمّا فَرَغتُ إِلى السُلُوِّ فَإِنَّني

مِن حُبِّكُم بِإِزاءِ شُغلٍ شاغِلِ

وَلقَد خَلَعتُ لَكِ العِذارَ فَلَم أَكُن

مُحظي الوُشاةِ وَلا مُطاعَ العاذِلِ

وَلَئِن أَقَمتِ بِذي الأَراكِ فَبَعدَ ما اس

تَعلَقتِ مِن كَمَدٍ فُؤادَ الراحِلِ

ماذا عَلى الأَيّامِ لَو سَمَحَت لَنا

بِثِواءِ أَيّامٍ لَدَيكِ قَلائِلِ

فَأَوَيتِ لِلقَلبِ المُعَنّى المُبتَلى

بِهَواكِ وَالبَدَنِ الضَئيلِ الناحِلِ

أَمَلٌ تَرَجَّحَ بَينَ عامٍ أَوَّلٍ

في أَن أَراكِ وَبَينَ عامٍ قابِلِ

أَولى لَها لَولا البِعادُ لَعادَ لي

ضيقُ العِناقِ عَلى الوِشاحِ الجائِلِ

لِيَدُم لَنا المُعتَزُّ إِنَّ بِمُلكِهِ

عَزَّ الهُدى وَخَبا ضَلالُ الباطِلِ

مازالَ يَكلَأُ دينَنا وَيَحوطُهُ

بِالمَشرَفِيَّةِ وَالوَشيجِ الذابِلِ

يَتَخَرَّقُ المَعروفُ يَومَ عَطائِهِ

عَن جودِ مُنخَرِقِ اليَدَينِ حُلاحِلِ

مُتَهَلِّلٍ طَلقٍ إِذا وَعَدَ الغِنى

بِالبِشرِ أَتبَعَ بِشرَهُ بِالنائِلِ

كَالمُزنِ إِن سَطَعَت لَوامِعُ بَرقِهِ

أَجلَت لَنا عَن ديمَةٍ أَو وابِلِ

تَفديكَ أَنفُسُنا وَقَلَّت فِديَةً

لَكَ مِن تَصَرُّفِ كُلِّ دَهرٍ غائِلِ

لَمّا كَمَلتَ رَوِيَّةً وَعَزيمَةً

أَعمَلتَ رَأيَكَ في ابتِناءِ الكامِلِ

وَغَدَوتَ مِن بَينَ المُلوكِ مُوَفَّقاً

مِنهُ لِأَيمَنِ حِلَّةٍ وَمَنازِلِ

ذُعِرَ الحَمامُ وَقَد تَرَنَّمَ فَوقَهُ

مِن مَنظَرٍ خَطِرِ المَزَلَّةِ هائِلِ

رُفِعَت لِمُنخَرِقِ الرِياحِ سُموكُهُ

وَزَهَت عَجائِبُ حُسنِهِ المُتَخايِلِ

وَكَأَنَّ حيطانَ الزُجاجِ بِجَوِّهِ

لُجَجٌ يَمُجنَ عَلى جُنوبِ سَواحِلِ

وَكَأَنَّ تَفويفَ الرُخامِ إِذا التَقى

تَأليفُهُ بِالمَنظَرِ المُتَقابِلِ

حُبُكُ الغَمامِ رُصِفنَ بَينَ مُنَمَّرٍ

وَمُسَيَّرٍ وَمُقارِبٍ وَمُشاكِلِ

لَبِسَت مِنَ الذَهَبِ الصَقيلِ سُقوفُهُ

نوراً يُضيءُ عَلى الظَلامِ الحافِلِ

فَتَرى العُيونَ يَجُلنَ في ذي رَونَقٍ

مُتَلَهِّبِ العالي أَنيقِ السافِلِ

فَكَأَنَّما نُشِرَت عَلى بُستانِهِ

سيراءُ وَشيِ اليُمنَةِ المُتَواصِلِ

أَغنَتهُ دِجلَةُ إِذ تَلاحَقَ فَيضُها

عَن فَيضِ مُنسَجِمِ السَحابِ الهاطِلِ

وَتَنَفَّسَت فيهِ الصَبا فَتَعَطَّفَت

أَشجارُهُ مِن حُيَّلٍ وَحَوامِلِ

مَشيَ العَذارى الغيدِ رُحنَ عَشِيَّةً

مِن بَينِ حالِيَةِ اليَدَينِ وَعاطِلِ

وَالخَيرُ يُجمَعُ وَالنَشاطُ لِمَجلِسٍ

قَمَنِ المَحَلِّ مِنَ السَماحَةِ آهِلِ

وافَيتَهُ وَالوَردُ في وَقتٍ مَعاً

وَنَزَلتَ فيهِ مَعَ الرَبيعِ النازِلِ

وَغَدا بِنَيروزٍ عَلَيكَ مُبارَكٍ

تَحويلُ عامٍ إِثرَ عامٍ حائِلِ

مُلِّيتَهُ وَعَمِرتَ في بَحبوحَةٍ

مِن دارِ مُلكِكَ أَلفَ حَولٍ كامِلِ

وَرَأيتَ عَبدَ اللَهِ في السِنِّ الَّتي

تَعِدُ الكَثيرَ بِدَهرِها المُتَطاوِلِ

قَمَرٌ تُؤَمِّلُهُ المَوالي لِلَّتي

يَقضي بِها المَأمولُ حَقَّ الآمِلِ

يَرجونَ مِنهُ نَجابَةً شَهِدَت بِها

فيهِ عُدولُ شَواهِدٍ وَدَلائِلِ

وَمَذاهِبٌ في المَكرُماتِ بِمِثلِها

يَتَبَيَّنُ المَفضولُ سَبقَ الفاضِلِ

حَدَثٌ يُوَقِّرُهُ الحِجى فَكَأَنَّهُ

أَخَذَ الوَقارَ مِنَ المَشيبِ الشامِلِ

وَلَقَد بَلَوتُ خِلالَهُ فَوَجَدتُهُ

مُعطى خِلالٍ مِن لَدَيكَ جَلائِلِ

وَسَأَلتُهُ لي آنِفاً فَوَجَدتُهُ

أَندى أَسِرَّةِ راحَةٍ وَأَنامِلِ

يَحكيكَ في كَرَمِ الفَعالِ خَلائِقاً

بِخَلائِقٍ وَشَمائِلاً بِشَمائِلِ

قَدَّمتَ فِيَّ عِنايَةً مَشكورَةً

كانَت لَدَيهِ ذَرائِعي وَوَسائِلي

وَأَرى ضَمانَكَ لِلوَفاءِ وَوَعدَهُ

لا يَرضَيانِ سِوى النَجاحِ العاجِلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات