لمن الشوازب كالنعام الجفل

ديوان صفي الدين الحلي

لِمَنِ الشَوازِبُ كَالنَعامِ الجُفَّلِ

كُسِيَت حِلالاً مِن غُبارِ القَسطَلِ

يَبرُزنَ في حُلَلِ العَجاجِ عَوابِساً

يَحمِلنَ كُلَّ مُدَرَّعٍ وَمُسَربَلِ

شِبهَ العَرائِسِ تُجتَلى فَكَأَنَّها

في الخِدرِ مِن ذَيلِ العَجاجِ المُسبَلِ

فَعَلَت قَوائِمُهُنَّ عِندَ طِرادِها

فِعلَ الصَوالِجِ في كُراتِ الجَندَلِ

فَتَظَلُّ تَرقُمُ في الصُخورِ أَهِلَّةً

بِشَبا حَوافِرِها وَإِن لَم تُنعَلِ

يَحمِلنَ مِن آلِ العَريضِ فَوارِساً

كَالأُسدِ في أَجَمِ الرِماحِ الذُبَّلِ

تَنشالُ حَولَ مُدَرَّعٍ بِجِنانِهِ

فَكَأَنَّهُ مِن بَأسِهِ في مَعقِلِ

مازالَ صَدرَ الدِستِ صَدرَ الرُتبَةِ ال

عَلياءِ صَدرَ الجَيشِ صَدرَ المَحفَلِ

لَو أَنصَفَتهُ بَنو مَحاسِنَ إِذ مَشَوا

كانَت رُؤوسُهُمُ مَكانَ الأَرجُلِ

بَينا تَراهُ خَطيبَهُم في مَحفَلٍ

رَحبٍ تَراهُ زَعيمَهُم في جَحفَلِ

شاطَرتُهُ حَربَ العُداةِ لِعِلمِهِ

أَنّي كِنانَتُهُ الَّتي لَم تُنثَلِ

لَمّا دَعَتني لِلنِزاِلِ أَقارِبي

لَبّاهُمُ عَنّي لِسانُ المُنصُلِ

وَأَبَيتُ مِن أَنّي أَعيشُ بِعِزِّهِم

وَأَكونَ عَنهُم في الحُروبِ بِمَعزِلِ

وافَيتُ في يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ

أَغشى الهِياجَ عَلى أَغَرَّ مُحَجَّلِ

ثارَ العَجاجُ فَكُنتُ أَوَّلَ صائِلٍ

وَعَلا الضِرامُ فَكُنتُ أَوَّلَ مُصطَلِ

فَغَدا يَقولُ كَبيرُهُم وَصَغيرُهُم

لا خَيرَ فيمَن قالَ إِن لَم يَفعَلِ

سَل ساكِني الزَوراءَ وَالأُمَمَ الَّتي

حَضَرَت وَظَلَّلَها رِواقُ القَسطَلِ

مَن كانَ تَمَّمَ نَقصَها بِحُسامِهِ

إِذ كُلُّ شاكٍ في السِلاحِ كَأَعزَلِ

أَو مَن تَدَرَّعَ بِالعَجاجَةِ عِندَما

نادى مُنادي القَومِ يا خَيلُ اِحمِلي

تُخبِركَ فُرسانُ العَريكَةِ أَنَّني

كُنتُ المُصَلّي بَعدَ سَبقِ الأَوَّلِ

ما كانَ يَنفَعُ مَن تَقَدَّمَ سَبقُهُ

لَو لَم تُتَمِّمها مَضارِبُ مُنصُلي

لَكِن تَقاسَمنا عَوامِلَ نَحوِها

فَالإِسمُ كانَ لَهُ وَكانَ الفِعلُ لي

وَبَديعَةٍ نَظَرَت إِلَيَّ بِها العِدى

نَظَرَ الفَقيرُ إِلى الغَنِيِّ المُقبِلِ

وَاِستَثقَلَت نُطقي بِها فَكَأَنَّما

لَقِيَت بِثالِثِ سورَةِ المُزَّمِّلِ

حَتّى اِنثَنَت لَم تَدرِ ما تَتَّقي

عِندَ الوَقائِعِ صارِمي أَم مِقوَلي

حَمَلوا عَلَيَّ الحِقدَ حَتّى أَصبَحَت

تَغلي صُدورُهُمُ كَغَليِ المِرجَلِ

إِن يَطلُبوا قَتلي فَلَستُ أَلومُهُم

دَمُ شَيخِهِم في صارِمي لَم يَنصُلِ

ما لي أُسَتِّرُها وَتِلكَ فَضيلَةٌ

الفَخرُ في فَصدِ العَدُوِّ بِمِنجَلِ

قَد شاهَدوا مِن قَبلِ ذاكَ تَرَفُّعي

عَن حَربِهِم وَتَماسُكي وَتَجَمُّلي

لَمّا أَثاروا الحَربَ قالَت هِمَّتي

جَهِلَ الزَمانُ عَلَيكَ إِن لَم تَجهَلِ

فَالآنَ حينَ فَلَيتُ ناصِيَةَ الفَلا

حَتّى تَعَلَّمَتِ النُجومُ تَنَقُّلي

أَضحى يُحاوِلُني العَدُوُّ وَهِمَّتي

تَعلو عَلى هامِ السِماكِ الأَعزَلِ

وَيَرومُ إِدراكي وَتِلكَ عَجيبَةٌ

هَل يُمكِنُ الزَرزورَ صَيدَ الأَجدَلِ

قُل لِلَّيالي وَيكِ ما شِئتِ اِصنَعي

بَعدي وَلِلأَيّامِ ما شِئتِ اِفعَلي

حَسبُ العَدُوِّ بِأَنَّني أَدرَكتُهُ

لَمّا وَليتُ وَفُتُّهُ لَمّا وَلي

سَأَظَلُّ كُلَّ صَبيحَةٍ في مَهمَهٍ

وَأَبيتُ كُلَّ عَشِيَّةٍ في مَنزِلِ

وَأَسيرُ فَرداً في البِلادِ وَإِنَّني

مِن حَشدِ جَيشِ عَزائِمي في جَحفَلِ

أَجفو الدِيارَ فَإِن رَكِبتُ وَضَمَّني

سَرجُ المُطَهَّمِ قُلتُ هَذا مَنزِلي

لا تَسمَعَنَّ بِأَن أُسِرتُ مُسَلَّماً

وَإِذا سَمِعتَ بِأَن قُتِلتُ فَعَوِّلِ

ما الاِعتِذارُ وَصارِمي في عاتِقي

إِن لَم يَكُن مِن دونِ أَسري مَقتَلي

ما كانَ عُذري إِن صَبَرتُ عَلى الأَذى

وَرَضيتُ بَعدَ تَدَلُّلي بِتَذَلُّلي

فَإِذا رُميتَ بِحادِثٍ في بَلدَةٍ

جَرِّد حُسامَكَ صائِلاً أَو فَاِرحَلِ

فَلِذاكَ لا أَخشى وُرودَ مَنِيَّتي

وَأَرى وُرودَ الحَتفِ عَذبَ المَنهَلِ

فَإِذا عَلا جَدّي فَقَلبي جُنَّتي

وَإِذا دَنا أَجَلي فَدِرعي مَقتَلي

ما تِهتُ بِالدُنيا إِذا هِيَ أَقبَلَت

نَحوي وَلا آسى إِذا لَم تُقبِلِ

وَكَذاكَ ما وَصَلَت فَقُلتُ لَها اِقطَعي

يَوماً وَلا قَطَعَت فَقُلتُ لَها صِلي

صَبراً عَلى كَيدِ العُداةِ لَعَلَّنا

نَسقي أَخيرَهُمُ بِكَأسِ الأَوَّلِ

يا عُصبَةً فَرِحوا بِمَصرَعِ لَيثِنا

ماذا أَمِنتُم مِن وُثوبِ الأَشبُلِ

قَومٌ يُعِزّونَ النَزيلَ وَطالَما

بَخِلَ الحَيا وَأَكُفُّهُم لَم تَبخَلِ

يَفنى الزَمانُ وَفيهِ رَونَقُ ذِكرِهِم

يَبلى القَميصُ وَفيهِ عَرفُ المَندَلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات