لون الشبينة أنصل الألوان

ديوان الشريف الرضي

لَونُ الشَبينَةِ أَنصَلُ الأَلوانِ


وَالشَيبُ جُلُّ عَمائِمِ الفِتيانِ


نَبتٌ بِأَعلى الرَأسِ يَرعاهُ الرَدى


رَعيَ المَطِيِّ مَنابِتَ الغيطانِ


الشَيبُ أَحسَنُ غَيرَ أَنَّ غَضارَةً


لِلمَرءِ في وَرَقِ الشَبابِ الآني


وَكَذا بَياضُ الناظِرينَ وَإِنَّما


بِسَوادِها تَتَأَمَّلُ العَينانِ


لَهفي عَلى زَمَنٍ مَضى وَكَأَنَّني


مِن بَعدِهِ كَلٌّ عَلى الأَزمانِ


أَفنَيتُهُ طاغي العُرامِ كَأَنَّما


في أُمِّ رَأسي نَخوَةُ السَكرانِ


يَرجو الفَتى خُلَسَ البَقاءِ وَإِنَّما


جارا حَياةِ العُمرِ مُفتَرِقانِ


مُتَعَرِّضٌ إِمّا لِلَونٍ حائِلٍ


بَينَ الذَوائِبِ أَو لِعُمرٍ فانِ


ما لي وَما لِلدَهرِ قَلقَلَ صَرفُهُ


عَزمي وَقَطَّعَ بَينُهُ أَقراني


وَرَمى بِشَخصي حَرَّ كُلَّ مَفازَةٍ


لا يَستَقِلُّ بِها مَطِيُّ جَبانِ


مُتَغَرِّباً لا أَستَجيرُ بِمَنزِلٍ


فَإِذا نَزَلتُ فَعَقلَةُ الضيفانِ


سَيفي رَفيقي في البِلادِ وَهِمَّتي


مُتَعَلَّلي وَجَوانِحي خُلّاني


يَشكو الحَبيبُ إِلَيَّ شِدَّةَ شَوقِهِ


وَأَنا المَشوقُ وَما يَبينُ جَناني


وَإِذا هَمَمتُ بِمَن أُحِبُّ أَمالَني


حَصَرٌ يَعوقُ وَعِفَّةٌ تَنهاني


لِلَّهِ ما أَغضَت عَلَيهِ جَوانِحي


وَالشَوقُ تَحتَ حِجابِ قَلبِيَ عانِ


ما مَرَّ بَرقٌ في فُروجِ غَمامَةٍ


إِلّا وَأَعدى القَلبَ بِالخَفَقانِ


وَإِذا تَحَرَّكَتِ الرِياحُ تَحَرَّكَت


بَينَ الضُلوعِ غَوامِضُ الأَشجانِ


أَجَمَمتُ لَحظي عِفَّةً وَسَجِيَّةً


أَن لا أَجُمَّ البيضَ في الأَجفانِ


غَيرانُ دونَ العِرضِ لا أَسخو بِهِ


وَالعِرضُ خَيرُ عَقيلَةِ الإِنسانِ


وَأَذودُ عَن سَمعي المَلامَ كَأَنَّهُ


عُصوٌ أَخافُ عَلَيهِ حَدَّ سِنانِ


لي يَقظَةُ الذِئبِ الحَبيثِ فَإِن جَرى


سَفَهٌ فَعِندي نَومَةُ الظَرِبانِ


حَدَثٌ عَلى الأَحبابِ لا أَشكو الَّذي


يَشكو وَلا أَنسى الَّذي يَنساني


أَشكو النَوائِبَ ثُمَّ أَشكُرُ فِعلَها


لِعَظيمِ ما أَلقى مِنَ الخُلّانِ


وَإِذا أَمِنتَ مِنَ الزَمانِ فَلا تَكُن


إِلّا عَلى حَذَرٍ مِنَ الإِخوانِ


كَم مِن أَخٍ تَدعوهُ عِندَ مُلِمَّةٍ


فَيَكونُ أَعظَمَ مِن يَدِ الحِدثانِ


لَولا يَقينُ القَلبِ أَنَّكَ حَبسُهُ


لَعَصى وَهَمَّ عَليكَ بِالعُدوانِ


كَم عَمَّمَتني بِالظَلامِ مَطِيَّةٌ


بَعدَ اِعوِجاجِ عَمائِمِ الرُكبانِ


وَاللَيلُ أَعمى دونَ كُلِّ ثَنِيَّةٍ


وَالدَهرُ غَيرُ مُغَمِّضِ الأَجفانِ


وَكَأَنَّ أَنجُمَهُ أَسِنَّةُ فَيلَقٍ


طَلَعَت بِها صُمُّ الكُعوبِ دَواني


بَطلٌ يُعَمَّمُ بِالحُسامِ مِنَ الأَذى


إِنَّ السُيوفَ عَمائِمُ الشُجعانِ


قَطَعَ الهُوَينا وَاِستَمَرَّ وَإِنَّما


بَعضُ التَوَكُّلِ في الأُمورِ تَوانِ


مَيتٌ يَهونُ عَلى الفَوارِسِ فَقدُهُ


مَن لا يُرِقُّ عَوالِيَ المُرّانِ


ما ضاقَ هَمّاً كَالشُجاعِ وَلا خَلا


بِمَسَرَّةٍ كَالعاجِزِ المُتَواني


ياراكِبَ الهَوجاءِ تَغتَرِفُ الخُطى


طَلَقَ الظَليمِ وَغايَةَ السِرحانِ


أَبلِغ أَميرَ المُؤمِنينَ رِسالَةً


رَوعاءَ نافِرَةً عَنِ الأَقرانِ


أَجزَلتَ عارِفَتي وَعَوَّدتَ العَطا


عَقِبي وَوَلَّيتَ اليَراعَ بَناني


ما ضَرَّني أَن لَو بَعِدتُ عَنِ الغِنى


أَبَداً وَأَنّي مِن لِقائِكَ دانِ


وَيَسُرُّني أَن لا يَراني دائِلٌ


وَمُعَظِّمٌ يَوماً وَأَنتَ تَراني


ذِكراكَ آخِرُ ما يُفارِقُ خاطِري


وَنَداكَ أَوَّلُ وارِدٍ يَلقاني


وَإِذا حَطَطتُ عَلَيكَ أَقسَمَتِ المُنى


أَن لا أُميلَ ذَوائِبَ الكيرانِ


وَتَرَكتُ أَيدي العيسِ غَيرَ مَروعَةٍ


مِن صَفصَفٍ مُتَعَرِّضٍ وَرِعانِ


وَإِذا الفَتى بَلَغَ المُنى مِن دَهرِهِ


عافَ المَسيرَ وَلَذَّ بِالأَوطانِ


أَنتَ المُعينُ عَلى مَآبِبَ جَمَّةٍ


وَجِماحِ حادِثَةٍ وَرَيبِ زَمانِ


وَالمُستَجارُ إِذا تَصافَحَتِ القَنا


بِصُدورِها وَاِلتَفَّتِ الفِئَتانِ


مُتَيَقِّظٌ لا القَلبُ يَفتُرُ هَمُّهُ


يَوماً وَلا الجَفنانِ يَنعَقِدانِ


وَكَأَنَّما صَرفُ الزَمانِ أَعارَهُ


عَينَي قَطامِيٍّ بِرَأسِ قِنانِ


لا يَصحَبُ الأَيّامَ إِلّا راغِباً


في وَصلَتي أَو سائِلاً عَن شاني


في كُلِّ يَومٍ يَستَثيرُ عَجاجَةً


هَوجاءَ راغِبَةً عَلى القيعانِ


في فَيلَقٍ تَعمى الغَزالَةُ دونَهُ


وَتَكوسُ خابِطَةً بِغَيرِ طِعانِ


مُتَضايِقٍ غَصَّت بِهِ فيحُ الفَلا


ضيقَ القَلائِدِ في رِقابِ غَوانِ


وَفَوارِساً يَتَسَمَّعونَ إِلى العُلى


نَغَماتِ كُلِّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ


مَشَقوا بِأَطرافِ القَنا قِمَمَ العِدا


إِنَّ الرَماحَ مَخاصِرُ الفُرسانِ


وَإِذا الغُبارُ نَهى العُيونَ تَدافَعوا


في الرَوعِ وَاِتَّكَلوا عَلى الآذانِ


أُسدٌ كَأَنَّ عَلى سَنابِكِ خَيلِهِم


يَومَ اللِقاءِ مُسِفَّةَ العِقبانِ


تُرعى الجَماجِمُ وَالجَميمُ إِزاءَها


وَدَمُ الطُلى بَدَلاً مِنَ الغُدرانِ


لَو شِئتَ شَتَّتَتِ الثَرَيّا شَملَها


جَزَعاً وَهَمَّ النِسرُ بِالطَيَرانِ


لَيسَ الحَمائِمُ بِالبِطاحِ وَحُجرُها


بِأَعَزِّ مِمّا نِلتَهُ بِأَمانِ


عَجَباً لِنارٍ جاوَرَتكَ خَديعَةً


في أَيِّ ناحِيَةٍ وَأَيَّ مَغاني


ما كانَ ذا إِلّا تَخَمُّطَ غارَةٍ


بُدِّلتَ مِن هَبَواتِها بِدُخانِ


ما ضَرَّ لَيثَ الغابِ نارٌ أُضرِمَت


في غابِهِ وَنَجا بِغَيرِ هَوانِ


وَمَتى تُهُضِّمَ ضَيغَمٌ وَتَوَلَّعَت


بِحَيا الغُيوثِ أَنامِلُ النيرانِ


وَأَنا اِبنُ عَمِّكَ ما يَسوكَ يَسوءُني


عُمرَ الزَمانِ وَمَن رَماكَ رَماني


ماذا فَليسَ بِضائِري أَن لَم أَكُن


لَكَ جارَ بَيتٍ أَو رَضيعَ لِبانِ


وَلَأَنتَ حَسرَةُ ذي الخُمولِ وَما دَرى


أَنَّ الثُرَيّا حَسرَةُ الدَبَرانِ


أَنا حَربُ ضِدِّكَ فَاِرضِني حَرباً لَهُ


وَاِرضَ السِنانَ مُصَمِّماً لِطِعانِ


وَكَفاكَ شُكري أَنَّ بِرَّكَ ظاهِرٌ


عِندي وَما يَخفى عَلى الأَعيانِ


وَإِذا سَكَتُّ فَإِنَّ أَنطَقَ مِن فَمي


عَنّي فَمُ المَعروفِ وَالإِحسانِ


فَاِكفُف سَماحَكَ وَاِثنِ مِن غُلَوائِهِ


إِنَّ الغِنى في بَعضِ ما أَعطاني


فَليَشكُرَنكَ ما شَكَرتُكَ غالِبٌ


وَذَوائِبُ الآباءِ مِن عَدنانِ


ما ماتَ مَن كَثُرَ الثَناءُ وَراءَهُ


إِنَّ المُذَمَّمَ مَيِّتُ الحَيوانِ


هَذا الإِمامُ يَذودُني عَن وَجهِه


وَيَسومُني لُقيا ذَوي الشَنآنِ


مُتَكَلِّفاً أَقتاتُ بِشرَ مَعاشِرٍ


لَهُمُ إِلَيَّ تَشازُرُ الغَيرانِ


تَتَناتَجُ الأَحقادُ بَينَ ضُلوعِهِم


وَيَزَمِّلونَ أَجِنَّةَ الأَضغانِ


وَأَنا الفَقيرُ عَلى غَزارَةِ جودِه


فَإِذا أَرادَ بيَ الغِنى أَدناني


لَم آلُ جُهداً في الثَناءِ وَإِنَّما


غَطّى بِعَرضِ نَداهُ طولَ لِساني


طَمِعَ المُعادي أَن يُقَرِّبَهُ وَمَن


صافى عَدُوّاً لي فَقَد عاداني


طَلَبَ العُلى وَأَبوهُ غَيرُ مُهَذَّبِ


بَينَ الوَرى وَالأُمُّ غَيرُ حَصانِ


وَلَأَنتَ أَولى أَن تُرِبَّ صَنائِعاً


كَثُرَت بِهِنَّ مَطامِعٌ وَأماني


وَإِذا بَقيتَ فَقَد شَفَيتَ مِنَ العِدا


قَلبي وَأَعطَيتَ الأَمانَ زَماني

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات